لقد خلق تواجد الآلاف من المواطنين الأفارقة طيلة السنوات الماضية مشكلة اجتماعية اقتصادية ثقافية أخلاقية معقدة بحيث طالت هؤلاء المهاجرين عمليات تحيّل و تمييز عنصري و عنف جسدي و انتهاكات جسدية و ابتزاز و قلة احترام و بالمقابل شهدت تونس حالات اعتداء و تحيل مختلفة اقترفها بعض المهاجرين أسالت كثيرا من الحبر و تسببت في صدور عديد المواقف بين التنديد و التعاطف.
بقلم أحمد الحباسي
منذ سقوط نظام الرئيس زين العابدين بن علي و صعود حركة النهضة للحكم بعد انتخابات 2011 شهدت تونس طفرة غير مسبوقة من الأجانب و بالذات من النازحين الأفارقة من جنوب الصحراء. بطبيعة الحال و بمرور الوقت تبين أن موضوع هجرة هؤلاء النازحين قد بدأت تتطور لتصبح مشكلة أمن قومي و تغيير ديموغرافى خاصة بعد حصول عدة جرائم بشعة استهدفت هؤلاء المهاجرين أو تمّ ارتكابها من طرفهم ضد بعض المواطنين التونسيين.
لعل أهم ما يمكن الحديث عنه و الإشارة إليه في هذا السياق و بعد أن تعالت الأصوات من هنا و هناك منادية بترحيل هؤلاء اللاجئين أن المشكلة قد تشعبت و باتت مدار مناكفات سياسية مشبوهة إضافة إلى تدخل بعض الأطراف المحسوبة على مؤسسات المجتمع المدني و التي يعلم الجميع ارتباطاتها بتنفيذ الأجندات الأجنبية المشبوهة و السعي إلى أن لا تكون تونس مجرد نقطة عبور بل أرض ميعاد لكل اللاجئين أو النازحين من عديد الدول الإفريقية أو من بؤر التوتر في الشرق الأوسط.
هل يمكن أن نتخيّل تونس دون هجرة أو مهاجرين؟
إن مناقشة وضعية تواجد النازحين الأفارقة في تونس تتطلب كثيرا من الرصانة و الموضوعية نظرا لتشعب القضية و ارتباطها العضوي بعدة عوامل داخلية و خارجية على أكثر من صعيد فما نلاحظه منذ فترة حالة من نموّ مشاعر الغضب نحوهم رأوا فيها شبه نزعة عنصرية و اتجاها نحو العنف لإجبارهم على مغادرة البلاد دون تمكينهم في بعض الأحيان من حقوقهم.
ملف متفجر يحتاج إلى كثير من التروي
من الواضح أنه على الرغم من غياب إطار قانوني يؤطر وضعية اللاجئين الأفارقة إلى تونس و حرص الدولة على اعتماد سياسة متوازنة في ملف الهجرة بإمكانه أن يتلاءم مع المواثيق و التشريعات الدولية لكن تبيّن مع الوقت أن المشكلة لم تعد في سنّ التشريع أو كيفية تطبيقه بل فيما يراد من إثارة هذا الملف بين الفينة و الأخرى و في تواقيت أقل ما يقال فيها أنها مشبوهة تؤكد للمتابع أن هناك من يسعى إلى توطين اللاجئين و خلق بؤرة متعفنة تستغلها بعض الجماعات الإرهابية لتفريخ الإرهاب و إحضار قطع آدمية جديدة تحلّ محل الإرهابيين الذين سقطوا في بؤر القتال في سوريا و ليبيا.
لماذا دخل الاتحاد العام التونسي للشغل على الخط مؤكدا بأنه يتبنى ملف النازحين؟ لماذا يصرّ السيد نورالدين الطبوبي الأمين العام لاتحاد الشغل على إدخال أنفه في ملف متفجر يحتاج إلى كثير من التروي و الحنكة لإدارته و كشف من وراء هذه الأفواج القادمة إلى تونس و هل يمكن القبول بأن الاتحاد بما يملكه من “أجهزة تنصت بشرية” في كامل ربوع البلاد لا يعلم خفايا ملف الاستيطان المفروض على تونس؟ كيف يقبل الاتحاد بتواجد الآلاف من الأفارقة مع ما يرتبه ذلك من ضيق أمنى و شعبي في وقت تعانى فيه البلاد من ضيق و كرب اقتصادي غير مسبوق جعلها تقف على باب المقرضين الأجانب دون أن تنال ما يسد عجز ميزانيتها؟
هذه بعض الأسئلة التي يتجنب البعض طرحها أو التي يتعمد البعض الآخر من مناوئي الاتحاد طرحها خاصة في الفترة الأخيرة التي تصاعد فيها الخلاف بين المركزية النقابية و بين رأس الدولة السيد قيس سعيد فيما اعتبره البعض معركة فاصلة لكسر العظم.
قنبلة انشطارية موقوتة
ببساطة يعتبر ملف وجود الأفارقة من جنوب الصحراء و في هذه الفترة بالذات ملفا حارقا كما يعتبر سكوت الحكومة عليه جريمة دولة بامتياز لأن هناك كثير من الإشارات تؤكد أن تواجد هذه الأفواج اليومية المسترسلة ليس أمرا عفويا و أن استمرار وجودهم خاصة في ظل هشاشة الوضع الأمني و تعاظم قوة المهربين و بعض الجماعات الإرهابية المتواجدة جنوب الصحراء التونسية و إمكانية استغلال بعض أجهزة المخابرات العربية و الأجنبية لبعض المهاجرين و تجنيدهم للقيام بعمليات إرهابية هو عبارة عن قنبلة انشطارية موقوتة يمكن أن يؤدي انفجارها إلى نتائج كارثية و إلى بلبلة غير محدودة لدى الرأي العام.
ربما تعود هجرة هؤلاء المواطنين الأفارقة لأسباب مختلفة و متعددة يمكن اختزالها في الهروب من الظروف الأمنية و السياسية و الاقتصادية حيث تداس الحريات و ترتكب جرائم القتل على الهوية أحيانا لكن من المؤكد أن الوضع العام بالبلاد لا يحتمل مجرد وجود هؤلاء النازحين حتى لفترات ترانزيت قصيرة جدا خاصة في ظل عدم وجود إحصاء دقيق لعددهم و عدم وجود ترتيبات أمنية واضحة لضبط تحركاتهم.
لقد خلق تواجد الآلاف من المواطنين الأفارقة طيلة السنوات الماضية مشكلة اجتماعية اقتصادية ثقافية أخلاقية معقدة بحيث طالت هؤلاء المهاجرين عمليات تحيّل و تمييز عنصري و عنف جسدي و انتهاكات جسدية و ابتزاز و قلة احترام و بالمقابل شهدت تونس حالات اعتداء و تحيل مختلفة اقترفها بعض المهاجرين أسالت كثيرا من الحبر و تسببت في صدور عديد المواقف بين التنديد و التعاطف. و لكن و من ناحية أخرى من المؤكد أنه باستثناء المنشور عدد 16 لسنة 2000 المتعلق بالحصول على العلاج المجاني فإنه لا وجود لنص يتضمن صراحة التنصيص على حق هؤلاء المهاجرين في الرعاية الصحية و هو ما يعقد مسألة استمرار تواجدهم بالأراضي التونسية نظرا لما يمكن أن يحمله هؤلاء من عدوى و أمراض فيروسية خطيرة لا يمكن للمؤسسة الطبية التونسية المتهالكة تحملها.
لقد قيل الكثير في موضوع تسلل المواطنين الأفارقة من جنوب الصحراء إلى تونس و لكن من الظاهر أن الحلول منعدمة و ستبقى المشكلة قائمة بما تمثله من تحديات و أخطار.
كاتب و ناشط سياسي.
شارك رأيك