بقلم: سامي بن سلامة
ينص الفصل 25 من دستور جانفي 2014 على أنه يحجر سحب الجنسية التونسية من أي مواطن أو تغريبه أو تسليمه أو منعه من العودة إلى الوطن. وهو فصل يتبين اليوم بأنه من بين جملة الفصول الملغمة التي تهدد أمن تونس ووحدتها وسيادتها على ترابها الوطني.لا يمكن للدولة التونسية بمقتضى ذلك الفصل منع عودة الآلاف المؤلفة من العناصر شديدة الخطورة انضوت طيلة سنوات تحت لواء تنظيمات إرهابية متعددة. فتمرست على مختلف أساليب القتل والإرهاب وتعودت على سفك الدماء واضطرت نتيجة المتغيرات الدولية والاقليمية وبسبب الهزائم المتتالية للتنظيمات التي تنتمي لها إلى الفرار والعودة إلى موطنها الأصلي الذي لا يخلو من مخازن السلاح التي لم تكتشف بعد.
لا يخفى على أحد بأن الدستور نص كذلك في فصله 27 على أن المتهم بريء إلى أن تثبت إدانته في محاكمة عادلة تُكفل له فيها جميع ضمانات الدفاع في أطوار التتبع والمحاكمة. وهو فصل منطقي يقر قرينة البراءة كما في جميع دساتير العالم إلا أنه وفي وضع تونس اليوم لا يمكن من منع أي شخص سلك طريق الإرهاب وارتكب جرائم مهما كان نوعها في الخارج من التمتع بالجنسية التونسية أو من العودة إلى الوطن. طبعا يمكن محاكمته إن توفرت الأدلة مع تمتعه بجميع حقوقه كمواطن ولكن يعلم الجميع أن ذلك غير ممكن عمليا فمئات بل آلاف الارهابيين المقبوض عليهم من قبل المصالح الأمنية لم يحاكموا بعد ومنهم من أطلق سراحه من قبل القضاء رغم توفر الأدلة وهو ما يجعلنا نتخيل الأمر فيما يتعلق بجرائم ارتكبت في الخارج ولا تعلم الدولة عنها شيئا.
يتناقض الفصل 25 من الدستور مع الفصلان 32 و33 من مجلة الجنسية الموجودة إلى اليوم على موقع وزارة العدل التونسية
http://www.ejustice.tn/fileadmin/fi…
الفصل 32 – يفقد الجنسية التونسية التونسي الذي يباشر عملا بمصلحة عمومية تابعة لدولة أجنبية أو في جيش أجنبي ويحتفظ بذلك العمل بعد مضي شهر من تاريخ توجيه إنذار له من الحكومة للتخلي عنه إلا إذا أثبت أنه تعذر عليه ذلك. ففي هذه الحالة لا يجري أجل الشهر إلا من يوم زوال المانع. ويحرر المعني بالأمر من تبعيته لتونس من تاريخ الأمر الصادر بفقدان الجنسية التونسية
الفصل 33 – يمكن بأمر إسقاط الجنسية التونسية عمن اكتسبها: 1 إذا صدر عليه حكم لارتكابه فعلة توصف بجناية أو جنحة ضد أمن الدولة الداخلي أو الخارجي. 2 أو إذا قام لفائدة دولة أجنبية بأعمال تتنافى وصفة التونسي وتضر بمصالح تونس. 3 أو إذا صدر عليه الحكم بتونس أو بالخارج من أجل فعلة توصف حسب القانون التونسي بجناية وترتب عليها عقاب بالسجن مدة لا تقل عن خمس سنوات. 4 أو إذا صدر عليه الحكم من أجل امتناعه من أداء الواجب الذي يفرضه عليه قانون التجنيد.
هذان الفصلان يبينان بجلاء في التطبيق مدى اخلال دستور 2014 بأمن تونس واستقرارها إذ أنه بغيابهما مع اندثار الدولة التسلطية لم يعد يمكّن الدولة التي أضحت ”ديمقراطية“ من حماية نفسها.
ورغم تنصيصه في فصله 9 على أن الحفاظ على وحدة الوطن والدفاع عن حرمته واجب مقدس على كل المواطنين فإن الدستور الجديد يوفر جميع الضمانات التي تمكن الدولة وتكفل لها الحفاظ على مصلحة تونس بل أنه أضر بمصلحتها وبأمنها القومي. إذ جعلها في النهاية عاجزة عن اتخاذ أية إجراءات قانونية جذرية ضد من خان الوطن وتخلى عن انتمائه وانتمى لجيوش أو ميليشيات أجنبية وارتكب من الجرائم ما تقشر له الأبدان إذ أن مجلة الجنسية لم تعد صالحة للتطبيق لتناقضها مع الدستور.
فلا الدولة قادرة على منع عودة مرتزقة إرهابيين متعودين على حمل السلاح والقتل وارتكاب جميع أنواع الجرائم والانتهاكات ولا هي قادرة على اثبات اتيانهم تلك الأفعال ولا هي حتى قادرة على محاكمتهم لصعوبة توفر الأدلة في حق الآلاف من الارهابيين.
قد يكمن الحل في سن قوانين تضع ضوابط تقتضيها دولة مدنية ديمقراطية وبهدف حماية حقوق الغير أو لمقتضيات الأمن العام أو الدفاع الوطني وفق ما ورد بالفصل 49 من الدستور.
ينص ذلك الفصل على أن ّ القانون يحدد الضوابط المتعلقة بالحقوق والحريات المضمونة بهذا الدستور وممارستها بما لا ينال من جوهرها. ولا توضع هذه الضوابط إلا لضرورة تقتضيها دولة مدنية ديمقراطية وبهدف حماية حقوق الغير، أو لمقتضيات الأمن العام، أو الدفاع الوطني، أوالصحة العامة، أو الآداب العامة، وذلك مع احترام التناسب بين هذه الضوابط وموجباتها. وتتكفل الهيئات القضائية بحماية الحقوق والحريات من أي انتهاك…
فإما أن يسن مجلس نواب الشعب قانونا يحمي الدولة والمواطنين من طائفة الإرهابيين العائدة وإلا فلا حل غير تعديل الفصل 25 المذكور وفقا للمستجدات المتعلقة بقضية عودتها والتي يبدو أن واضعي الدستور ومنهم من ساند أو ساهم في تسفيرهم وضعوه تحسبا ليوم كأيامنا هذه.
شارك رأيك