يمثل قرار اجتماع الجامعة العربية الأخير القاضي بالموافقة بالإجماع على عودة سوريا لشغل مقعدها بالجامعة حدثا استراتيجيا تاريخيا لا يقل تأثيره و وقعه السياسي عن أحداث تاريخية سابقة غيّرت سياق التاريخ و لعل الجميع يجزمون اليوم و بمنتهى الوضوح أن سوريا لم تعد للجامعة العربية بل أن الجامعة العربية هي التي انحنى بعض أعضائها المؤثرين مثل السعودية و مصر و الأردن و المغرب للقبول بعودة أحد أهم قلاع المقاومة العربية و التي سعوا بكل الطرق و بالتعاون مع إسرائيل و أمريكا على وجه الخصوص إلى تدميرها و إسقاط نظامها بقيادة الرئيس بشار الأسد.
بقلم أحمد الحباسي
بطبيعة الحال هذا القرار المتأخر جدا لم يأت من فراغ بل هو نتاج لحالة صمود أسطورية للشعب و القيادة السورية، هذه القيادة التي طالب المتآمرون الخليجيون بقيادة قطر و السعودية و المتآمرون الأجانب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية و إسرائيل و تركيا و كثير من الدول الأوروبية برحيلها أو جرّها للمحاكم الدولية للمحاكمة.
“سنكون أين يجب أن نكون” : لعلها أحد العبارات المفتاح لفهم جزء مما حدث و أدى إلى صمود سوريا في وجه المؤامرة القذرة التي مولتها السعودية و قطر و العبارة لسماحة السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله في جواب عن سؤال حول أسباب وجود قوات من الحزب بالقطر السوري، أيضا لا يمكن أن ننكر الدور الاستراتيجي الإيراني و الروسي في مساندة سوريا و بالذات تصدى روسيا بإعلان الفيتو ضد ما لا يقل عن أربعة قرارات لمجلس الأمن كانت تريد تفعيل تدخل في سوريا تحت البند السابع و هو التدخل القذر الذي طالبت به الجامعة العربية نفسها بقيادة الأمينين العامين السابقين عمرو موسى و نبيل العربي.
مسمار في نعش مشروع الإسلام السياسي
يعتبر قرار الرئيس المصري السابق محمد مرسي بقطع العلاقات مع سوريا و وقوفه إلى جانب الجماعات الإرهابية حالة تشابك مصالح بين الإخوان المسلمين و الجماعات الإرهابية و المخططات الصهيونية الأمريكية و لذلك يمكن اعتبار قرار الجامعة العربية الأخير بمثابة دق مسمار في نعش مشروع الإسلام السياسي برمته في كامل المنطقة العربية .
لو ذكرنا عدد القيادات العربية و الأجنبية التي “بشرت” بسقوط الرئيس بشار الأسد أو هروبه أو محاكمته و على رأسهم باراك أوباما و تونى بلير و جاك شيراك و سعود الفيصل و المنصف المرزوقي إضافة طبعا إلى راشد الغنوشي و حمد بن خليفة و رجب طيب أوردغان و هيلارى كلينتون و نيكولا ساركوزي و فرانسوا هولاند و أنجيلا ميركل و بطبيعة الحال كل القيادات الصهيونية و عبد الله الثاني و سعد الحريري لانتهينا إلى قائمة لا تحصى و لا تعد من هؤلاء المتآمرين الذين غادر أغلبهم الحلبة السياسية دون تحقيق أحلامهم الخبيثة.
لعل حديث حمد بن جاسم وزير الخارجية و رئيس الحكومة القطري السابق لإحدى القنوات القطرية يكشف الستار عن جزء ضئيل جدا من حجم المؤامرة التي شاركت السعودية و قطر في تمويلها و تنفيذها و تغطيتها إعلاميا باعتماد سياسة تضليل غير مسبوقة و لعل المتابع لما حدث لا يمكنه نسيان خيانة قيادة حماس بقيادة خالد مشعل و إسماعيل هنية و طعنها لسوريا في الظهر وهي في محنتها بالوقوف إلى جانب المجموعات الإرهابية التي تستهدف الجيش السوري في موقف يندى له الجبين.
إعادة ترتيب المحاور
لماذا انحنى النظام السعودي و قرر فتح الأبواب هذه المرة و لماذا تتحدث أشباح الائتلاف السوري العميل عن خيانة سعودية؟ لماذا يلهث الرئيس رجب طيب أوردغان الذي وعد الشعب التركي بالصلاة في المسجد الأموي وراء تحديد موعد للقاء الرئيس بشار الأسد؟ لماذا صمت نظام قطر المتآمر و بلع لسانه مصادقا على عودة سوريا و هو الذي سبق له إهداء مقعدها أثناء قمة الدوحة للائتلاف السوري العميل؟ أين اختفى رموز الائتلاف السوري؟ ما مصير الجماعات الإرهابية التي مولتها دول الخليج و كيف ستتصرف تركيا مع كل تلك الجماعات التي باتت تشكل خطرا عليها؟ هل ستختار أمريكا البقاء فئ التراب السوري لمعاضدة هذه المجموعات الإرهابية؟ هل سيتم بعث مشروع “مارشال” لإعمار سوريا؟ كيف ستتصرف سوريا مع حماس؟ هل أن الفترة القادمة ستشهد انبعاث محور استراتيجي سوري روسي إيراني صيني سيكون بداية نهاية سياسة القطب الواحد؟ ماذا سيكسب محور المقاومة (سوريا، حزب الله و إيران) من انتصار سوريا و فرض نفسها مجددا رقما صعبا في معادلة الصراع في الشرق الأوسط ؟ هل ستشهد العلاقات السورية الروسية زخما غير مسبوق يتحدث كثير من الملاحظين على أن أمريكا قد خرجت الخاسر الأكبر من تنفيذ مؤامرتها القذرة ضد سوريا؟
يدرك كل هؤلاء أن الإستراتيجية الأمريكية لتفتيت المنطقة العربية لن تتوقف كما يدركون أن الإدارة الأمريكية لا تنظر بعين الرضا للتقارب السعودي الروسي الإيراني الصيني الأخير و الذي بات يشكل صداعا للرئيس جو بايدن و لإدارته الفاشلة كما يدرك الرئيس التركي رجب أوردغان الذي يمكن أن يسقط في الانتخابات الرئاسية هذه الأيام أنه فشل في إسقاط النظام السوري و أن هذا الفشل لن يكون من السهل معالجته دون تقديم تنازلات موجعة للرئيس بشار الأسد الذي سعى لإسقاطه بكل الطرق القذرة الممكنة.
على الجانب الآخر تدرك إسرائيل أن ساعة الجدّ قد حانت و أن ما ارتكبته من اغتيالات و ضرب للبنية التحتية السورية ستكون له عواقب قريبة خاصة في ظل انتهاء الصراع السني الشيعي بين إيران و السعودية و مع ما يترتب عن ذلك من نمو الاقتصادين السوري و الإيراني.
بماذا خرجت قطر و جماعات الإسلام السياسي من مشاركتها في المؤامرة على سوريا؟ بطبيعة الحال صفر مكعب و لا عزاء للخونة.
كاتب و ناشط سياسي.
شارك رأيك