تونس : قيس سعيد هو الطريق الأولى و عبير موسي هي الطريق الثاني

في هذه التدوينة الطويلة التي نشرها اليوم على صفحته الفايسبوك الكاتب يطلق نواقيس الخطر فتونس في خطر و لا يمكن مواصلة نهج الصراع على السلطة وهو يدعو الدستوريين من أصدقائة إلى المساعدة على إنجاح قيس سعيد وهو الطريق الأول و يرى أن الطريق الثاني هو الحزب الدستوري و عبير موسي إن هما تغيرا وفتحا الأذرعة للجميع من الحزب و من خارجه…

بقلم أ.د الصادق شعبان

دقت ساعة الحقيقة… الوضع في تونس صعب جدا… الجوع و الحرمان دخل البيوت… عيون الأطفال تسألني… الأصوات ترتفع لا رادع لها… الإعلام يضخم و يرتب البز… الأيادي تستعد لافتكاك القوت بالقوة… الشارع يتململ… و يوما ما يخرج دون موعد…

سياسيون من عشرية الدمار – و ليسوا الاغلبية احقاقا للحق – مستعدون لاتباع سياسة الأرض المحروقة… ألم يفعلوا ذلك مع المقيم العام الفرنسي سابقا… و مع بريمر و كلنتن منذ عشر سنوات… جابوا السفارات آلالف المرات و يجيبون اليوم و يتلحسون و يبيعون أوطانهم… أغلبهم من تجار الدين … و ممن لا طعم لهم و لا رائحة… هؤلاء معروفين… لن يتغيروا أبدا… نحتقرهم و الأجانب يحتقروهم… يستعملونهم و يرمون بهم عند انتهاء المهمة في سلة القذارة…

الصدق و النظافة لا يكفيان

ما يهمنا أولا و أخيرا دولتنا… لنا رئيس نظيف صادق… تقولون عنه ما تقولون… مغرور عنيد لا يسمع أحدا… الصدق و النظافة هما المعدن الأول لكل قيادي. وهو الأساس في مجتمع نخره الفساد و غير كل المعطيات الديمقراطية… لكنه غير كاف… نعم غير كاف… يجب الخبرة و الحنكة و العمل بمنطق الدولة، لا للتشنج، الفعل قبل الكلام، صوت لطيف، استضافة الناس، لم الشمل… الترفع …

لكن تقولون أن الصدق و النظافة لا يكفيان … أوافق …نريد ان يقدم خطة واضحة دون ضباب… نعلم بها… و يد من حديد لا ترتعش… قادر على جرنا إلى شاطئ الأمان… لكني أعرف حجم الخراب الذي حصل… كل حجرة تحتها أفعى… و حجم الاختراق في كل أجهزة الدولة… أمن، ديوانة، قضاء، مالية، أجهزة رقابة… و المال الوسخ الذي يدور… و أعرف صعوبة التنظيف… و العرقلة… و المصالح… و مسك الملفات… و كل من أزحته انتصب معرضة و تربع على الفايسبوك و اتصل بالمافيا السياسو مالية إلا القليل النادر…

لكن التنظيف و الإصلاح هذا لا يصنعه شخص بمفرده… و لا يصنع في أشهر أو أعوام… و لا يصنع دون كسر… و لا يصنع بفتح كل الجبهات… و قد يكون قام حول التنظيف الجديد موسخون جدد… نحن ننتقص من هذه الآفات. إزالتها مستحيلة… و في أعرق الديمقراطيات بقيت، لكن منظومة الردع و المحاسبة موجودة…

بدأ الرئيس بإعادة تنظيم الدولة وهي دون شك الإطار الأول و الضروري ، و هي أولى الأولويات… لكن لا نغرق في التفاصيل… لا نبحث عن تغيير كل شيء الآن… المقترحات البهلوانية نتركها لأيام الرخاء إن أتت، بعد الفراغ من التنظيف الأساسي الأدنى…

الأساسيات و الأولويات والضروريات

الآن الأولوية القصوى : إنجاح استفتاء جويلية 2022… في هذا أقول : أعرض على الناس ما تريد، ةد لا تخيفهم، و قدم لهم ما قبلوه لا غير… البقية تأتي إن صحت جدواها… لكن لا ننسى أن قبل الأولويات… هناك الضروريات… الضروريات هي وجبة الطعام الدنيا، و ذهاب الابناء إلى المدرسة بانتظام في لباس مقبول و غذاء مقبول، و مداوة المريض كلما استفاق في الصباح مريضا، و إيجاد عمل لمن لا عمل له و دخلا أفضل لمن لا دخل كاف له، و التنقل العمومي دون معانات و تحرش، و قضاء ساعات من الترفيه أمام التلفاز أو في حديقة المدينة أو في زيارة أقرباء حتى ينتقص الاكتئاب و حتى نخفف من المعاناة اليومية… هذا العمل لا يترق.. فهل فكرنا فيه… و قد قتلوه في عشرية خراب…

أين الحكومة… أتركها تعمل… و تغير… و تكون طموحة… الاقتصاد عندها ليس عندك… كما لا ننسى أن الضروريات لا تكون دون توفير العمل و دون الدخل الكافى… و المصنع لا يواصل عمله ما لم نحسن الإنتاج و نوفر الربح و نوزع الثروة التي انتجناها بصورة ترتلح إليها كل أطراف المؤسسة عمال و أصحاب أعمال…

كل هذا يكون إن نحن أخرجنا الاقتصاد من الركود… هذا الركود القاتل الذي أسسناه على مدى عشرية الخراب، بعدما ما كانت توتس في أفضل مراتب التنافسية في 2010 (32 على 180 دولة) لا تحتاج إلى مليم واحد من صندوق النقد الدولي و لما تخرج إلى السوق الخاصة يطلب ودها كبار الممولين بفوائض متواضعة… عندها كان هناك محمد الغنوشي و توفيق بكار و المنجي صفرة و مصطفى النابلي و كنا نحن نعد أفضل الكفاءات و نؤمن الضمانات القضائية و اتحاد الشغل منعاونا يلقى رضا منخرطيه… كل المنظومة السياسية شاركت في النجاح… كثيرون بالمئاف قبلوا المشاركة من باب الوطنية و من منطق الدولة الواحدة لكن تم استغلالهم أو رفضهم… لهم الف تحية وطنية، و لمن رفضهم حساب التاريخ…

من خدم تونس لا تاريخ شعبي له

هؤلاء لا شارع كتب باسمهم … غيروا جامع العابدين باسم مالك بن أنس القادم من الغياهب و ما نفع البلاد في شيء و سموا شارع في صفاقس باسم الإرهابي محمد الزواري و انظروا أسماء فقهاء الخراب في أنهجنا و من خدم تونس لا تاريخ شعبي له…

إعادة تشغيل الاقتصاد له رجاله… و أغلب رجاله هم رجال الأمس، الكثير منهم خدموا الدولة الوطنية بكفاءة و نزاهة… أما بعض موظفي اليوم فهم لا يفقهوا و دورهم آخر في أجندات خطيرة…

أول المشاكل خفض الديون و سداد ما خل منعا و منذ 2023 سوف يفتح البوغاز… الجريمة الشنعة، و يبدو أن أغلب المال تبخر… و الجمعيات التي تسير في فلك المخابرات دون أن تعلم حدث و لا حرج… الآن كل طفل تونسي يولد عوض الحصول على إرث أبيه يجد عشرة ملايين دين كل سنة على عاتقه يسددها للأجانب على مدى سنوات طويلة… هل تعرف يا بورقيبة و يا بن على ماذا فعلوا باحفادك ؟ أين انت يا بورقيبة و يا بن على… ترتكم لنا صفر ديون و تركتم لنا تعليما و أخلاقا و وحدة نصنع بهم المال… جلب الاستثمار الذي هو المحرك الفعلي أصبح صعبا أمام غياب الاستقرار… و أصبح مستحيلا أمام ضباب الرؤية و أمام بروز الخصومات للعلن بين النقابات و الأعراف و الحكومة… و أصبح غموض القضاء و فساد الإدارة الحاجز القاتل…

رجال الأعمال هم في أعين البعض مجرمون مصاصوا دماء… غريب هذا الفهم … بعضهم غذى هذا الفهم و الآن يسير في سيارة بورش و مرسديس و أودي و يتفح له الباب و يلبس أنيقا و يقضي أسابيع في أفخر النزل… دون خلاص الإقامة له و لأقربائه… ليسوا الكل أبدا ، إنما البعض… إذا بقيت هذه النظرة نقول على البلاد السلام…

لو كنت رئيسا لقضيت ربع الوقت مع رجال الحقيقيين، لا مع الكناترية و المافيا… فأنا أرى وطنيتهم و حماسهم و غيرتهم و لم أرى تصورات للبلاد أفضل من تصوراتهم…

دون عودة الاقتصاد لقوته قبل عشرية الدمار، لا التشغيل يعود و لا الأجور ترتفع و لا العيش يتحسن و لا الترفيه ممكن … دون اقتصاد معرفي مجدد، لا التعليم يرتقي و لا التحكم في التكنولوجيا يبقى و لا المؤسسات المجددة تحدث و أنا أدير جامعة خاصة في علوم الهندسة و الأعمال و القانون أعي كل ما أقول و أجهد أن أكون النخبة و أعيد الكفاءات لتونس و قد نجحت في ذلك… رأيي قلته و أعيده و لا أخشى لوم لائم … مع كل احترامي لمن أراد إبعادى عن مسار جويلة… و كل من وعدني بمستقبل واعد إذا توخيت الابتعاد …

لإتيان بالحلول لا التسول للحلول

صحيح ليس كل الموجود على أحسن ما يرام … لكن الموجود أفضل مما كان بكثير… و لا مقارنة البتة… أقول لمن يريد العودة إلى الوراء و يبدي إجراءات عاجلة للحوار و للانتخابات السابقة، أقول أن قرار 25 جويلية هذا الذي نزل إليكم من السماء لن يعود أبدا… لقد حصل في لحظة جنون لن تعود، و الإقدام الذي قام به قيس سعيد لن يقدم عليه أي مدني آخر… لو نجحتم في إخفاق مساعي الرئيس، فسوف تعودن إلى النقطة الصفر بل الى الصفر ذاته… و تعيشون خريف العمر في مستنقع 2024 دون انقطاع…

الحوار الجديد مخاتلة و محاولة يائسة لن تنجح… تعديل الدستور كذب و لن يكون… إذا أعدتم منظومة الدمار، من كان مدارج البرلمان يولول و يهرول سوف يصبح في المنصة و من كان في المنصة يصبح في المدارج يولول و يهرول… المهازل سوف تعود… الباز الإعلامي سوف يتواصل… الحكومات تتالى… القرار يعطل… العالم يضحك… و المؤسسات المالية تتوقف عن كل معاملة و المستثمرون يهاجرون بأصغر حقيبة… الشعب هو الذي يعود ليئن ثم ما يلبث ان ينفجر… و الناس تنتفض من حول الشاشات و تخرج من الشوارع… في غضب منقطع النظير…

من كان مستعجلا و يريد الانتخابات الآن أعانه الله … أخشى فقط على الدساترة الذين حشروا و انساقوا أن يندموا لما لا ينفع الندم… ما كنا نبكي تخت الخيام… هذا باز و ليس نضال. منذ أشهر عديدة أعرف ان القرضاوي و جمعيات أخرى في طور الغلق… نحن في الحزب الدستوري كنا نصنع الأفكار و يجل ان نبقى هكذا… نحن نقنع الناس لا نستعطفهم… دورنا بناء الدولة لا استعطاف ناخبين… دورنا الإتيان بالحلول لا التسول للحلول… دستورنا كان محبوبا لما خدم الناس و استثاقوه .. حزبنا أصبح مكروها لما خدم زعاماته و ألهها و عامة الناس يهزؤون…

تلقيت آلاف الطلبات للتاسيس الجديد… لكني رفضت خوفا من تقسيم الحركة الدستورية التي قضيت ناشطا فيه خمسة و ستين سنة و لن أقبل أي شرخ فيها… إنما نريده حزبا مؤسساتيا مفتوح الأيدي لا زعاماتيا إقصائيا… قاسينا من هذا و كان سبب ضعف الحزب الدستوري… ثم لا ننسوا… نجحنا لأننا عملنا مع الوطنيين، الشغالين و الأعراف و الفلاحين و كل المنظمات الشبابية و النسائية…

معركة اليوم لا تقل أهمية عن معركة التحرير السابقة، و فتح الأيدي هام، و التحرك في إطار حركة وطنية جديدة أصبح عملا ملحا…

نساعد قيس سعيد، لكن ننتظر منه أيضا ان يساعدنا

أنهي و أقول… الحركة الوطنية الجديدة تعد نفسها وهي على الابواب… و لا تريد أي إقصاء… إنها تريد بناء قويا لتحدي قادم قوي… لحد الآن ساعدنا الرئيس قيس سعيد اقتناعا به و حبا له… لا أريد منه شيئا شخصيا و لم و لن أقبل بشيء و قررت ألا يكون مستقبلا إلا ناصحا للوطن دون أية مهمة رسمية… دورى إن كتب أن يكون يكون في إطار الحركة الوطنية الجديدة… نساعد قيس سعيد، لكن ننتظر منه أيضا ان يساعدنا…

رفض الدستوريين لا ينبئ بخير و سوف يسؤسس للتباعد و عليه مراجعته في أقرب فرصة… ليس في مصلحة الحركة الوطنية لكن نقبل بذلك لأنه في مصلحة الوطن… أعلم أن النجاح جماعي، في الحراك الوطني أو في العمل الرئاسي… القائد الحقيقي هو من يصنع حوله القيادات الصاعدة، و القيادي الذي يستأثر بكل شيء يصبح عرضة للتعب و للتحيل و لتمرير ما يريدون… من عملوا سابقا في الدولة… من عملوا زمن بورقيبة و مت عملوا زمن بن علي هم لم يخدموا بورقيبة و لم يخدموا بن علي… هم خدموا الدولة و ضحوا من أجل تونس لا غير… نحن نحمل أعلى الشهادات و لنا أطول وأفضل خبرة و لو يستلقوا و بم يتملقوا… لا ثروة نملكها و لا جوازات منحتها لنا دول أخرى و لا شيكات أجنبية… عشنا في تونس و نموت فيها… ترابها أحسن تراب ، و أغاني عصافيرها أحلى الأغاني…

الحزب الذي يحصر التعيينات في جماعته دون مراعات الكفاءة و دون اتباع إجراءات الارتقاء في الإدارة هو حزب يسير نحو الهلاك …الدولة ليست كائنا هلاميا… الدولة عند المواطن العادي هي ذلك الوزير… هي ذلك المدير… هي ذلك السفير… هي ذلك الوالي و ذلك المعتمد… الدولة هي كل ذلك البشر الذي وراء المكاتب بسدي الخدمات… إن كان الموظف كفءا متخلقا نظيفا كانت الدولة عند الناس دولة حسنة… و إن كان عبوسا مكشبرا متلهمكا أصبحت الدولة عند الناس سيئة فاسدة لا تمثلهم يعملون على إسقاطها…

نحن إذا نساعد بصدق و نمشي بحذر… نريد إنجاح قيس سعيد وهو الطريق الأول … و إن لم يحصل النجاح نساعد الطريق الثاني، طريق عبير موسي إن هي تغيرت و أعادت للحزب التنظيم و الفكر المؤسساتي و فتحت الأذرعة للجميع من الحزب و من خارجه… و عليها أن تبادر و أن تدعو و إلا لن يمشي نحوها أحد…أما الطريق المنحرف المسقط المستورد فلا يعنينا… إذا شرعنا ان هذا و ذاك لم يتغير و واصل في نهجه ننطلق في الطريق الجديد و هو الطريق الصحيح…

إخواني اخواتي …لا تستعجلوا… ساعدوا أولا… الهدف هو إعلاء تونس سواء حصل من الآخرين أوصلنا…

أيها الوطنيون و أيها الدستوريون … اتركوا الفرصة لمن سبق و ساعدوا… و إذا خفنا فعلا على ضياع المسار، لا نترك إرثنا يموت، و علينا التحسب من الآن بتجميع أفضل الأسماء… و التحسب للمواعيد القادمة…

أستاذ القانون العام و العلوم السياسية ووزير سابق.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.