لقد صعدت حركة النهضة للحكم بالحيلة و التحايل و الغش و الخداع و صعد الرئيس الراحل الباجى قائد السبسي نتيجة صفقة مغشوشة بينه و بين مرشد الحركة راشد الغنوشى و صعد الرئيس قيس سعيد مستغلا حالة من نفور الناس من سابقيه و ما أصابهم من خيبة أمل كبرى و لكن أوضاعالبلاد ساءت في عهده كما في عهد من سبقوه لأنه بكل بساطة يفتقد للحلول مثلهم.
بقلم أحمد الحباسي
يقال “فلان يجمّر في البايت”، عبارة تونسية لمن تعوّد اجترار مواقفه السابقة. في الحقيقة هذه العبارة تنطبق على التسعين في المائة من هؤلاء الذين يمارسون السياسة بالاحتراف أو بالوكالة أو لمن يدفع أكثر على غرار بعض الإعلاميين الذين تنحصر مهامهم و محتوى برامجهم في تبييض و تلميع صور بعض السياسيين الذين سقطوا في الانتخابات أو الذين ملّ الشارع وجودهم أو الذين كشف القناع بكونهم من رواد السفارات و دكاكين المخابرات العربية و الأجنبية.
في تونس من السيد الرئيس قيس سعيد، كفانا الله شرّ صواريخه التي لا تزال منتصبة في قواعدها للإطلاق، إلى “أصغر” متعامل أو مبتدىء في السياسة إلى هؤلاء الذين يتلونون بكل ألوان الطيف و حسب مزاج و أغراض و مأرب مموليهم بالعملة الصعبة، هناك رابط واحد يجمعهم و هو “تجمير البايت” صباحا مساء و يوم الأحد. خطب بنفس المقدمة وبنفس الجوهر وبنفس الخاتمة. تكرار في تكرار ممل إلى أقصى حدود الملل و الأدهى أن خطبهم دائما ما تخلو من روح الدعابة السياسية و من النكتة المعبرة و من المراوحة بين الجدّ و الهزل وهي أبجدية الخطاب السياسي المطلوب من كل شخص يمتهن السياسة و يخاطب الجماهير.
ربما وجد السيد الرئيس خزائن مالية الدولة فارغة بعد أن نهبها أولاد الحلال من هؤلاء الذين ظن البعض أنه يخافون الله و من بعض حكام نداء تونس الذين تحولوا في عهد رئيسه الراحل الباجى قائد السبسي الى سياسيين قطاع خاص: كل لا يهتم إلا بما هو قادر عليه من جمع المال و نهب ما تبقى من ثروات الوطن لكن لا بأس من الإشارة إلى تصادف غريب بين فراغ خزائن الدولة و فراغ جعبة السيد الرئيس من الحلول و هذا التصادف بين السيئتين قد تولدت عنه خطيئة كبرى إسمها سقوط الدولة و إشراف اقتصادها على السقوط في بئر عميق.
شفط الدهون و تلميع الصورة و تبييض الخطاب
مع ذلك نجد السيد حمة الهمامي أحد بقايا انتخابات الصفر فاصل يكرر أنه الحلّ الذي ظلمته الانتخابات و أخطأ في حقه الناخبون و بطبيعة الحال تتكفل قناة التاسعة كعادتها بدور شفط الدهون و تلميع الصورة و تبييض الخطاب حتى يخال للمتابع أنه أمام شخصية عبقرية زمانها لا تختلف عن الراحل فيدال كاسترو أو جوزيف ستالين في عز قوتهما. بالطبع كما تقوم تلفزات بيع الطناجر بتجمير البابت يقوم الرجل بتجمير عبارات تصريحاته ظنّا منه أنها تمثل إلكسير الحياة لهذا الوطن المنكوب.
حين يمارس ساسة الغرب السياسة لا يكتفون بما سخر لهم الله من مواهب فطرية بل يقومون بانتداب خيرة الخبراء في فن الخطاب السياسي و يبذلون جهود إصغاء و متابعة لدروسهم حتى يتحسن خطابهم و يتميز على غيرهم من الخطباء المفوهين لكن في بلدنا الأمر مختلف و معاكس لأن هؤلاء السياسيين الفاشلين لا يؤمنون بالتخصص و بالتغيير و يكتفون فقط “بعشرة الحاكم” إن لم نقل أقل كل ذلك اقتناعا منهم أن هذا الشعب لا يزال أميّا لا يفقه في السياسة و أن الحديث عن كون ثلاثة أرباع المعطلين عن العمل هم من أصحاب الشهادات العليا هي كذبة أفريل.
حالة تصحر فكرية و ذهنية غير مسبوقة
نحن نتحدث عن حالة تصحر فكرية و ذهنية غير مسبوقة و عن بلد لا يملك نخبة سياسية محنكة و قادرة على تسيير دواليب ناهيك أن السيد الرئيس نفسه لا يزال و بعد مرور ما يناهز الأربع سنوات من بداية ولايته الرئاسية “يتعلم في الحجامة في رؤوس اليتامى” كما يقال و لا يزال أسيرا لنفس العبارات و الخطب الصفر فاصل التي ملتها الأذهان و باتت تمثل عبئا معنويا على سامعيها.
هذا وطن منكوب بالطول و العرض و نكبته الكبرى أنه يتنفس بصدور ملوثة و معطوبة لبعض السياسيين الذين صعدوا إلى كرسي الحكم بالصدفة و بالانتهازية و بالعمالة أحيانا و أحيان أخرى بامتهان الخيانة و بيع الأوطان. ربما صعد السيد الرئيس بالانتخاب و بنسبة عالية لكن هذا لا يمنع أن صعوده إلى هذه المنصب قد مثل حادثة تاريخية يمكن وصفها بالخطأ غير المقصود من جمع من الناخبين لم يتفطنوا في حينها أن نظافة اليد لا تكفى و أن السيد قيس سعيد لا تتجمع فيه الصفات الرئاسية المطلوبة خاصة في مثل هذه المرحلة الدقيقة و الخطرة.
لقد صعدت حركة النهضة للحكم بالحيلة و التحايل و الغش و الخداع و صعد الرئيس الراحل الباجى قائد السبسي نتيجة صفقة مغشوشة بينه و بين مرشد حركة النهضة راشد الغنوشى و صعد الرئيس قيس سعيد مستغلا حالة من نفور الناس من سابقيه و ما أصابهم من خيبة أمل كبرى و كان الأمل معقودا أن تتغير وضعية البلاد 360 درجة في الاتجاه الصحيح لكن الظاهر أن الرئيس الحالي الذي أشرفت ولايته على النهاية لا يزال يتعلم في الحجامة في اليتامى و “يجمّر البايت و دز تخطف”.
كاتب و ناشط سياسي.
شارك رأيك