تداولت عديد الصفحات ووسائل الإعلام خلال الأيام الأخيرة استطلاعا للرأي صادر عن مؤسسة “Tunisia Meters” لسبر الآراء تحت عنوان “الباروميتر السياسي مارس 2024” . ومن أهم النسب التي تم الإعلان عنها حصول الرئيس التونسي قيس سعيد على ثقة 72% من المستجوبين وعلى 23.9 % من نوايا التصويت في الانتخابات الرئاسية المقبلة. ولكن يبقى هذا الاستطلاع محلا للشك والجدل بسبب غياب بعض الأساسيات الضرورية لنستطيع اعتماده بطريقة علمية مقبولة .
فما هي الأسس التي تجعلنا نثق في الإستبيان وفي استطلاعات الرأي ؟.
الدراسة التي تم نشرها أفادت بأنه تم استطلاع آراء عينة من 1005 أشخاص تونسيين، تتراوح أعمارهم بين 18 سنة فما فوق، والتي تعد ممثلة بشكل جيد لسكان المناطق الحضرية والريفية، وفقاً للمعلومات المقدمة في الجذاذة التقنية للدراسة. تم تحديد تكوين العينة استناداً إلى طريقة الحصص(QUOTAS)، مع مراعاة الفئة العمرية، الولاية، وما إذا كان المستطلعون يعيشون في مناطق حضرية أو ريفية.
بالإضافة إلى ذلك، كشفت نتائج الدراسة عن تمتع الرئيس التونسي الحالي بثقة كبيرة بنسبة 72% بين الشخصيات السياسية، بينما ينال رئيس الحكومة الحالي، أحمد الحشاني، ثقة 6% فقط من الجمهور التونسي. من جهة أخرى، تطرقت الدراسة أيضاً إلى كشف نوايا التصويت في الانتخابات الرئاسية القادمة، المقرر إجراؤها في خريف 2024 (سبتمبر أو أكتوبر، حسب تحديد الهيئة العليا المستقلة للانتخابات)، وأسفرت النتائج عن توجهات معينة في هذا الصدد:
أثار هذا الباروميتر السياسي لدى العديد من مستخدمي وسائل التواصل الإجتماعي سلسلة من التساؤلات العلمية والتقنية بشأن عدة جوانب، إلى جانب وجود نقص في بعض المعلومات الأساسية ضمن الباروميتر نفسه وفي الورقة التقنية المنشورة, حسب تعليقهم عليه. كما أن هناك العديد من الشكوك التي أُثيرت حول المؤسسة التي أجرت الاستطلاع ونشرت نتائجه. مما دفع منصة تونس تتحرى , من خلال هذا المقال التوضيحي، إلى النظر في القواعد الرئيسية التي تُبنى عليها استبيانات واستطلاعات الرأي، مع تسليط الضوء بشكل خاص على المؤشرات السياسية.
كما سبق و ذكرنا, قامت عدة وسائط إعلامية بنشر هذا الاستطلاع الذي أجرته مؤسسة غير معروفة نطاق واسع ، في فترة دقيقة جدا, تجري فيها الاستعدادات للانتخابات الرئاسية بالجمهورية التونسية.
قمنا بداية بإجراء بحث عن المؤسسة والرجوع إلى موقعها الرسمي على الأنترنيت https://www.tunisiameters.com . لاحظنا وجود البريد الالكتروني فقط وغياب رقم الهاتف الذي يمكّن من التواصل السريع للحصول على معلومة أو التدقيق في بعض المعطيات التي تم نشرها في الباروميتر السياسي. كما تضمّن موقع المؤسسة العنوان التالي: “Immeuble Golden Tower, Rue Taher Gharsa, Tunis, Tunisie”.
وباعتماد البريد الإلكتروني المذكور , قمنا بطلب بعض المعطيات الضرورية لفهم الاستطلاع وتحديد مدى تطابقه مع المعايير الأساسية لاستطلاع الرأي لكن لم تردنا أي إجابة. من ناحية أخرى, عرضنا الموقع الالكتروني للمؤسسة على موقع ” Who.is” للتدقيق في المواقع لكن لم نحصل على أي معلومة عن جهة التسجيل أو التخزين أو إسم صاحب الموقع سواء كان شخصا ماديا أو معنويا.
ولعل أهم الأسباب التي شدت الانتباه في هذا الباروميتر, هي غياب بعض المعلومات التي تخصّ هوية المؤسسة التي قامت بالاستطلاع “Tunisiameters “. ففي تونس هناك بعض الشركات المختصّة في استطلاعات الرأي والتي يتم فيها نشر نتائج تكون مقبولة نسبيا في تونس ولعل أهمها “سيغما كونساي” و”امرود كونسلتينغ”. وإنه لمن الضروري معرفة هوية الجهة التي قامت بإجراء استطلاع الرأي للتحقق من المصداقية والموثوقية . فالجهات ذات السمعة الجيدة توفر منهجيات علمية صحيحة وتلتزم بمعايير الجودة إضافة إلى تقدير الانحياز المحتمل في النتائج بعيدا عن الأجندات أو المصالح التي قد تؤثر على طريقة إعداد الأسئلة أو تحليل البيانات أو تقديم النتائج للوصول إلى التفسير الصحيح في فهم السياق الذي أجري فيه الاستطلاع والهدف الأساسي للدراسة. يمكن أن يؤثر السياق والهدف على تفسير النتائج وتطبيقها بشكل صحيح وما هو ما غاب عن هذه المؤسسة التي ليس لديها خبرة طويلة في استطلاعات الرأي حسب البحث عنها.
من جهة أخرى، لا تزال مصادر تمويل المؤسسة غامضة، مما يحول دون فهم واضح للأهداف والمصالح التي قد تكمن خلف الاستطلاع. هذا الغموض قد يكون له تأثير مباشر على عدة جوانب من الاستطلاع، بما في ذلك تصميمه، نطاقه، الأسئلة المطروحة، الجمهور المستهدف، تحليل البيانات، وطريقة عرض النتائج, بإعتبار أن الجهات المانحة قد توجه أحيانا النتائج وتؤثر على تفسيرها الصحيح.
ومن جانب آخر,فإنه من الضروري لدى نشر نتائج استطلاعات الرأي, ذكر المنهجية المتّبعة و توضيح ما إذا كانت الأسماء المذكورة في الاستطلاع قد تم تقديمها مسبقًا في قائمة للمشاركين ليختاروا منها، أو أن المشاركين هم من ذكروها بأنفسهم، مشيرين إلى أن اختيارهم كان يعبّر عن تفضيلاتهم .
تعريف استطلاع الرأي
“تعد استطلاعات الرأي العام من أساليب دراسة الجمهور في وقتنا المعاصر، خاصة بعد شيوع مفهوم الديمقراطية التشاركية من جهة ولإدراك صانعي القرار بأهمية إشراك الشعب في صنع القرارات والسياسات العامة للدولة من جهة أخرى، ولذلك كان لزاما معرفة رأيه في مختلف القضايا التي تهمه وتحيط به في مجتمعه، لكن التاريخ يشهد أن الاستطلاعات لم تكن دائما ناجحة في رصد الاتجاهات الحقيقية للجمهور، ما جعل المهتمين يشككون في مصداقيتها” هكذا عرف الدكتور نورين عشاش استطلاعات الرأي في مقال تحت عنوان “استطلاعات الرأي العام في المجتمع بين التصديق والتشكيك” صادر بالمجلة المغاربية للدراسات التاريخية والاجتماعية.
وأضاف عشاش “غير أن الاستطلاعات التي كثيرا ما ساهمت في تحليل الآراء وتوقع ردود فعل الناس وبناء القرارات الحكومية على أساس نتائجها، لم تلق الإجماع التام من طرف كل الباحثين وإنما أصابتها بعض التشكيكات في مصداقيتها ومصداقية النتائج التي تتوصل إليها، ولسنا هنا بصدد الدفاع عن هذا الموقف أو ذاك تجاه الاستطلاعات، لكننا بحاجة إلى رصد بعض سهام النقد الموجهة إلى استطلاعات الرأي العام”.
بهذا الاعتبار تبقى عملية سبر الآراء مثالا للديمقراطية وتشريك المواطنين في كل المجالات بالاستئناس بالمواقف التي يقدمونها وبناء توجهات سياسية مستندة إلى رغبات الشعب وقياس تجاوبهم مع الحياة السياسية في البلاد من ذلك سبر الآراء في الشخصيات السياسية وفي نسب الثقة ونوايا التصويت.
من جهة أخرى, هناك من يرى أن استطلاعات الرأي تكون عموما للتأثير في الرأي العام وتوجيهه بغاية دعم طرف أو شخصية سياسية على حساب شخصية أخرى والتسويق لها و مساندتها خلال الحملات الانتخابية.
من الناحية القانونية والتشريعية, ينصّ المرسوم عدد 55 لسنة 2022 المؤرّخ في 15 سبتمبر 2022 المتعلّق بتنقيح القانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014 المؤرّخ في 26 ماي 2014 المتعلّق بالانتخابات والاستفتاء وإتمامه , في فصله الـ 70 أنه “يمنع خلال الحملة الانتخابية أو حملة الاستفتاء وخلال فترة الصمت الانتخابي، بث ونشر نتائج سبر الآراء التي لها صلة مباشرة أو غير مباشرة بالانتخابات والاستفتاء والدراسات والتعاليق الصحفيّة المتعلقة بها عبر مختلف وسائل الإعلام”. وجاء في الباب السابع الخاص بالأحكام الختامية والانتقالية في الفصل 172 من القانون الأساسي عدد 16 والمنقح بالمرسوم عدد 55 أنه ” إلى حين صدور قانون ينظم سبر الآراء، يحجر خلال الفترة الانتخابية بثّ ونشر نتائج سبر الآراء التي لها صلة مباشرة أو غير مباشرة بالانتخابات والاستفتاء والدراسات والتعاليق الصحفيّة المتعلقة بها عبر مختلف وسائل الإعلام.
ويبقى قطاع سبر الآراء في تونس غير مقنن في حين أنه تم في 15 فيفري 2017 تقديم “مقترح قانون عدد 2017/23 يتعلق بتنظيم سبر الآراء واستطلاعات الرأي وإنجازها ونشرها” الذي تضمّن تأسيس “هيئة وطنية مستقلة لاستطلاعات الرأي وسبر الآراء تكلف بتنظيم القطاع وتعديله والسهر على تأمين مصداقية استطلاعات الرأي وسبر الآراء ونزاهتها وشفافيتها وحرفيتها وتسليط العقوبات المترتبة عن الإخلال بالمقتضيات القانونية والترتيبية ومقرها تونس العاصمة”. ذكر الفصل 15 من المقترح أنه “على كل مؤسسة مصنفة وفق أحكام الباب الثالث تنوي القيام بإستطلاع للرأي أو سبر للأراء، أن تودع لدى الهيئة عشرة أيام على الأقل قبل ذلك، ملفاً يتضمن بالخصوص المعطيات التالية: اسم المؤسسة المكلفة ، اسم وصفة الهيكل أو الشخص الذي طالبها بالقيام بإستطلاع الرأي أو سبر الآراء ، عدد الأشخاص الذين سيقع استجوابهم ، تواريخ القيام بالاستجوابات ونشرها، النص الكامل للأسئلة التي سيتم طرحها على الجمهور المستجوب ، هامش الخطأ، الاعتراف بحق كل من يهمه الأمر الاطلاع على الملف”.
ومن ناحية أخرى أشار مقترح القانون في فصليه 17 و18 إلى ما يلي :
الفصل 17 “يجوز للمؤسسات نشر نتائج إستطلاع الرأي أو سبر الأراء ثلاثة أيام بعد إيداع الملف. ويجوز للهيئة، خلال الأجل المذكور، إعلام المؤسسة بمعارضتها نشر النتائج إذا ما تبين لها إخلال بالقواعد والمبادئ المنظمة للنشاط وبعد الاستماع إلى ممثل المؤسسة المعنية”.
الفصل 18 “يعتبر باطلاً وغير قابل للنشر أو البث كل إستطلاع للرأي أو سبر للاراء تم إنجازه خلافاً لمقتضيات القانون وكراس الشروط. ويجوز للهيئة في حال مخالفة أحكام الفقرة السابقة أن تنشر توضيحات للرأي العام يتم بثها وجوباً من قبل المؤسسات السمعية البصرية والمواقع الالكترونية والنشريات والصحف اليومية التي نشرته أو بثته أو أشارت إليه”.
منهجيات استطلاعات الرأي
أساسيات استطلاعات الرأي والباروميتر السياسي
استطلاع الرأي هو عملية جمع البيانات والمعلومات من عينة من الأفراد لقياس آرائهم ومواقفهم حول موضوع معين.
الباروميتر السياسي هو نوع من استطلاعات الرأي التي تهدف إلى قياس الدعم الشعبي والمواقف السياسية للفرد أو الحزب أو السلطة الحاكمة في سياق سياسي معين .
يتطلب استطلاع الرأي منهجية محددة لضمان جودة النتائج وموضوعيتها. في ما يلي خطوات عامة لإعداد استطلاع الرأي : – تحديد الهدف: قبل البدء في إعداد الاستطلاع، يجب تحديد الهدف الرئيسي للدراسة والأسئلة التي نرغب في الإجابة عنها. هل أن الهدف يكمن في قياس رأي الناس حول موضوع معين، أو تجميع معلومات حول سلوكهم، أو تقييم رضاهم عن منتج أو خدمة؟
- تحديد العينة: يجب تحديد العينة المستهدفة للاستطلاع. هل نرغب في استطلاع عينة عشوائية تمثل السكان بشكل عام، أو تستهدف فئة معينة من الناس مثل المستهلكين أو الخبراء؟ يعتمد حجم العينة على الدقة المطلوبة ونوع التحليل الإحصائي المخطط له.
- تطوير الأسئلة: ضرورة القيام بتطوير قائمة بالأسئلة ، يجب أن تكون الأسئلة واضحة ومحددة وغير معاكسة، وتستخدم أساليب متنوعة مثل الأسئلة متعددة الخيارات، والأسئلة المفتوحة والمغلقة.
- تنسيق الاستطلاع: يكون بتصميم استمارة الاستطلاع باستخدام واجهة سهلة الاستخدام ومنظمة، ينبغي أن تكون الأسئلة مرتبة بطريقة منطقية، وأن يتم توفير مساحة كافية للمشاركين للإجابة على الأسئلة المفتوحة.
- اختبار الاستطلاع: قبل إطلاق الاستطلاع على العينة المستهدفة، ضرورة إجراء اختبار للتأكد من فهم المشاركين للأسئلة ودقة التنسيق. يمكنك اختبار الاستطلاع على عدد صغير من الأشخاص ثم تقييم استجاباتهم وتعديل الاستطلاع إذا لزم الأمر.
- جمع البيانات: بعد تجهيز الاستطلاع والتأكد من صحته، يمكن جمع البيانات من العينة المستهدفة، كما يمكن استخدام وسائل مختلفة لجمع البيانات، مثل الاستبيانات عبر الإنترنت، أو المقابلات الشخصية، أو المكالمات الهاتفية.
- تحليل البيانات: بعد جمع البيانات، يتعين تحليلها للوصول إلى الاستنتاجات والإجابة على الأسئلة البحثية. يمكن استخدام أساليب إحصائية لتحليل البيانات، مثل النسب المئوية، والمتوسطات، والانحرافات المعيارية، والاختبارات الإحصائية.
- تقديم النتائج: تقديم النتائج بشكل مفهوم وواضح. يمكنك استخدام الرسوم البيانية والجداول لتصور البيانات بشكل بصري. يجب أن تكون التقارير محايدة وموضوعية، وتشمل تفسيرات وتحليلات للنتائج.
- الاعتبارات الأخلاقية: يجب الالتزام بمعايير الأخلاقيات في إجراء الاستطلاع. ضمن خصوصية المشاركين وحقهم في الانسحاب من الاستطلاع، والتأكد من توفير معلومات كافية وشافية للمشاركين قبل الموافقة على المشاركة.
تمثّل هذه المراحل بعض الخطوات العامة في إعداد استطلاع الرأي و يجب الأخذ بعين الاعتبار أنه بالإمكان تعديل هذه الخطوات وفقًا لاحتياجات وطبيعة الدراسة.
نظريات استطلاع الرأي
هناك العديد من النظريات المتعلقة بعملية استطلاع الرأي وكيفية قياس الرأي العام وتحليله . وهذه بعض النظريات:
- نظرية العينة العشوائية المقتصرة: تشير إلى أنه في استطلاعات الرأي، يجب أن تكون العينة عشوائية وممثلة للجمهور المستهدف بحيث يكون لدى كل فرد فرصة متساوية للمشاركة في الاستطلاع. هذه النظرية تهدف إلى تقليل الانحياز وتعطيل التمثيل الدقيق للرأي العام.
-نظرية الانحياز الاجتماعي: تشير إلى أن الأفراد يميلون إلى التأثر بآراء الآخرين وفقًا لانتمائهم الاجتماعي والثقافي. يمكن أن يؤثر الانحياز الاجتماعي على استطلاعات الرأي من خلال تأثير الضغوط الاجتماعية والمجتمعية على الإجابات المقدمة.
- نظرية الرأي العام العقلاني: تفترض أن الرأي العام ينبع من عملية تفكير واعية وتقييم مستنير للمعلومات المتاحة. وفقًا لهذه النظرية، يتم تشكيل الرأي العام عن طريق النقاش والتفاعل العقلاني بين الأفراد.
- نظرية قيادة الرأي: تشير إلى أن القادة السياسيين والشخصيات العامة لهم تأثير كبير على تشكيل الرأي العام. يمكن للقادة الرئيسيين أن يؤثروا في الرأي العام من خلال خطاباتهم وتصريحاتهم وسلوكهم العام.
- نظرية الرأي الصامت: تشير إلى وجود فئة من الأفراد الذين لا يعبرون عن آرائهم بصراحة في استطلاعات الرأي. قد يكون السبب وراء ذلك خوفهم من الانتقام أو رغبتهم في الحفاظ على خصوصيتهم.
أساسيات الثقة في استطلاع الرأي والباروميتر السياسي
تعتبر الثقة في استطلاع الرأي أمرا هاما لضمان جودة النتائج وتمثيلية العينة المستهدفة. وفي ما يلي بعض الأساسيات التي يجب مراعاتها لبناء الثقة في استطلاع الرأي:
- تصميم العينة الممثلة: يجب أن تكون العينة ممثلة للمجتمع أو الفئة التي تهدف إلى دراسة آرائها. يتطلب ذلك استخدام طرق عشوائية اختيار الأفراد في العينة، وضمان توزيع متوازن للمتغيرات الهامة مثل العمر والجنس والمنطقة الجغرافية.
- حجم العينة الكافي: يجب أن تكون العينة كبيرة بما يكفي لتحقيق مستوى مقبول من الدقة الإحصائية. يعتمد حجم العينة على عدة عوامل مثل حجم الجماهير المستهدفة ومستوى الثقة المطلوب.
- استخدام أدوات موثوقة وشفافة : يجب أن تكون أدوات استطلاع الرأي التي تستخدمها موثوقة وموضوعية. يتضمن ذلك تطوير أسئلة واضحة ومفهومة، واختبار الأدوات قبل استخدامها على نطاق واسع.
- جمع البيانات بدقة: يجب توفير التدريب اللازم للمشرفين أو المحققين لضمان جودة جمع البيانات. يجب عليهم اتباع إجراءات قياسية واضحة وتوثيق البيانات بشكل صحيح.
- التعامل مع الانحيازات والخطأ العشوائي: يجب أن يتم التعامل مع الانحيازات التي قد تؤثر على النتائج. يجب اتخاذ الاحتياطات المناسبة للتحكم في الانحيازات المحتملة وتقليل الخطإ العشوائي.
- التحليل الإحصائي السليم: يجب أن يتم تحليل البيانات باستخدام أساليب إحصائية صحيحة ومناسبة. يتطلب ذلك فهم واستخدام الأدوات الإحصائية المناسبة لاستخلاص النتائج وتفسيرها بشكل صحيح.
- الشفافية والتوثيق: يجب أن يتم توثيق كافة جوانب العملية بما في ذلك تصميم العينة وطرق جمع البيانات والتحليل. يجب أن يتم نشر النتائج بشكل شفاف والإفصاح عن أية قيود أو قضايا تتعلق بالدقة أو الموثوقية.
وتبقى هذه بعض الأساسيات التي يمكن أخذها في الاعتبار لبناء الثقة في استطلاع الرأي. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أنه لا يوجد استطلاع رأي مثالي خالٍ من العيوب، ومن الضروري الاستعانة بخبراء في مجال استطلاع الرأي والإحصاء لضمان الدقة والموثوقية في النتائج.
الباروميتر السياسي بين التنوير والتضليل:
تعتبر استطلاعات الرأي أداة حيوية لفهم اتجاهات الجمهور وقياس مستويات الرضا بين المواطنين حول مختلف القضايا أو الشخصيات البارزة. ومع ذلك، يمكن استخدامها بطريقتين: إما لجمع الحقائق وفهم مستوى الرضا بهدف تطوير سياسات أو برامج جديدة تتوافق مع توجهات الجمهور، أو لتضليل الرأي العام من خلال خلق غيوم من الخداع لدعم جانب على حساب آخر، أو التأثير على الرأي العام بشأن قضية محددة، خصوصاً خلال الحملات الانتخابية.
تستمر الاستعدادات في تونس اليوم للانتخابات، مع انطلاق الحملات الانتخابية لتحديد المرشحين للانتخابات الرئاسية لعام 2024. في هذا السياق، برزت بعض الأسماء المحتمل ترشحها للرئاسة، بما في ذلك الرئيس الحالي، قيس سعيد، الذي لم يعلن صراحةً عن نيته في الترشح، لكن لا يُستبعد احتمال ترشحه، إلى جانب عدة شخصيات وأسماء سياسية أخرى. تُطرح التساؤلات حول كيفية استخدام التلاعب والتضليل في استطلاعات الرأي كأسلوب لضمان الدعم السياسي للمرشحين في البيئة السياسية. فما هي الاستراتيجيات المتبعة في هذا التلاعب والتضليل؟
في بعض المواقف، قد يخضع استطلاع الرأي لعمليات تضليل، حيث توجد طرق متعددة يمكن من خلالها التأثير على نتائجه، نذكر منها:
- صياغة الأسئلة بشكل متحيز: يمكن للمنظمات أو الأفراد توجيه الاستطلاع بطريقة تؤدي إلى الحصول على إجابات معينة. من خلال صياغة الأسئلة بشكل غامض أو محدد أو متحيز، يمكن التلاعب بالاستجابات وإعطاء صورة مغلوطة للرأي العام.
- اختيار العينة بشكل غير عشوائي: يتطلب استطلاع الرأي استخدام عينة عشوائية ممثلة للجمهور المستهدف. ومع ذلك، يمكن أن يتم اختيار عينة غير عشوائية أو غير ممثلة بشكل صحيح، مما يؤدي إلى تشويه النتائج وتضليل التفسيرات.
- التلاعب بالنتائج: يمكن التلاعب بالنتائج عن طريق تحريرها أو تغييرها لتعكس رؤية معينة. يمكن أن يتم ذلك عن طريق تجميع البيانات بطرق غير صحيحة أو تجاهل النتائج غير المرغوب فيها.
- عدم الشفافية والتوثيق: يجب أن يكون لدينا وضوح وشفافية فيما يتعلق بمنهجية وإجراءات استطلاع الرأي، عدم توفير المعلومات الكافية حول العينة المستخدمة أو طريقة جمع البيانات أو تحليلها يمكن أن يؤدي إلى شكوك بشأن صحة النتائج والتلاعب بها.
للحد من التلاعب في استطلاعات الرأي، يجب أن يتم اتباع مبادئ البحث العلمي والمنهجيات الإحصائية الصحيحة.، كطرح أسئلة محايدة وواضحة، وأن تكون عملية الاختيار عشوائيًة وأن تكون العينة ممثلة ، إضافة إلى أن يتم توثيق وتفسير النتائج بشكل صحيح وشفاف.
لضمان دقة تفسير نتائج استبيانات الرأي، من الضروري تبني موقف تحليلي، و الاستعانة بمصادر متنوعة وموثوقة للتحقق من صدق هذه النتائج، مع الحرص على عدم الاكتفاء بنتائج استطلاع واحد. كذلك، يجب التأكد من سلامة ومصداقية الهيئات أو المؤسسات التي تجري هذه الاستطلاعات قبل الوثوق بالمعلومات المستخلصة منها.
يتعين على قراء استطلاعات الرأي أن يتحلّوا باليقظة، من خلال فحص المنهجيات المعتمدة في الاستطلاعات والتحقق من موثوقية المؤسسات والأطراف التي تنفذها. من المفيد كذلك الرجوع إلى الأبحاث الأكاديمية والتقارير المستقلة التي تقدم تقييمات وتحليلات لاستطلاعات الرأي هذه.
من الضروري إدراك أن استطلاعات الرأي تمثل أداة قيمة لفهم التوجهات والآراء العامة، ولكنها في الوقت نفسه قد تكون عرضة للتوجيه أو التشكيك. هذا يعني أنه يجب التعامل بحذر مع النتائج المستخرجة من هذه الاستطلاعات ، مع التأكيد على ضرورة الشفافية من قبل المنظمين والجهات الممولة، والوضوح في المنهجيات المستخدمة لتجنب أي تلاعب قد يهدف إلى التضليل.
حاولنا من خلال هذا المقال, تقديم شرح مبسط وشامل حول كيفية إجراء استطلاعات الرأي، مع التركيز بشكل خاص على العناصر الأساسية التي تمكننا من تقييم نتائجه، خاصة في السياق السياسي. كما قمنا بتسليط الضوء على أهم مراحل وخصائص الاستطلاعات بهدف تجنب أي محاولات للتضليل أو التأثير غير المبرر على الرأي العام في تونس. كما نؤكد على الدور الحيوي الذي تلعبه هذه الاستطلاعات في تحديد مستويات الثقة بالسياسيين ونوايا التصويت في الانتخابات، مما يجعل من الضروري التعامل معها بجدية ومسؤولية لضمان صحة ومصداقية النتائج المنشورة.
شارك رأيك