أثبتت الانتخابات المحلية البلديّة في تركيا أن حزب الرئيس رجب طيب أردوغان لم يعد قادرا على جذب الناخبين الأتراك بعد الهزيمة التي مُني بها في كلٍّ من بلديتي إسطنبول وأنقرة رغم الحشد الكبير الذي قام به الرئيس التركي لدعم مرشحيْه الاثنين في كلا البلديتين.
بفلم فوزي بن يونس بن حديد
وهذا يعود في الأساس إلى التدهور الاقتصادي الذي تشهده البلاد منذ انهيار العملة الورقية الليرة التركية أمام الدولار والنسبة العالية للتضخم وغيرها من الأسباب، زد على ذلك فإن المرشحيْن اللذين يعتمد عليهما أردوغان لخوض الانتخابات لا يتمتعان بخبرة سياسية ولا يحظيان بشهرة في أوساط الناخبين الذين فضّلوا التغيير هذه المرة ومنحوا أصواتهم للمعارضة لنزع فتيل الفوز من يد أردوغان الذي تعود على الزخم البشري طوال الفترات الماضية، ومنذ فوز أكرم إمام أوغلو بمقعد إسطنبول في انتخابات 2019 الماضية بدأ حزب العدالة والتنمية يفقد مقعده الاستراتيجي في تركيا، إلى جانب فقدانه أنقرة البلدية الاستراتيجية الثانية التي كانت تمنح أردوغان دعمًا سياسيًّا مهمًّا لمواصلة برنامجه السياسي.
أردوغان لا ينوي قطع علاقاته مع إسرائيل
وأعتقد بأن الرئيس التركي لا يستطيع أن يُنكر نتيجة الانتخابات البلدية التي جرت أمس الأحد 31 مارس 2024، ولا أن يدعي تزويرها، بل أقر بهزيمته ضمنيا وصرح بأن هذه النتيجة تدل على ديمقراطية البلاد وأنها تسير في الاتجاه الصحيح بعيدا عن حيثيات وردود أفعال السياسيين المتعصبين لهذا الحزب أو لذاك، وبهذا الإقرار يبقى أردوغان يعاني الأمرّين لأن الطريق سيكون عسيرا أمامه خلال الفترة القادمة خاصة في الانتخابات الرئاسية التي ستجري في العام 2028م حيث سيظل شبح أوغلو أمام ناظريه للمنافسة لا سيما وأن عمر الرئيس في ذلك الوقت سيكون 74 عاما وهو الشيخ الذي بدأت السياسة تثقل كاهله ولم يعد قادرا على المنافسة أو أنه قدّم لناخبيه كل ما في جعبته ليترجل الفارس بعدها ويخلد للراحة الإجبارية.
وفي هذا المسار يواصل الرئيس رجب طيب أردوغان مساره السياسي المعتاد، لكنه بدأ يخبو على الطريقة الجديدة للأسباب الاقتصادية التي ذكرنا بعضها سابقا، ولأسباب سياسية أيضا، حيث لم يظهر الرئيس أردوغان كعادته في الحرب الأخيرة على غزة واختفى وهجه السياسي عبر تصريحاته اللاذعة التي كان يطلقها يوما على إسرائيل وتحديدا نتنياهو، لكنه لم يفعل شيئا من ذلك في هذه الأزمة وبات المسلمون في تركيا وخارجها مندهشين من موقفه السياسي تجاه ما يحدث في غزة الأبية، وفي ذلك خمّن المحللون السياسيون من أن أردوغان المدعم ماليا من دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية يكون قد
رضخ لضغوطات هاتين الدولتين بعدم الإدلاء بأي تصريح ضد الحكومة الصهيونية الحالية، بل إن الأخبار التي تأتي من تركيا وتحديدا عن الرئيس التركي تبين أنه لا ينوي قطع علاقاته مع إسرائيل، وكل ما استطاع أن يدلى به أنه لن يصافح بنيامين نتنياهو فقط خوفا من مزيد انهيار الاقتصاد ببلاده ومزيدا من انهيار العملة التركية.
أداء سياسي باهت جدًّا في الأزمة الراهنة
وعلى هذا الأساس كان أداؤه السياسي هذه المرة باهتا جدًّا في الأزمة الراهنة، ولم يتلق دعما خارجيًّا من جمهور المسلمين الذين اعتادوا على تضخيم أعماله بناء على أقواله وتصريحاته، ولو أنني من البداية رأيتُ أن الرئيس التركي تغلب عليه العاطفة في تصريحاته لتهييج المسلمين في العالم وتلقي الدعم المعنوي منهم، لكن الواقع يخالف ما كان يقوله والغريب أنه يبرر ذلك بأن السياسة دهاء وذكاء وعليه أن يفعل ذلك، وبات واضحا اليوم أن المسلمين انطوت عليهم حيلة الإمبراطورية الأردوغانية منذ سنة 2002 حيث لم تقطع تركيا علاقاتها مع إسرائيل البتة بل كانت موجات أردوغان وصيحاته السياسية مجرد فقاعات صابونية سرعان ما ذابت بمرور الزمن بل ظهرت اليوم علامات مخالفة لما كان يقوله.
هذا هو أردوغان، فقد ظهر وبان أفقه السياسي، أنه كان يبحث عن إطالة أمد رئاسته في تركيا لأطول فترة، فعمل على الفوز ببلدتي إسطنبول وأنقرة في هذه الانتخابات لتطويع الدستور التركي حتى يترشح للرئاسة لفترة رابعة، لكن بعد هذه الهزيمة المدوية تبدو مسيرته نحو النجاح عسيرة. بينما يحظى منافسه كمال إمام أوغلو بفرصة لإظهار قدراته السياسية في الفترة القادمة وتعزيز موقفه للنيل بكرسي الرئاسة ربما، وهو منالٌ يبحث عنه منذ سنوات عديدة.
شارك رأيك