عندما يجتمع العرب يُطالبون ويُدينون ويشدّدون ولا يقرّرون، لماذا هم لا يقرّرون، هل سُلبت منهم إرادة القرار، فلا يُقدمون على شيء اسمه قرار إلا بعد استشارة الكبار، وأقصد بهم دول الاستعمار، هل المفتاح ليس بأيدي العرب أنفسهم؟ وماذا تفعل بأيدي أعدائهم؟ وإلا ما الذي جعلهم لا يقررون إلى حدّ هذه الساعة بعدما حدث في غزة طوال تلك المدة، بعد أن قتلت إسرائيل بدم بارد أكثر من أربعين ألف شهيد منهم 70% من النساء والأطفال.
فوزي بن يونس بن حديد
كل البيانات العربية والإسلامية على السواء اكتفت بأفعال ماضية لا أثر لها في واقع الحياة، دعت إلى كذا ثم أكدت على كذا ثم شدّدت على كذا، ثم طالبت بكذا، فكل الأفعال الثلاثية والرباعية وحتى الخماسية تذكرها إلا فعلا واحدا لا تجرؤ على قوله خوفا من الراعي الأمريكي أن يغضب، إنه فعل “قرّرت”، ولأنه فعل مشدّد يصعب نطقه على اللسان العربي والإسلامي، وسيظل هذا اللسان يردّد كلمات خارجة عن قاموس النخوة العربية والشجاعة الإسلامية حتى يُشفى من تلعثمه وتأتأته التي لازمته قرونا من الزمان.
فمنذ انهيار الدولة العثمانية لم يعد للمسلمين صولات ولا جولات مما مكّن الرجس الصهيوني أن يعبث بالقدس الشريف، واهتزت الشخصية المسلمة بعد أن تنازلت عن مبادئها وظنت أن ذلك من باب التسامح مع الأديان، في حين بانت لنا بعد الحرب على غزة وبعد المظاهرات في الجامعات الأمريكية والأوروبية معنى الديمقراطية التي كانوا يصدّرونها إلى الدول العربية والإسلامية.
خنوع العرب و سكون المسلمين
هل تحتاج الشخصية العربية والإسلامية إلى تدريب معمّق حتى تستطيع أن تقرّر يوما، وتقول بالحرف الواحد ، وبالفم المليان كما يقال، إننا نقررما يلي، دون الرجوع إلى الآفة الأمريكية لتُمليَ علينا ما نقول في بياناتنا السياسية خاصة تلك التي تتعلق بدولنا العربية والإسلامية، أم أن اللسان تعقّد من الكلمة حتى صار لا يقدر على نطقها أم أنه كان يعلم أن صاحبه لا يفعل ما يقول حتى وإن نطقَها، يا للهول لقد وقع اللسان العربي في أتون الكلمات التي ملّت الشعوب سماعها وتدري أن وراءها شر عظيم.
كيف لا يجرؤ العرب على قولها وقد فعلها يومًا أجدادهم، عندما شعروا بالعزة والكرامة، وعندما شعروا بأن أمريكا ما هي إلا دولة نشأت على أطلال شعب هندي تنمّرت عليه ذات يوم، وأن إسرائيل ما هي وكر سكنه لاجئون ولقيطون من دول متعدّدة غربا وشرقا استوطنوا المكان بالقوة في وقت كان الساكنون الأصليون ضعفاء لا يملكون من الوسائل التي يدافعون بها عن أرضهم شيئا.
أتدرون أن العرب قد سكنت نفوسهم في وقت كان ينبغي أن يغاروا على أرضهم وأعراضهم ونسائهم وأبنائهم، أوَصل بهم الوهن إلى هذه الدرجة فلا يتحرّكون وينتظرون من يحرّكهم من الخارج، لماذا هذا الخنوع؟ ولماذا هذا السكون؟ فمن يخلص الفلسطينيين من نكبتهم؟
طلبة يهود يدافعون عن غزة الأبية
لا تصدقوا من يقول إن المفاوضات وحدها من يصنع السلام، ولا تصدّقوا من يقول إن إسرائيل سترضى بالاتفاقيات، ولا تصدّقوا أن
نتنياهو سيرضخ للعرب، فلا شيء يردعهم إلا القتال حتى النفس الأخير حتى يرجعوا عن غيهم وجبروتهم وكبريائهم، فمثل هؤلاء لا يفهمون إلا القوة سبيلا ولا يرتدعون إلا إذا شعروا بالهزيمة، وها هي الهزيمة قادمة بحول الله بعد أن شعر نتنياهو بالخزي والعار وهو يرى جموع الطلبة في كل مكان تنادي بحرية فلسطين وبالوقف الفوري للهمجية البربرية التي تمارسها في حق الشعب الفلسطيني.
ها هي أمريكا اليوم تهتز وترتج من الداخل كما لو لم تشهد ذلك من قبل، مظاهرات ومطالبات في جامعات متعددة ولقيت هذه المظاهرات صدى واسعا في أوساط الطلبة اليهود الذين يدافعون عن غزة الأبية وانتشرت العدوى إلى أوروبا قاطبة يرفعون أعلام فلسطين وينادون باستقلالها.
وما يقهر هذه الأمة وما يصيب القلوب ويُدميها أن أبناءها في نوم عميق، ينتظرون فرج الله يأتي من السماء ولا يتحركون ولا يبادرون، لكن النصر قادم بإذن الله تعالى على أيدي المقاومين، فإن العزة لله جميعا.
شارك رأيك