خيرُ ما أبدأ مقالي هذا، قولُ الحق تبارك وتعالى في سورة الصف: “َأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3) إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ “(4)
فوزي بن يونس بن حديد
رسالة ربانيّة قويّة للمجتمعين من الأمة الإسلامية في العاصمة الغامبية بانجول، الذين بحثوا القضية الفلسطينية والحرب على غزة، فما قدروا الله حقّ قدره حين تخلوا عن غزّة وتركوها وحدها تجابهُ عدوًّا بطِشًا، بل سلّموها لوحوش ضارية تأكل الأخضر واليابس، واكتفوا بكلمات تأبين عابرة لا تسمن ولا تغني من جوع.
وفي الوقت الذي اجتمع المسلمون لبحث ما يمكن بحثه على طاولة الحوارات والنقاشات كان الجيش الصهيوني يعدّ العُدّة للانقضاض على مدينة رفح التي طالما توعّدها نتنياهو عبر وسائل الإعلام المختلفة وأمام العالم كلّه وأمر باقتحامها مهما كانت النتائج التي ستسفر عنها في تحدٍّ واضح وكاسح للأسرة الدولية التي أصبحت عاجزة عن فعل أي شيء وردعِ أي قُبح وأي جُرم.
بيانات هزيلة إلى حدّ السخرية
ومن المفارقة العجيبة أنه كلما اجتمع العرب والمسلمون في قمّة من قممهم المعهودة، كان نتنياهو يرسل لهم رسالة قويّة مفادها بأنكم لا تخيفوننا، لأن بياناتكم التي تصدرونها عقب كل قمّة هزيلة إلى حدّ السخرية والاستهزاء منها ومن أصحابها، بل إنه يرد عليهم بقصف عنيف لمناطق لم يقصفها قبل، فخُتم مؤتمر القمة الخامسة عشرة لمنظمة التعاون الإسلامي أشغاله أمس بالعاصمة الغامبية بانجول بمشاركة 57 دولة إسلامية ببيان هو أقرب إلى بيان وعد بلفور حين سلّموا أمر غزة لليهود واكتفوا برسائل شجب وإدانة ومطالبة على الورق دون تحرّك فعلي على الميدان ولم يوقفوا المجازر الرهيبة التي ارتكبها الكيان الصهيوني في حق شعب يريد أن يتحرّر من الاستعمار النازي وهتلر إسرائيل الذي توعّد الفلسطينيين الأحرار والأبطال بحرب لا هوادة فيها حتى تستسلم فصائل المقاومة الإسلامية، ولكن أنَّى له ذلك أن يتحقق مع رجال أولي بأس شديد.
انظروا إلى البيان الهزيل الذي بثته وسائل الإعلام، وصدر عن هذه القمة اللاإسلامية وكيف يسخر منه القاصي والداني، لأنه لا يعبّر عن طموحات الأمة لوقف المجازر البشعة والإبادة الجماعية والعنصرية النازية واللعنة السامية التي يمارسها الكيان الصهيوني وتعوّد عليها وعلى تخلّف المسلمين عن نصرة إخوانهم، حيث أكد البيان الختامي للدورة الخامسة عشرة لمؤتمر القمة الإسلامي الذي عُقد في بانجول بجمهورية غامبيا وصدر عقبه “إعلان بانجول” على أهمية تضافر الجهود في مواجهة الكارثة الإنسانية الواقعة على قطاع غزة وأهله بسبب العدوان الإسرائيلي المتواصل لأكثر من 6 أشهر دون مراعاة لأبسط القيم الأخلاقية والإنسانية.
ودعا البيان إلى ضرورة التحرك لوقف جرائم الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وإلى تنفيذ
الإجراءات الاحترازية التي أمرت بها محكمة العدل الدولية، مؤكدا على أهمية بذل كافة الجهود لتعجيل وصول كافة المساعدات الإنسانية ورفض أي محاولات لتهجير الشعب الفلسطيني عن أرضه.
وشدّد البيان على دعم المنظمة الثابت للشعب الفلسطيني في كفاحه لنيل حقوقه غير القابلة للتصرف، داعيا المجتمع الدولي إلى إجبار السلطة القائمة بالاحتلال على الالتزام بالقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، وإنهاء احتلالها غير المشروع واستعمارها وسياسة الفصل العنصري التي تمارسها داخل الأرض الفلسطينية بما في ذلك القدس الشريف.
ودعا البيان أيضا إلى ضرورة تمكين الشعب الفلسطيني من إحقاق حقوقه الوطنية المشروعة على النحو الذي اعترف به المجتمع الدولي بما في ذلك اعترافه بالدولة الفلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشريف، وتقديم الدعم لنيل دولة فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة.
كما أكد على ضرورة اتخاذ جميع التدابير لحماية الهوية الإسلامية للقدس الشريف من جميع الإجراءات والسياسات غير المشروعة ومن محاولات التهويد التي تنتهجها تل أبيب ومن انتهاكات حرمة الحرم القدسي الشريف ومكانته.
وطالب المجتمعون في البيان بوقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار والعدوان على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وتقديم المساعدات الإنسانية والطبية والإغاثية وتوفير المياه والكهرباء وفتح ممرات إنسانية لإيصال المساعدات العاجلة إلى قطاع غزة بدون عوائق.
قمّةٌ في إذلال الشعوب الإسلامية
فبيان منظمة التعاون الإسلامي هذا قمّةٌ في التوسّل إلى القوى الكبرى وقمّة في إذلال الشعوب الإسلامية التي كانت تنتظر ردة فعل قوية تجاه ما يجري في غزة وإبطال المفعول الصهيوني الذي لم يراع أدنى حقوق الإنسان في حربه على غزة وكرّس مفهوم اللاديمقراطية والفوضى العارمة وقانون الغاب.
أرأيتم؟ كيف يقع هذا في قمة إسلامية؟ هم يخاطبون من؟ ويطالبون من؟ ويشدّدون على من؟ ويدعون من؟ والقضية قضيتهم، والقرار قرارهم، هم المعنيون بالأمر ويلومون غيرهم، هم من يجب أن يقرّر ولكن هم يطالبون الآخر بأن يقرر عنهم، هم من يجب أن يناصروا إخوانهم وينصرونهم ولكن هم يدعون المجتمع الدولي بأن يحميهم ويخلصهم من الاستعمار الصهيوني، كيف ذلك؟
يا أيها العرب والمسلمون ماذا تنتظرون؟ أما بعد هذا الخزي والعار عار؟ كيف يُهان العرب والمسلمون في عقر دارهم ولا يتحركون؟ فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه تُرجعون.
شارك رأيك