القمة العربية الـ 33 بالمنامة : مضيعة للوقت و ذر رماد على العيون

كيف سيواجه العرب نتنياهو في قمّتهم التي لا يبالي بها العدوّ والصديق والقريب، لأن نتائجها معلومة للجميع، نطالبُ، نشجبُ، ندينُ، نرفضُ، ولكنهم لا يقرّرون ولا يتصرّفون، والشعب الفلسطيني يُذبح أمام أعينهم وهم صامتون، بل منهم من يمدّ يد العون للعدوّ ويناصره على حساب إخوانهم الفلسطينيين.

فوزي بن يونس بن حديد

وصفهم نتنياهو بالوحوش الضارية ووصفهم القرآن الكريم بأولي بأسٍ شديد يقاتلون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم، فبينما يقاتل نتنياهو مذعورا في قطاع غزة يخاف الموت ويهابه ويحرص على الإمساك بقشة تُبقيه على قيد الحياة السياسية، يظل المرابطون الفلسطينيون على أرض المعركة ثابتين صامدين يرجون نصر الله سبحانه وتعالى، وبكل هدوء يقودون المعركة في رفح بخطة استراتيجية مُحكمة ومعمّقة تاه فيها جنود إسرائيل الصهاينة فارّين من المعارك باهتين تائهين لا يدرون أين ستكون وجهتهم التالية هل إلى إسرائيل أم للقبر يؤبّنهم أهلوهم وأصدقاؤهم.

وعلى أرض معركة رفح الخالدة، ذكرت المقاومة الباسلة أن عملية رفح لن تكون نزهة للصهاينة الذين ظنوا أنها ستكون سهلة، وأن نتنياهو خُيّل إليه أنه سيقضي على كتائبها رغم أن استخباراته الفاشلة لم تمدّه إلى حدّ الآن بالتحرّكات الدقيقة لفصائل المقاومة وقادتها ولم تستطع الوصول إلى أسراها وبقيت حائرة، كيف حدث السابع من أكتوبر الذي أصاب الدولة الصهيونية بالصدمة القوية ولم تفق منها بعدُ وبقي صداها قويا إلى اللحظة، وكيف استطاع المقاومون الثبات على أرض المعركة وفي الميدان ولم يتأثروا بالضغط العسكري المتوالي منذ سبعة أشهر.

الملحمة العسكرية الفاسطينية

هذه الاستراتيجية العسكرية للمقاومة الفلسطينية نادرة الحدوث على أرض المعارك، حيث يدور القتال على أرض جغرافية صغيرة مليئة بالأنفاق والذخائر تحت الأرض، وبرجالٍ أشدّاء على الصهاينة رحماء بينهم، تراهم رُكّعًا سُجّدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا، ذلك مثلهم في التاريخ الحديث الذي سيسطر هذه الملحمة العسكرية الفائقة التي هزمت جيشًا يظن نفسه بأنه من أقوى الجيوش في المنطقة ومتسلّحا بأقوى الآلات العسكرية الحديثة المستورد أغلبها من الولايات المتحدة الأمريكية فثارت شعوب العالم على من يزوّد إسرائيل بالسلاح والذخيرة من أجل قتل الأطفال والنساء وكبار السن.

ورغم أن إسرائيل استخدمت في حربها الضروس على الفلسطينيين كل أنواع الأسلحة وكل وسائل التعذيب والتنكيل الجسدي والنفسي للضغط على المقاومة الباسلة إلا أنها فشلت إلى حدّ الآن في تركيع حماس وإذلال الشعب الفلسطيني الأبي، الذي يموت واقفًا وساجدًا وراكعًا لله وحده دون استجداء العدوّ الصهيوني الذي منع عنه الدواء والهواء والغذاء حتى غدا يتمنى الموت على الحياة إلا أنه يرفض كليًّا الاستسلام والخنوع ويفضل أن يموت بكرامة وعِزّة وإباء، وهو ما حدث ويحدث في نادرة تاريخيّة سيكتبها التاريخ بطولةً بحروف من ذهب.

لكن الذي أتوقّعه أن الدائرة ستنقلب بإذن الله على الصّهاينة، وستدور المعركة ورحاها على الساحر، وسيكفي الله تعالى عباده المؤمنين شرّ الصهاينة المجرمين، رغم خذلان العرب والمسلمين، فقد تدرب الفلسطيني على كل المحن والإحن، لكن ماذا عن بقية العرب، كيف سيواجهون نتنياهو في قمّة لا يبالي بها العدوّ والصديق والقريب، لأن
نتائجها معلومة للجميع، نطالبُ، نشجبُ، ندينُ، نرفضُ، ولكنهم لا يقرّرون ولا يتصرّفون، والشعب الفلسطيني يُذبح أمام أعينهم وهم صامتون، بل منهم من يمدّ يد العون للعدوّ ويناصره على حساب إخوانهم الفلسطينيين.

قمّة المنامة كغيرها من القمم الفارغة

قمّة المنامة كغيرها من القمم الفارغة التي لا تُؤتي أكلها، لا تقدّم ولا تؤخر، ولا تُفضي إلى كسر الحصار عن غزة وإدخال المساعدات بالقوة، وإنهاء الوجود الصهيوني على أرض المعركة وإعادة إعمار قطاع غزة الذي دُمّر بالكامل ولم يعد صالحا للوجود، هل يستطيع الزعماء العرب أن يفعلوا ذلك ويشفوا غليل مئات الملايين من العرب من المغرب إلى اليمن، أم ستظل الراية العربية الموحّدة منكّسة وجامعة الدول العربية مغيّبة، والعمل العربي مشتّتا، إلى ما لا نهاية، أين النخوة العربية التي طالما تشنّفت آذاننا بسماعها طربًا وغناءً وإنشادا، ونحن في معمعة الحرب الطاغية والحامية لا نسمع إلا جعجعة ولا نرى طحينا.

ورغم أن القضية الفلسطينية تكون على صدر قائمة الموضوعات المطروحة منذ عقود إلا أنها لم تنل الاهتمام المطلوب وبقيت حبيسة الأدراج، حتى جاء السابع من أكتوبر فحرّكها وحوّلها من قضية هامشية تقودها السلطة الفلسطينية بلا نتائج مجدية بل تجري وراء سراب مفاوضات السلام منذ اتفاقية أوسلو 1993، إلى قضية أساسية تقودها المقاومة الباسلة وعلى رأسها حماس والجهاد الإسلامي وبقية الفصائل ويتحدث عنها العالم أجمع ويدافع عنها بقوة في الجامعات والشوارع معترفين بضرورة قيام الدولة الفلسطينية حتى بدأ الاعتراف بها من بعض الدول.

بل إن الولايات المتحدة اليوم تتسوّل لحماس من أجل القبول بالمفاوضات وإطلاق سراح الرهائن بعد أن فشلت كل محاولاتها في دعم إسرائيل بالسلاح والمعلومات الاستخباراتية للقضاء على المقاومة، وبعد أن فشلت في تحقيق أهداف إسرائيل الكبرى، ولم يعد أمام إسرائيل إلا الرضوخ لشروط حماس وطأطأة رأسها أمامها والقبول بما تعرضه من اقتراحات لإطلاق ما بقي من أسرى.

وعندما يجتمع العرب مرة أخرى في المنامة غدًا يدركون حجم معاناة الشعب الفلسطيني الذي يجاهد ويكابد ويكافح وحده من أجل البقاء، ويسطّر اليوم ملحمة جهادية ووطنية كبرى تضامن معها العالم أجمع،

وبقي العرب أنفسهم عاجزين عن مدّ يد العون في وقت كانوا قادرين على تلمّس حاجيات الشعب الفلسطيني ونصرتهم على عدوهم، غير أن الإرادة مكسورة، والمعنويات مهزومة، والضغوطات الأمريكية واضحة لا لبس فيها، وإلا لماذا لا يتحرك الجيش العربي لكسر إرادة الصهاينة الذين ما تركوا شيئا إلا فعلوه لتركيع الشعب الفلسطيني ولكنهم لم
يحصلوا على شيء.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.