جاء الدور هذه المرة على الصحفي و الإعلامي لطفي العماري المحلل السياسي بقناة التاسعة ليتم التخلص منه بطريقة أقلّ ما يقال فيها أنها مهينة و ليخرج الرجل علينا بتدوينة ملتبسة بعض الشيء لم تتضمن بطبيعة الحال لا حيثيات الإقالة و لا ظروف العمل و لا حجم الضغوط الذي تعرض إليها نتيجة مواقفه المعارضة علنا و بالذات لتوجهات الرئيس قيس سعيّد.
بقلم أحمد الحباسي
ربما أحطأ الإعلامي الكبير في عين من تخلصوا منه لأنه طالب خاصة باحترام حرية التعبير و عدم تسييس القضاء و الابتعاد عن سياسة التشفي من الخصوم و إنجاز المحاسبة القضائية المنتظرة لكبار السياسيين الذين باعوا الوطن و تورطوا في ممارسة و رعاية الإرهاب و التخطيط لإدخال البلاد في دوامة من العنف و الفوضى.
يجمع المتابعون أن إقالة أو عملية التخلص من عبء ثقيل إسمه صوت الإعلامي لطفي العماري قد كانت منتظرة منذ فترة و بالذات منذ قيام الرجل بإعلان معارضته الصريحة لكامل مسار 25 جويلية لكن من الواضح أن قناة التاسعة قد اختارت في النهاية التضحية بكبش الفداء المطلوب بدل أن تفتح على نفسها باب المحاسبة و التقصي و التحقيق نتيجة ما ينسب إليها من شبهات في التمويل و ربما “أشياء أخرى “.
هل هو زمن إعلام الصوت الواحد ؟
ماذا بعد إقالة الإعلامي لطفي العماري ؟ لعله السؤال الأهم الذي يطرحه الكثيرون في السرّ و العلن معتبرين أنه من الممكن أن تتم محاكمة الرجل على خلفية بعض تصريحاته الذي طالما لاقت استحسان المتابعين لكنها أغضبت المسؤولين في الدولة مؤكدين أنه سيلاقى مصير زميله محمد بوغلاب أو المتقلّب زياد الهاني أو الولد الضاحك مراد الزغيدي أو ذاك برهان بسيس الذي بدّل دائما البندقية من هذا الكتف إلى ذلك الكتف بحثا عن “لقمة العيش” و لو برهن ما تبقى من كرامته لدى كل الأحزاب التي تداولت على السلطة بعد الثورة.
لم يعد مستغربا أن يفتح تحقيق جزائي ضد أي إعلامي خارج عن “الصف” و لم يعد مقبولا بالنسبة للسلطة القائمة أن يغرّد صوت خارج الخط التحريري الذي لا يختلف كثيرا عن الخط التحريري الذي يتبعه المحلل المنفعل دائما المسمى رياض جراد أو زميله من نفس الفصيلة و الاتجاه الملتبس المدعو نجيب الدزيري فالزمن الآن هو زمن إعلام الصوت الواحد و الاتجاه الواحد.
لماذا أقالت قناة التاسعة الإعلامي لطفي العماري و من يقف حقيقة وراء هذا القرار و هل يمكن تصور أن رجلا يملك حنكة و خبرة و ذكاء مثل السيد لطفي العماري لم يكن يتوقع إقالته بعد الكم الهائل من مواقفه المعارضة لكثير من التصرفات و القرارات و التوجهات؟ و هل تعمد الرجل القيام بتصريحاته و مواقفه المستفزة حتى يدفع القناة و من وراءها لكشف سقوطها تحت تأثير الضغوط الآتية من “فوق” و مدى عدم اهتمامها بالمتابع و تفضيلها الركوع بدل الدفاع المستميت عن حرية التعبير؟ هل غامرت قناة التاسعة بالتخلص من عبء ثقيل أو عبء زائد أو عبء بإمكانه تحقيق نسبة مشاهدة محترمة و هل فقد السيد لطفي العماري آخر حضن و مساحة إعلامية ليتحول إلى متقاعد مع مرتبة الشرف؟ من سيتجرأ الآن على إعطاء أو تسخير مساحة يطلّ منها رجل بات عدوا معلنا للنظام و هل سيختار الرجل ركوب الصمت و التفرغ إلى مشاغل أخرى مثل إنهاء كتابة مذكراته التي ستحفل دون شك بكثير من الأسرار و الخفايا.
قناة التاسعة رست أخيرا على بر
من الواضح أن قناة التاسعة قد فكرت فى إقالة السيد لطفي العماري منذ فترة طويلة لكن من الواضح أيضا أن القناة قد رست أخيرا على برّ كما يقول المثل المصري الشائع و اختارت التضحية بهذه الحمولة المقلقة بدل التضحية بكامل القناة و تفتح على نفسها نار جهنم و لعل اتجاه الريح الانتخابية لصالح الرئيس قيس سعيد كمرشح قوى وحيد تقريبا و ما ستحمله الأيام القادمة للقناة من غضب لكونها أبقت على السيد لطفي العماري رغم علمها بكونه شخص غير مرغوب فيه بالنسبة للسلطة قد دفعها إلى إصدار قرار الإقالة بعد نقاش ساخن و استهلاك كثير من علب السجائر و أكواب القهوة داخل إحدى مكاتبها المغلقة.
من الواضح أن القناة قد تعهدت بعدم نشر أي بلاغ أو تصريح يسيء للصحفي المقال كما تعهد السيد لطفي العماري بالاكتفاء بالحدّ الأدنى من الكلام المباح خضوعا لمبدأ ضبط النفس و تلافيا أو استباقا لما يمكن أن يصدر عن بعض الجهات من تصرفات يمكن أن تصل حدّ الإيقاف و المحاكمة لكن في كل الأحوال سيبقى الرجل مثالا للصحفي الصادق المحب للوطن بدليل سيول التعاليق المنددة بالإيقاف و بالقناة و من يقف وراء القناة و القرار.
كاتب و ناشط سياسي.