تروي رواية “أرجوك اعتنِ بأمّي” للكاتبة الكورية الجنوبية كيونغ سوك شين (Kyung-Sook Shin) قصة أبناء أضاعوا أمهم المسنّة وسط الزحام في محطة قطار الأنفاق في سيول عاصمة كوريا الجنوبية.
مراد الفضلاوي
تفاجأ الأبناء بهول الفراغ الذي أحدثه غياب الأم. و انتبهوا، في الآن نفسه، إلى أنهم، في الحقيقة، لم يفقدوا أمّهم ذلك اليوم، بل فقدوها قبل ذلك بكثير؛ فقدوها عندما كانت تعيش بينهم، و لا أحد يهتمّ بها.
غابت الأم بالحضور، و حضرت بالغياب، فالأشياء الجميلة غالبا ما تسترجع قيمتها الحقيقية لحظة فقدانها.
كان آخر قرار اتّخذوه بشأنها دمج عيد ميلادها في عيد ميلاد أبيهم لتخفيف أعباء الاحتفالات و الهدايا.
حاولوا تدارك ما فات، و قرّروا البحث عن أمّهم، و عبّروا عن استعدادهم لتخصيص الوقت و المال لذلك. بدؤوا بسؤال المسافرين و المارّة، ثم اتّفقوا على نشر إعلانات في الصّحف و المتاجر مرفقة بصورتها.
لم يعثروا لها على صور حديثة لنشرها مع إعلانات الضّياع، فقد توقّفت الأمّ عن التقاط الصّور لنفسها منذ مدة طويلة، فاضطرّوا إلى أخذ صورة قديمة لها.
بدت أمّهم في تلك الصّورة شابّة جميلة، أنيقة، مفعمة بالنّشاط و الأمل. اكتشفوا ذلك لأوّل مرة، كأنّهم لم يعرفوها من قبل. و اكتشفوا أنّها ضحّت بكلّ ذلك من أجلهم، ثمّ ها هي، اليوم، تجد نفسها تائهة في شوارع سيول.
تخاصم الأبناء، و تبادلوا الاتّهامات بالتّقصير في حقّ والدتهم عندما كانت بينهم. و كانت مناسبة ليقف كل فرد على منابه من العقوق.
حتى الزّوج لم يفلت من الشّعور بالذّنب و التّقصير، وقد كانت تسير خلفه في محطّة القطار، قبل ضياعها وسط الحشود، و لم يكلّف نفسه عناء الالتفات إليها، و مساعدتها.
بعد أيّام من البحث عاد الزوج الى بيته، و تفقّد بعض أغراضها القديمة فوجدها مرتبة بكلّ عناية، كما تعودت أن تفعل دائما. و راح يبكيها في صمت.
خصّصت الكاتبة لكلّ فرد من أفراد العائلة قسما خاصّا من الرّواية يسترجع فيه أفضال الأمّ عليه، و ذكرياته معها.
تذكروا الملابس الجميلة التي كانت تشتريها لهم عندما كانوا أطفالا، و الأطباق الشهية التي ظلّت تعدّها حتّى آخر أيّامها معهم. تذكّروا كيف كانت تشتغل في البيت دون توقف أو تذمّر، و تذكّروا طلباتها البسيطة التي غضّوا عنها الطرف.
قرّروا أن ينفّذوا رغباتها، و إن متأخّرا، فاشتروا لها الهدايا لعلّها تعود، و يقدّمونها إليها. و لكنّ شيئا من ذلك لم يحدث.
أمعنت الكاتبة في قسوتها على العائلة، و انتهت القصّة دون العثور على الأم.
…
شارك رأيك