جاء اليوم الذي التقط فيه الفلسطينيون أنفاسهم بعد أكثر من 400 يوم من الحرب المدمّرة على قطاع غزة، سطّر فيه المقاومون المجاهدون والشعب الفلسطيني ملحمة بطولية وثباتًا غير معهود على أرض العزة والشموخ.
فوزي بن يونس بن حديد
طوال الشهور الماضية تعرض إخواننا وأشقاؤنا الفلسطينيون إلى أنواع من التعذيب والتنكيل بشكل لا يُطاق، ولا يُطيقه أي نوع من البشر في وجه الغطرسة الصّهيونية التي مارست أبشع وسائل الإجرام بل فاقته بخطوات وأحدثت شرخا كبيرا في القانون الدولي الذي مات مقهورا في أروقة مجلس الأمن الدولي وجامعة الدول العربية ومنظمة التحرير الفلسطينية ومنظمة التعاون الإسلامي، وكل منظمات العالم التي بقيت شاهدة على إبادة الشعب الفلسطيني ولم تحرّك ساكنا ولم تسكّن متحركا بل أشعلت النار في كثير من الزوايا الخامدة، وجاء الخنوع والخذلان من أقرب المحيطين وممن يسمونهم جيرانا، يرون العذاب الأليم الذي يحدق بالفلسطينيين ولا يستنجدونهم لأنهم يخافون بطش الصهاينة المجرمين، يسمعون أنين وصرخات الثكالى والمكلومين والجرحى والمعذّبين، ولكنهم في قصورهم ينعمون بخيرات بلادهم ويرسلون ما طاب لهم لإسرائيل حتى لا تموت جوعا بأمر أمريكي امبريالي استعماري.
ثبات المجاهدين على الأرض
جاء الانتصار ليعزّز مقولة أن ثبات المجاهدين على الأرض رغم الجروح والآلام الثخينة، قصة بطولية ترويها الأجيال تلو الأجيال، فقد كان المقاومون لا ينظرون إلى أخبار الموتى ولا ينتظرون شيئا من العدو الصهيوني بلا مقابل، بل كان انتقام الصهاينة شديدا على البشر والحجر والشجر، استاء منه المخالفون قبل الموافقين، وكانت بطولات المجاهدين حكاية ترويها الأفلام والمسلسلات التاريخية التي تؤرخ لشعب قاوم الاحتلال والاستعمار الصهيوني، وتذكر أسماء لامعة كُتبت حروفها بماء الذهب، وتُنقش كلماتها على الحجر الماسي حتى لا تُذيبها عوامل الدهر بعد طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023م، فعندما نتحدث عن أبي عبيدة الذي يزأر في كل معركة بطولية عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي نتذكر دوما الوجه الملثّم طوال أيام الحرب الذي يبشرنا بتدمير دبابات ودكّ حصون العدو بالقنابل والعبوات وبقاذفات ار بي جي وال ياسين 105، ويذكّر المسلمين بالوقوف إلى جانبهم ومؤازرتهم، ويدعو الفلسطينيين إلى الثبات والمقاومة إلى آخر نفَس وعدم الاستسلام للعدوّ، وينشر في داخلنا التفاؤل نحو النصر مهما كلف الأمر ذلك، ويبدّد فينا كل الأفكار السلبية التي ما فتئ المطبّعون يبثّونها في صدور الناس لتغيير نظرتهم للمقاومة.
وعندما نتحدث عن الشهداء الأبطال من القياديين، فإننا نتحدث عن البطل إسماعيل هنية أول القادة الشهداء على أرض إيران، وهو الذي باع نفسه وماله وعائلته لله وحده، فربح بيعه وانتقل إلى رحمة الله شهيدا محتسبا أمره وهو يدافع وينافح عن أرضه داخل غزة وخارجها وينتشر طغيان الاستبداد والبطش والعنجهية النازية الصهيونية على مساحة صغيرة لا تكاد تظهر على الخريطة مدججا بكل أنواع الأسلحة الفتاكة وغيرها في مشهد يدعو للتأمل.
يحيى السنوار رمزالبطولة في وجه الطغيان
كما نتحدث عن البطل المغوار الذي كان على أرض المعركة يقاتل في سبيل الله ودحر العدو عن الأرض المقدسة، البطل الذي أبى الاستسلام للعدو، والذي خاف منه العدو رغم أنه كان وحيدا يقاتل بعد استشهاد مرافقيه، وبعد أن صوّر العدو الصهيوني مشهدا بقي عالقا في الأذهان، بل صار البطل يحيى السنوار رمزا للبطولة والمجد في وجه الطغيان، وعنوانا للدفاع عن الأرض أمام المحتل الغاشم.
وعندما نتحدث عن الأبطال الفلسطينيين من الجند والشعب الذين كافحوا إلى الرمق الأخير، في المستشفيات والمدارس والبيوت والطرقات، نتحدث عن أنفس تشتكي إلى الله أن العدو الصهيوني قتلهم بغير ذنب ارتكبوه، يردّدون قول الله تعالى : “مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ” وقوله تعالى : “فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ” في مشهد لا ينساه العدو مهما طال الزمن.
أما المطبّعون والمتخاذلون فصحّ فيهم قول الله تعالى: “فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ”، فماذا سيقولون اليوم؟ سيقولون يا ويلتنا ليتنا كنا معهم فنفوز فوزا عظيما.
شارك رأيك