عقد حزب العمال الدورة الثانية لمجلسه الوطني بعد المؤتمر الوطني السادس. وتزامنت هذه الدورة مع الذكرى 47 للإضراب العام النقابي، يوم 26 جانفي 1978، الذي مثّل لحظة مهمّة في تاريخ الحركة النقابية التونسيّة التي هبّت في وجه الدكتاتوريّة دفاعا عن استقلالية الاتّحاد العامّ التونسي للشّغل وعن حقّ العمّال والأجراء في حياة كريمة أجرا وظروف عمل وتغطية اجتماعية. وقد واجه نظام بورقيبة هذا الإضراب العام بالرصاص وكانت النتيجة مئات من الشهداء والجرحى ومثلهم من المعتقلين من بينهم قيادات المنظمة. ولكن ذلك لم يثن الحركة النقابية والعمالية عن الصمود والمقاومة.
كما تتزامن هذه الدورة مع الهبّة الشعبية البطولية في جنوب لبنان للعودة رغم استمرار الوجود الصهيوني الذي وجه رصاصه إلى الصدور العارية التي أصرّت على العودة إلى الأرض السّليبة مهما كان الثمن، معرّية زيف الوساطة الامبريالية وحقيقة تورّط القوى الرجعية المحلية والإقليمية التي تريد نسف المقاومة وإذلال شعب لبنان الأبيّ ذي التاريخ المجيد في مواجهة الاحتلال.
كما تتزامن أيضا مع الزحف الشعبي البطولي لأهالي غزّة للعودة إلى ديارهم في الشمال وإرغام الكيان النّازي على التراجع وتسفيه أوهامه وأوهام ساكن البيت الأبيض الـجديد، الشعبوي الفاشي دونالد ترامب، الذي يحلم بتهجيرهم إلى مصر والأردن وتسليم غزة إلى الكيان المتعطّش للتوسّع. وقد أكّد هذا الزحف الشعبي، مثله مثل الهبة الشعبية البطولية في جنوب لبنان، مدى انغراس المقاومة في حاضنتها الشعبية ومدى قدرة هذه الحاضنة على ابتداع أشكال المقاومة المكمّلة للكفاح المسلّح.
إن المجلس الوطني لحزب العمّال إذ يقف إجلالا لشعبي فلسطين ولبنان الأبيّين ولمقاومتهما التي تسهم في تغيير تاريخ المنطقة وترسم لشعوبها طريق التحرر وإذ يجدد انحيازه اللّامشروط للمقاومة خيارا وحيدا للتحرير والعودة وتقرير المصير، فإنه:
- يحيّي شهداء الطبقة العاملة والشعب التونسي الذين قضوا برصاص نظام بورقيبة في الإضراب العام ليوم 26 جانفي 1978 الذي شكل لحظة تحوّل في تاريخ الحركة النقابية والعمالية التي خطت بدمائها هويتها الطبقية المميّزة وفعلها النضالي المستقل في وجه الاستغلال والاستبداد والذي سيشكل حافزا لنضالات لاحقة للتصدي لعنف السلطة وجشع رأس المال ويهيّئها للمساهمة النشيطة في ثورة 2010-2011 عبر سلسلة من الإضرابات العامة بما عجّل برحيل بن علي وسقوط الدكتاتورية.
- يؤكد انحيازه لنضالات المعطلين عن العمل من أصحاب الشهادات العليا وعمال الآليات والمناولة دفاعا عن كرامتهم وحقهم في الشغل الذي التفّت عليه كل حكومات الثورة المضادة بما فيها نظام سعيد الذي لم يقدّم لهم سوى خطب المغالطة. كما يؤكّد انحيازه لكل النضالات التي تخوضها عدة فئات شعبية من مختلف القطاعات والجهات، في المدن كما في الأرياف، في مواجهة البطالة والفقر والبؤس وغلاء المعيشة وافتقاد أدنى ضرورات الحياة من مواد غذائية وغاز وماء ودواء الخ…
- يدعو الشعب التونسي وفي مقدمته الطبقة العاملة وكادحو المدن والأرياف إلى الاستلهام من تاريخهم النضالي في مقاومة الاستبداد وسياسات التفقير لاختصار الطريق والخروج للنضال الواعي والمنظم دفاعا عن الحقوق الأساسية التي تعرف اليوم مع حكم قيس سعيد الفردي المطلق تدهورا مريعا. وهو ما تؤكّده الخيارات المتبعة والميزانيات المعتمدة وآخرها ميزانية هذا العام التي تجاوزت ما قام به الحكام السابقون الفاشلون، في إغراق البلاد في الاقتراض وإثقال كاهل الأجراء والكادحين بالضرائب ومواصلة سدّ أبواب التشغيل والترفيع الجنوني في الأسعار والتدهور المريع في الخدمات وتفريغ البلاد من الكفاءات المضطرّة إلى الهجرة بحثا عن لقمة العيش الخ…
- يجدّد وقوفه ضدّ حملات القمع والتصفية الممنهجة للحريات والحقوق وفي مقدّمتها حرّيّة التّعبير والإعلام اعتمادا على تشريعات فاشيّة (المرسوم 54…) ويطالب بإطلاق سراح كافّة سجناء الرّأي من سياسيّين ونقابيّين وإعلاميّين ونشطاء، ورفع اليد عن القضاء والمحاماة والإعلام ووضع حدّ لسياسات التّنكيل وتصفية الحسابات التي تحرّكها الرّغبة في القضاء على أيّ معارضة لفسح المجال لسيادة الجور والقمع والاستغلال الفاحش والتّفقير والتبعيّة، ويهيب بالقوى التقدمية كي تتحمل مسؤوليتها التاريخية في مجابهة الاستبداد والدكتاتورية والنضال الموحد من أجل إسقاطه انتصارا لمطمح الشعب التونسي في تحقيق “الشغل والحرية والكرامة الوطنيّة”.
- يتوجه إلى كل القوى الثورية في المنطقة وفي العالم داعيا إلى ضرورة توحيد المجهودات والأطر للتصدي لموجة الفاشية الجديدة التي تزحف على العالم بقيادة الشعبوي الفاشي المتعجرف والعدواني دونالد ترامب والتي تغذّي في الداخل نسف المكاسب الاجتماعية والسياسية للعمال والكادحين والأقليات والمهاجرين والنساء وتؤجّج في الخارج الصراع حول إعادة اقتسام مناطق النفوذ وتسرّع من نسق السّباق نحو التسلّح وتغذّي نزعة الإلحاق والاستيلاء على أراضي البلدان الأخرى وتسبّب اندلاع الحروب في أكثر من منطقة بما يهدّد السلم العالمي وتدمّر النظام الإيكولوجي كلّ ذلك جريا وراء تكديس الأرباح على حساب البشر والطبيعة. إن هذا الوضع إذ يؤكّد إلحاحية إيجاد صيغ التنسيق والعمل على مستوى عالمي لمواجهة المخاطر المباشرة المحدقة بالشعوب والإنسانية جمعاء فإنّه يعزّز مشروعية النضال من أجل الاشتراكية كبديل تاريخي عن البربرية الرأسمالية.
***حزب العمال
المجلس الوطني
تونس في 26 جانفي 2025
شارك رأيك