جيل 2011 في تونس : بين الفوضى  وتفكك القيم، أي مستقبل

جيل 2011 هو نتاج مرحلة انتقالية صعبة، ومع ذلك، لا يمكن الحكم عليه بالإخفاق أو النجاح مسبقًا. إن كان المناخ الاجتماعي والسياسي الحالي قد أثر سلبًا على نشأته، فإن توفير رؤية واضحة وبرامج جادة للشباب يمكن أن يحول هذه التحديات إلى فرص.

نجاة الزموري

وُلد الأطفال الذين أبصروا النور سنة 2011 في تونس على أنقاض نظام قديم، وفي خضم مرحلة انتقالية مضطربة، حيث كانت البلاد تبحث عن هوية جديدة بين الحرية والانفلات، بين الديمقراطية الناشئة والتحديات الاجتماعية والاقتصادية العميقة. هؤلاء الأطفال، الذين بلغوا اليوم 14 سنة، لم يعرفوا سوى مجتمع متغير، مضطرب، يعاني من انقسام اجتماعي وسياسي، وانهيار بعض القيم التقليدية التي لطالما شكلت الإطار الأخلاقي والتربوي في العائلة والمدرسة والمجتمع ككل.  

فما هي السمات الشخصية التي قد تميز هذا الجيل؟ وكيف يمكن أن تؤثر نشأتهم في بيئة غير مستقرة على توازنهم النفسي والاجتماعي؟ وهل سيكونون أشخاصًا أسوياء قادرين على بناء مستقبل أفضل لتونس؟  

نشأة في ظل الفوضى وانهيار المرجعيات:

منذ 2011، شهدت تونس تحولات كبرى مست مختلف المجالات، بما في ذلك الأسرة، المدرسة، والإعلام. فقد تزامن نمو هذا الجيل مع:  

عدم استقرار سياسي واجتماعي: حكومات متعاقبة، احتجاجات، صراعات سياسية، وتصاعد في الخطاب العدائي.  

تراجع سلطة المؤسسات التقليدية: ضعف سلطة المدرسة والأسرة في ظل تغيرات اجتماعية كبرى، وغياب نموذج قيمي موحد.  

تغير في وسائل التربية والتنشئة: مع سيطرة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، باتت هذه الأجيال تستهلك معلومات غير مفلترة، وتتعرض لخطابات متناقضة حول الهوية، المواطنة، والأخلاق.  

كل هذه العوامل خلقت جيلًا نشأ في بيئة حيث القوانين غير ثابتة، والمرجعيات الأخلاقية مهتزة، مما جعله يعيش حالة “عدم يقين قيمي”، حيث لم تعد هناك ثوابت واضحة توجهه.  

 سمات الشخصية بين التمرد والتكيف القسري :

وفق النظريات السوسيولوجية، فإن التنشئة الاجتماعية في بيئة مضطربة تؤثر بشكل مباشر على تشكيل الشخصية. ويمكننا ملاحظة بعض السمات المحتملة لهذا الجيل:  

التمرد على السلطة بكل أشكالها: سواء في الأسرة، المدرسة أو حتى في المجتمع. فمن نشأ في فضاء حيث السلطة موضع تساؤل دائم، يصعب عليه الامتثال بسهولة للقواعد.  

نقص الإحساس بالأمان النفسي والاجتماعي: غياب الاستقرار السياسي والاقتصادي جعل هذا الجيل أكثر قلقًا، وأقل ثقة في المستقبل.  

البراغماتية والبحث عن المصلحة الفردية: في ظل فقدان الثقة في المؤسسات والوعود المجتمعية، يحتمل أن يميل بعض أفراد هذا الجيل إلى التفكير العملي المصلحي بدلًا من الالتزام بالقيم الجماعية.  

سهولة التأثر بالإعلام والمجتمع الرقمي: نظرًا لضعف دور الأسرة والمدرسة في بناء رؤية متماسكة، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي المصدر الأساسي للمعرفة والتأثير.  

هل سيكونون أشخاصًا أسوياء؟  

الاستقامة النفسية والاجتماعية لا تعتمد فقط على بيئة الطفولة، بل أيضًا على الفرص والخيارات المتاحة لهم في المستقبل. إذا استمر الوضع الراهن دون تدخلات إيجابية، فمن المحتمل أن نواجه جيلًا يعاني من:  

ضعف الارتباط بالمجتمع وشعور بالاغتراب وعدم الانتماء.  

تحديات في بناء هويات مستقرة: كالتأرجح  بين الانجراف نحو التطرف (الديني أو المادي) أو العزلة وعدم الاكتراث.  

رغبة في الهجرة أو القطيعة مع القيم السائدة بحثًا عن فضاء أكثر استقرارًا وأمانًا نفسيًا.  

لكن في المقابل، هذا الجيل يملك أيضًا إمكانات هائلة فهو أكثر وعيًا، أكثر قدرة على التأقلم، وأكثر انفتاحًا على العالم. وإذا تم توفير بيئة داعمة، مع مشاريع تنموية حقيقية تستهدف الشباب، فمن الممكن أن يكونوا عنصرًا فاعلًا في تغيير مسار البلاد نحو الأفضل.  

جيل 2011 هو نتاج مرحلة انتقالية صعبة، ومع ذلك، لا يمكن الحكم عليه بالإخفاق أو النجاح مسبقًا. إن كان المناخ الاجتماعي والسياسي الحالي قد أثر سلبًا على نشأته، فإن توفير رؤية واضحة وبرامج جادة للشباب يمكن أن يحول هذه التحديات إلى فرص.

تونس اليوم أمام خيار: إما أن تترك هذا الجيل لمصيره الغامض، أو أن تستثمر فيه ليكون ركيزة بناء مستقبل أكثر استقرارًا وعدالة.

نائبة رئيس الرابطة التونسية لحقوق الإنسان.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.