غادرنا صباح اليوم الجمعة 28 فيفري 2025 الأستاذ نور الدين حشّاد، نجل الزعيم النقابي الخالد فرحات حشاد، المسؤول السامي في جهاز الدولة والدبلوماسي المحنّك زمن بورقيبة وبن علي (السفير بأكثر دولة ومنظمة دولية والأمين العام المساعد السابق للجامعة العربية) نجل الزعيم النقابي الخالد فرحات حشاد، عن سن 81 سنة بعد صراع طويل مع المرض.
عادل بن يوسف

بهذه المناسبة الأليمة أرى من الواجب التعريف بالرجل الذي ربطتني به علاقة خاصة منذ سنة 1998 في اطار بحوثي الجامعية حول والده الشهيد فرحات حشّاد و الحركة الوطنية حيث عملنا معا لسنوات في المنتديات التي كان ينظمها المعهد العالي لتاريخ الحركة الوطنية وبمؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات وفي مؤسسة حشّاد التي ترأسها وأصرّ على أن أكون في مجلسها العلمي مع ثلة من المؤرخين والباحثين في التاريخ والقانون والعلوم الاجتماعية والاقتصادية.
ومن باب الوفاء لروح الرجل وبناة دولة الاستقلال أضع على ذمّة الأصدقاء والقراء بيوغرافيا الرجل ومسيرته الدراسية والمهنية والبحوث التي أجراها طيلة عقود بكل من تونس والولايات المتحدة وفرنسا للتعرّف على قتلة والده يوم 5 ديسمبر 1952 من داخل مصالح المخابرات الاستعمارية الفرنسية.
الولادة والنشأة والدراسة:
ولد السيد نورالدين حشاد يوم 22 جويلية 1944 بصفاقس وهو الإبن الأكبر للأبناء الأربعة للزعيم الوطني فرحات حشاد والسيدة أم الخير حشاد. والعائلة هي أصيلة قرية العباسية من جزر قرقنة استقرت في صفاقس منذ سنة 1934.
وإثر اغتيال والده في 05 ديسمبر 1952 أصبح السيد نورالدين حشاد «ربّ العائلة» والمسؤول عن تربية ودراسة أخوته: الناصر، جميلة و سميرة و دراسته هو.
وبعد نيل الشهادة الابتدائية بمدرسة رادس، زوال دراسته الثانوية بالمدرسة الصادقية حيث تحصل على شهادة الباكالوريا ليواصل دراسة جامعية مزدوجة بباريس في اختصاصيْ التاريخ واقتصاد السياحة مجتهدا في توفير مستلزمات هذه الأسرة التي رفضت كل تعويض ماديّ من أي جهة كانت فعاشت على منحة شهرية من صندوق التقاعد والحيطة الاجتماعية جراء السنوات العمل التي قضاها الوالد في شركة “الستاس” (شركة النقل بالساحل بين 1936 و 1939) ثم في إدارة الأشغال العامة بصفاقس (بين 1939 و 1944) ثمّ في اتحاد النقابات المستقلة بالجنوب وبالشمال (بين 1944 و 1946) وفي الاتحاد العام التونس للشغل (بين 1946 و 1952).
وفي سنة 1970 تحصّل نور الدين حشّاد على ديبلوم في اقتصاد السياحة والتصرف ثم ديبلوم الدراسات العليا في اقتصاد السياحة سنة 1972 من جامعة السربون. وبالتوازي مع ذلك تحصل على الإجازة ثم على الأستاذية في التاريخ سنة 1982 من جامعة نيس بفرنسا. وقد ناقش رسالة تعمّق في البحث بعنوان: “تأسيس الاتحاد العام التونسي للشغل وتجربة حشاد النقابية (1946-1952)” تحت إشراف الأستاذ “أندري نوشي” (André Nouschi). وفي سنة 1986 ناقش بنجاح شهادة الدكتوراه بجامعة نيس تحت إشراف نفس الأستاذ بعنوان: “استقلال تونس وبناء الدولة الوطنية (1956-1964)”.
المسؤوليات الوطنيّة والعربية:
تحمّل الأستاذ نور الدين حشاد عدة مسؤوليات داخل النسيج الجمعياتي للبلاد فقد انتخب كاتبا عاما للشبيبة المدرسية وتحمل المسؤولية من أكتوبر 1963 إلى جوان 1964 كما ترأس نادي الشباب بمنفلوري (تونس العاصمة) من أكتوبر 1964 إلى جوان .1965 وترأس أيضا الجمعية التونسية لسياحة الشباب من جوان 1965 إلى أكتوبر 1972.
بعد مسيرة مهنية من الميدان السياحي امتدّت من سنة 1974 إلى سنة 1976 كرئيس مدير عام للشركة التونسية لسياحة الشباب، عين السيد نورالدين حشاد واليا على المهدية وذلك سنة 1976 في ظرف اتسم بالتوتر السياسي حيث أعطى الإذن للشرطة بالمهدية لإطلاق النار على المتظاهرين يوم الإضراب العام 26 جانفي 1978 وقدم استقالته حالا مستعفيا من مهامه كوالٍ.
انتخب نور الدين حشاد نائبا بمجلس الأمة عن قائمة موسعة وذلك في نوفمبر 1979 ومارس مهامه إلى نوفمبر 1981.
وفي سنة 1980 حظي السيد نورالدين حشاد بإجماع كل النقابين من مختلف الحساسيات ليكون وسيطا بين الحكومة والاتحاد وبهذه الصفة ترأس اللجنة الوطنية النقابية التي نجحت في تنظيم المؤتمر الاستثنائي للاتحاد يومي 29 و 30 أفريل 1981 بقفصة.
و في سنة 1981 وعن عمر 37 سنة عُيّن سفيرا للجمهورية التونسية ببلجيكا ولدى المجموعة الاقتصادية الأوروبية ثم انتقل بنفس الخطة إلى الجزائر وفي يوم 23 أكتوبر 1985 عيّن وزيرا للشغل وفي تلك الفترة اكتشف انه مصاب بمرض خبيث أجبره على الابتعاد عن الوزارة لمدة 4 أشهر وذلك قبل أن يستقيل يوم 23 جوان 1986 مباشرة إثر انعقاد الندوة السنوية للمكتب الدولي للشغل بجينيف. و منذ سنة 1987 مثّل منظمة الوحدة الأفريقية لدى هيئة الأمم المتحدة بجينيف.
وفي سنة 1993 عيّن سفيرا للجمهورية التونسية بإيطاليا وفي سنة 1997 عين أمينا عاما مساعدا لجامعة الدول العربية مكلفا بالإشراف على مركز تونس ومن سنة 2001 إلى 2006 اضطلع بمهام نائب الأمين العام لجامعة الدول العربية بالقاهرة مكلفا بإعادة هيكلة الجامعة.
وفي 13 نوفمبر 2007 عُيّن السيد نور الدين حشاد سفيرا للجمهورية التونسية باليابان وأستراليا مع الإقامة بالعاصمة طوكيو وقد نظم خلال إقامته باليابان معرضا منتقلا بين 10 مدن يابانية يبرز حضارة قرطاج ضم أكثر من 150 قطعة أثرية ثمينة وعدة لوحات من الفسيفساء التونسية. وساهم يومي 11 و 12 ديسمبر 2010 في تنظيم “المنتدى الاقتصادي العربي الياباني بتونس” وقد منحته جامعة طوكيو الدولية كرسيّا شرفيّا كأستاذ بها.
وفي 29 أوت 2011 عُيّن رئيسا لـ “اللجنة العليا لحقوق الإنسان” فاقترح مشروع قانون يقرّ بمسؤولية الدولة بخصوص شهداء وجرحى الثورة وبضرورة تحمّل تكاليف علاجهم. إلا أنه استقال من هذه اللجنة يوم 12 ماي 2012 وقد وضح لاحقا عبر برنامج تلفزيوني بث سنة 2014 قائلا: “استقلت لأنّ مقترحاتي لم تأخذ بعين الاعتبار من قبل حكومة السيّد حمادي الجبالي”.
بحوث علميّة لعقود من أجل الكشف عن قتلة والده:
كرّس الأستاذ نورالدين حشاد كامل وقته لإظهار الحقيقة حول اغتيال والده فرحات حشاد من قبل السلطات الاستعمارية الفرنسية فقام بالعديد من الأبحاث من خلال الأرشيفات ذات الصلة سواء بتونس أو بفرنسا أو بالولايات المتحدة الأمريكية وتوصل إلى جمع حوالي 3000 وثيقة هامة حول فرحات حشاد. وفي سنة 2012 أسّس «مؤسسة فرحات حشاد» التي شرعت في تنظيم الوثائق الخاصة بفرحات حشاد وترتيبها ورقمنتها ونظمت مكتبة تحتوي على آلاف الكتب التاريخية والمادة الخاصة بالعلاقات الدولية والعلوم الاجتماعية والسياسية وهي تعتزم تخصيص منح تتخصص لبعض الطلبة في هذه العناوين وبعثت جائزة فرحات حشاد للكرامة الإنسانية.
ولم يتوقّف السيد نورالدين حشاد عن مطالبة السلطات الفرنسية برفع التحجير عن ملفّ اغتيال والده الشهيد فرحات حشاد حيث اعتبرها «جريمة دولة». وقد قام سنة 1990 بما يلزم من إجراءات لرفع قضية لدى المحكمة الأوروبية ببلجيكا. وفي سنة 2010 أرسل إلى الرئيس الفرنسي «نيكولا ساركوزي» (Nicolas Sarkozy) حول رفع التحجير على الأرشيف الخاص بهذه القضية وقام برفع قضية مع العائلة للمطالبة بالحق الشخصي في «جريمة الدولة» ضد قتلة والده… وفي مقدمتهم “أنطوان ملّرو” (Mellero Antoine) العضو بالتنظيم السري “اليد الحمراء” الذي اعترف بذلك في حوار له مع قناة الجزيرة.
حياته العائلية وتتويج لمسيرته المهنيّة والبحثية عن والده:
تزوج السيّد نورالدين حشاد من السيدة أنيسة الماطري ابنة الزعيم الوطني محمود الماطري التي تعرّف عليها سنة 1973 بباريس وهي تقوم بأبحاث حول والدها فتزوجا وأنجبا إبنين هما فَرَحْ وفرحات.
وطيلة مسيرته المهنية الطويلة، التقى عديد الزعماء والرؤساء والملوك والأمراء والأباطرة في العالم. كما تحصّل على عديد الأوسمة المهنية والدولية التونسية والأجنبية.
وفي 5 جويلية 2013 وبمناسبة زيارته الرسمية لتونس قدّم الرئيس الفرنسي” فرانسوا هولاند” (François Hollande) وثائق سرية (06 علب أرشيف) في ضريح حشّاد بالقصبة إلى زوجته أمّ الخير وابنه نور الدين حشّاد حشاد حول الجهة التي قتلت حشاد وهي مصلحة الاستخبارات والاستخبارات المضادة السرية (SDES) التابعة للحكومة الفرنسية وليست “اليد الحمراء”. فكان ذلك بمثابة الاعتراف الرسمي من قبل فرنسا بجريمة الدولة التي قامت بها الحكومة الفرنسية وتتويجيا لخمسة عقود من البحث حول قتلة والده.
كانت آخر مرّة التقيه ببيته في مطلع شهر أكتوبر 2023 حيث سجّلت له حلقتين (ساعة لكل حلقة) عن مسيرته ونتائج ابحاثه حول اغتيال والده وعن نشاطات عن الاتحاد العام التونسي للشغل زمن الحماية الفرنسية…
أمّا آخر مرّة اتصلت به بالهاتف فكانت خلال شهر جانفي الفارط للاطمئنان على صحته إثر وعكة صحّية أجبرته على ملازمة المصحة لأكثر من أسبوع.
هذا وسيوارى جثمانه الطاهر الثرى بمقبرة آل حشاد بالعباسية بجزيرة قرقنة (الى جانب والدته ام الخير وشقيقه الناصر) وذلك أثر صلاة ظهر يوم غد السبت 1 مارس 2025.
رحمك الله نور (كما يدعوه ابنائه وأفراد عائلته) ورزق ابنك فرحات وابنتك فرح وزوجتك انيسة الماطري وشقيقتك جميلة حشاد الشعري جميل الصبر السلوان وان شاء الله آخر الأحزان.
مؤرّخ / جامعة سوسة.
شارك رأيك