طالما انتشرت أسطورة تربط يوم 8 مارس، المعروف اليوم باليوم العالمي للمرأة، بمظاهرات مزعومة قامت بها عاملات في مصنع نسيج بأمريكا عام 1857. غير أن هذا الحدث لا يستند إلى أي أساس من الصحة، إذ لا توجد مراجع تاريخية أو صحفية، حتى في أمريكا نفسها، تؤكد وقوع تلك المظاهرات.
في المقابل، تشير مختلف القراءات التاريخية ليوم 8 مارس إلى دور المناضلة النسوية الألمانية كلارا زيتكن Clara Zetkin، التي كانت وراء فكرة تخصيص يوم عالمي للمرأة. فقد بدأ الاحتفال بهذا اليوم لأول مرة في كل من ألمانيا، النمسا، سويسرا، والدنمارك، تزامنًا مع الندوة النسائية العالمية الثانية، وفقًا للمؤرخين المهتمين بالحركات النسوية. ويجمع هؤلاء على أن كلارا زيتكن هي من أطلقت هذه الفكرة، بهدف المطالبة بحقوق المرأة.
كان أول مطلب رئيسي هو حق المرأة في التصويت، وذلك خلال مظاهرة لم يتم تحديد مكانها بدقة آنذاك. غير أن أرشيف جريدة جنيف السويسرية يؤكد أن المظاهرات انطلقت يوم 19 مارس 1910 في سويسرا، ألمانيا، الدنمارك، والنمسا، حيث خرج قرابة مليون امرأة للمطالبة بحق التصويت، الحق في العمل، والتوظيف في الإدارات العمومية، إضافة إلى رفض التمييز في أماكن العمل. وقد لاقت هذه التحركات صدى واسعًا، حيث اعتُبرت من أهم المظاهرات النسائية في أوروبا آنذاك.
في 25 مارس 1911، وقع حادث مأساوي شكّل دافعًا إضافيًا للنضال النسوي، حيث شبّ حريق في مصنع “تراينغل” بنيويورك، مما أدى إلى وفاة أكثر من 140 عاملة، أغلبهن من الجالية الإيطالية واليهودية، بسبب غياب إجراءات السلامة وإغلاق أبواب المصنع خلال ساعات العمل. وقد ساهم هذا الحادث في الدفع نحو تحسين تشريعات قانون العمل لاحقًا، وأصبح من الأسباب التي تستوجب التذكير بها خلال الاحتفالات بيوم المرأة العالمي.
استمرت التظاهرات في أمريكا وأوروبا خلال شهر مارس من كل عام، بطريقة غير مركزية، إلى أن قررت مجموعة من النساء الشيوعيات سنة 1919 تثبيت تاريخ 8 مارس ليكون يومًا رسميًا. وجاء هذا القرار ارتباطًا بذكرى مظاهرات العاملات الروسيات في سانت بطرسبورغ. ومع مرور السنوات، اكتمل المسار التاريخي لهذا اليوم، حيث تم الاعتراف به رسميًا خلال المؤتمر الأول للاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي، المنعقد في باريس عام 1945، والذي ضم منظمات نسائية قريبة من الأحزاب الشيوعية.
لاحقًا، أصبح يوم 8 مارس رسميًا على مستوى العالم بعد أن تبنّت الأمم المتحدة هذا التاريخ سنة 1977، داعية الدول إلى الاحتفال به كيوم عالمي للمرأة. ومنذ ذلك الحين، تحول اليوم إلى رمز لنضال المرأة، حيث تخرج النساء في مختلف أنحاء العالم في مظاهرات للمطالبة بحقوقهن، وتذكير الضمير العالمي بما تعانيه ملايين النساء من ظلم وعدم مساواة.
وفي سنة 1993، أصدرت الأمم المتحدة قرارًا دوليًا ينص على أن حقوق المرأة جزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان. غير أن العديد من الناشطات اعتبرن ذلك بمثابة انتقاص من قيمة المرأة، من خلال تصنيفها خارج إطار الإنسانية، بدل الاعتراف بها كجزء أصيل منها.
قتالة جمال
شارك رأيك