ماذا بعد قرار مجموعة العمل الدولية المتعلق بعبير موسى ؟ 

أصدرت مجموعة العمل الدولية التابعة لمجلس حقوق الإنسان المختصة فى مادة الاحتجاز القسرى قرارا يعتبر السيدة عبير موسي، المحامية، و رئيسة الحزب الدستورى الحرّ المودعة بالسجن منذ 3 أكتوبر 2023 فى وضع احتجاز قسرى. هذا القرار تم اتخاذه  منذ شهر نوفمبر الماضى و إعلام السلطة التونسية به يوم 26 فيفرى 2025. لعل أهم ما فيه أنه نصّ صراحة على مطالبة السلطات التونسية بالإفراج فورا عن المعتقلة السياسية و تعويضها عن جميع الأضرار اللاحقة بها و التحقيق فى الانتهاكات التى تعرضت لها و محاسبة المسئولين عنها.

أحمد الحباسي

تعتبر الهيئة الأممية مصدرة هذا القرار أنه لا يوجد أي أساس قانونى لإيقاف السيدة عبير موسي و حرمانها من حريتها بسبب ممارستها لحقوقها الأساسية فى التعبير و النقد و ممارسة النشاط السياسي و عدم احترام شروط المحاكمة العادلة و انتهاك حقوق الدفاع التي تمّ على أساسها تصنيف هذه المعتقلة على أنها فى حالة احتجاز قسري 

 لا بد من الاعتراف الآن أن  صدور مثل هذا القرار و في هذا التوقيت بالذات و السيد الرئيس يؤكد فى أحد زياراته لأحد الأحياء الشعبية جوابا على تظلم إحدى المواطنات أنه لا يتدخل فى القضاء جاء بالتزامن مع الرسالة التي نشرها القاضي رضا المجدوب و التى يتهمه فيها صراحة بالتدخل فى القضاء إضافة الى اتهامات عديدة أخرى صادرة عن  جهات داخلية و خارجية متعددة يأتى ليضيف كثيرا من الشك و الإحباط داخل المشهد السياسي و القضائي و الاجتماعي التونسي الذى بات يعانى من الغموض و ينذر بانقسامات و تصدعات خاصة أن السيد الرئيس لا يهتم إطلاقا بكل الدعوات الصادرة عن عديد الأشخاص الذين طالبوه بإلحاح بإعادة النظر فى مواقفه و استغلال بعض المناسبات الرسمية و الدينية لإطلاق سراح المعتقلين السياسيين و قصر المحاسبة على الفاسدين و المتعاونين مع الخارج و الملطخين أياديهم بدماء التونسيين.

من سخرية القدر 

لعله من سخرية القدر أن يتزامن صدور هذا القرار و إعلام السلطات التونسية به مع صدور البيان المشترك بين وزارة الخارجية و وزارة الأسرة و المرأة فى اطار مبادرة رئاسية حول وضع سنة 2025 تحت شعار “تعزيز العمل متعدد الاطراف و تدعيم التعاون مع منظومة الأمم المتحدة” و إحياء اليوم العالمي للمرأة و لذلك كان مثيرا للانتباه أن يتحدث وزير الخارجية مذكرا أن تونس التى تستند إلى إرث عريق من الإنجازات فى  مجال حقوق المرأة تدرك أهمية العلاقة مع منظمة الأمم المتحدة و وكالاتها المتخصصة من أجل العمل الفعلي لحقوق المرأة و تعزيز قدراتها بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن رقم 1325 حول المرأة و الأمن  و السلم.

قلت من سخرية القدر أن يصدر القرار بمثابة توبيخ صريح المعنى ليؤكد للجهات التونسية أن هناك فارق كبير بين محتوى البيانات و بين واقع ما يحدث فى السجون التونسية من احتجاز و تنكيل بالمرأة و بالذات ضد زعيمة الحزب الدستوري الحر.

السؤال المطروح اليوم يتعلق بماذا جنته السلطات التونسية من  احتجاز السيدة عبير  موسي و غيرها من المعارضين و ماذا حققت من ربح لما حصل احتجاز هؤلاء فى علاقة بتمطيط آجال الإيقاف و التحقيق و سوء التعامل مع ظروف الاحتجاز الصحية ثم مواصلة التنكيل بالنقل من سجن إلى سجن لتعسير الاتصال بهم من طرف  عائلتهم و هل خسر القضاء فرصة أخرى لاستعادة هيبته بعد سنوات عجاف من حكم حركة النهضة ارتكب فيها عديد القضاة الذين يجد البعض منهم نفسه الآن رهن السجن هفوات مهنية و هل أن بيان وزارة الخارجية لا يخرج عن إطار المزح السياسي مقارنة بما يحدث لعديد التونسيات بالذات منذ صدور المرسوم عدد 54 لسنة 2022 سيء الذكر و الذى ضرب حرية التعبير كحق مبدئي من حقوق الإنسان فى مقتل.

الحاجة إلى قليل من الحكمة و المرونة

السؤال المطروح أيضا هل جاء البيان الأممى  ليعطي الحق للسيدة عبير موسي أم للسلطات القضائية التونسية و هل أنه من المعقول أن تنتهى سلطات التحقيق الأممية و بناء على نفس الأدلة الى عكس النتيجة التى وصل اليها القضاء التونسي مع أن المعايير المعتمدة هى نفسها خاصة فى علاقة اتهام هذه السيدة بكونها تسعى لقلب نظام الحكم.

فى قناعة مجموعة العمل الدولية التابعة لمجلس حقوق الإنسان المختصة في مادة الاحتجاز القسرى كما فى قناعة الأغلبية بمن فيهم بعض أشد المناوئين للسيدة عبير موسي مثل الصحفي زياد الهانى أن هذه السيدة محتجزة احتجازا قسريا من أجل آرائها السياسية لا غير و أنه قد تم استعمال كل الأساليب غير الشرعية لإسكاتها و إزاحتها فى الانتخابات الرئاسية السابقة خاصة بعد أن عبرت صراحة و دون التباس عن معارضتها الصريحة لما يسمى بمسار 25 جويلية 2021 لما تضمنه من خرق للدستور لكن من الظاهر أن السلطة التونسية مرتبكة و متلعثمة و فاقدة للرصانة و المرونة التى تجعلها تسلك الطريق الأنسب القويم الذى يجنب البلاد مزيدا من السخط و القلق و الاهتمام الدولى المتزايد خاصة لما تحظى به مسألة حقوق الإنسان لدى هذه المنظمات الدولية التى تنضوي تونس تحت عباءتها منذ سنوات.

فى منتهى الأحوال تلطخ جبين السمعة التونسية مرة أخرى و بات مطلوبا من السلطة التونسية أن تعمل علي مسح كل هذه الشوائب التي تطالها اليوم.

كاتب و ناشط سياسى.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.