“في ذكرى وفاة الرئيسة السابقة للجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات :
*تمر ذكراك رفيقتنا احلام بلحاج وروحك بيننا لا تفارقنا…. مواقفك الواضحة والحاسمة دائما أمامنا… ابتسامتك التي تنشر الأمل والصمود والحث على مواصلة المشوار من أجل واقع نساء حر وديمقراطي يؤمن المساواة التامة والفعلية بين الجنسين، لا تفارقنا…
ستبقين نبراسا مضيئا في قلب كل مناضلة من مناضلات الجمعية، ينير الطرق الشائكة والمسالك الوعرة والمسارات المظلمة…
طابت ذكراك حبيبتنا ورفيقة دربنا…. لروحك الراحة والاطمئنان”.
و عن الفقيدة، كتب أسامة الراعي ما يلي على صفحات التواصل الاجتماعي:
“توفيت في مثل هذا اليوم 11 مارس من سنة : 2023 – الدكتورة والحقوقية والناشطة في المجتمع المدني أحلام بلحاج.
مقتطف بتصرف من ترجمة للفقيدة نشرتها د. أمّ كلثوم بن حسين في موقع كريديف “مائة امرأة وامرأة”، أسامة الراعي
أحلام بلحاج : ولدت سنة 1964 – توفيت في 11 مارس 2023 (59 سنة).
وُلدت في مدينة قربة من ولاية نابل حيث كان والدها مدرّسًا ورئيسًا للبلدية لعدة سنوات، وفي هذه المدينة أكملت أحلام دراستها الابتدائيّة والثانويّة المتميزة التي تُوِّجت بالحصول على عدد من الجوائز.
كانت في سنواتها المدرسية رياضية متميزة خاصة في ألعاب القوى (العدو والقفز)، وحققت عديد الإنجازات الرياضية مع فريق قربة ثمّ مع الملعب النابلي، قبل أن تلتحق بالمنتخب الوطني في القفز الطويل والقفز السريع (100 م)، وتتحصل على العديد من الألقاب والميداليات.
التحقت أحلام بلحاج بعد حصولها على شهادة الباكالوريا سنة 1982 بالجامعة فتمّ قبولها بكليّة الطبّ بتونس حيث زاولت دراستها الجامعيّة وابتدأت بذلك رحلتها المبكّرة مع النضال بالانتماء للحركة الطلاّبيّة سنة 1983، وانخراطها في النشاط السياسي ضمن المجموعات الطلابيّة اليساريّة التوّاقة إلى الحرية والكرامة والمساواة والعدالة الاجتماعيّة.
وفي نفس السنة بدأ اهتمامها بالنضال من أجل حقوق المرأة بعد أن شاركت في نشاط نظمته ناشطات نسويّات في نادي الطاهر الحدّاد (8 مارس 1983) بمناسبة اليوم العالمي لحقوق المرأة، وكان ذلك أوّل لقاء لها مع الحركة النسويّة.
وواصلت أحلام النضال النقابي بعد تخرّجها من الجامعة سنة 1989 صلب الحركة النقابيّة العمّاليّة إذ انخرطت فور مباشرتها العمل كطبيبة في الاتحاد العام التونسي للشغل، وشاركت في هياكله عضوا في نقابة الأطباء والصيادلة وأطباء الأسنان الاستشفائيين الجامعيين لثلاثة عقود، وتولّت كتابتها العامة مدّة أربع سنوات، أي حتى تاريخ وفاتها.
وبصفتها النقابية في صلب الاتحاد العام التونسي للشغل ظلّت ملتزمة بقضيّة المرأة حيث ساهمت في العمل على تنشيط «اللجنة النسائية» صلب المركزية النقابية.
انضمّت سنة 1992 إلى الجمعيّة التونسيّة للنساء الديمقراطيّات التي تأسّست عام 1989 وأصبحت عضوا في هيئتها التنفيذية، ثمّ تمّ انتخابها مرّتين رئيسة لها في 2004 ثمّ في 2021، ممّا مكّنها من لعب دور رئيسي في صياغة دستور 2014.
وظلّت بعد ذلك عضوا في الهيئة المديرة للجمعيّة من سنة 2016 حتى تاريخ وفاتها.
وبصفتها تلك، قامت بحملات ضد العنف المسلّط على المرأة، ومن أجل الحقوق الجنسية والإنجابية، وضدّ جميع أشكال التمييز الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والسياسي.
شاركت أحلام بلحاج في العديد من النشاطات وظلت تدافع عن «نسوية أفقية تعبُرُ كل النضالات» حتى آخر نفس لها. فبالنسبة لأحلام يتضمن المشروع المجتمعي «بناء نموذج لمجتمع عادل في العلاقات بين الرجل والمرأة ممّا سيُغَيّر بقية العلاقات الاجتماعية».
لم يُعِق نضالها وحماسها الفيّاض دراستَها الجامعيّة بل طبَعَها ببصمته، إذ عَرَفَت كيف تربط بين النضال النسوي والبحث الأكاديمي، فكان موضوع أطروحتها في الطب التي ناقشتها بتونس سنة 1993، يتمحور حول «السلوك الجنسي الأنثوي» وهي دراسة استقصائية أجريت على عيّنة متكونة من 347 امرأة في تونس الكبرى وترتكز على المعارف والمواقف والممارسات.
ولم يعرقل نشاطها النضالي كذلك مسار تخصّصها الأكاديمي في الطبّ النفسي الذي ارتسم في خط مستقيم من الإقامة الداخليّة، إلى الإقامة، ثمّ خطّة مساعدة، ليتوّج هذا المسار بالتبريز، وتصبح أحلام أستاذة الطبّ النفسي للأطفال في كلية الطب بتونس. وقد سعت من خلال اختيار هذا التخصّص إلى فتح مدخل للعلوم الإنسانية لتهتمّ بالمجال الاجتماعي كجزء من استمرارية نضالها.
كرّست أحلام بوصفها أستاذة مبرّزة في الطبّ النفسي وطبيبة متميّزة وقتها وحياتها من أجل الصحة النفسيّة للأطفال والمراهقين على كافة المستويات. فبعد مسيرة طويلة في خدمة الطب النفسي للأطفال بمستشفى الرازي، أسّست في سنة 2012 قسم الطب النفسي للأطفال في المستشفى الجامعي المنجي سليم لإعطاء هذا التخصّص مكانه في منظومة الصحة العمومية. وقد أدارت هذا القسم بأحدث الطرق العلميّة، وكوّنت فيه فريقا متكاملا وناجعا ممّا مكّنها من تطوير اختصاصها بشكل كبير وجعل قسمها مرجعًا في مجال تخصُّصها.
وفي عام 2014، ساهمت في إنشاء الجمعيةّ التونسيّة للطبّ النفسي للأطفال والمراهقين (STPEA)، وترأستها ابتداءً من ديسمبر 2020، وخلال فترة ترؤسها القصيرة نسبيًّا للجمعية، استطاعت إرساء ديناميكية جديدة بإقامة شراكة فعّالة من خلال بعث مشاريع تعاون لصالح الأطفال والمراهقين المصابين بالأمراض والاضطرابات النفسيّة.
وفي هذا الإطار، وقّعت بصفتها رئيسة للجمعية على اتفاقيات شراكة مع وزارات مختلفة كوزارة الصحة لإطلاق الخطة الوطنية للصحة العقلية للأطفال والمراهقين ووزارة التربية لتنشيط دورات تكوينية لصالح إطارات التعليم ووزارة شؤون المرأة والأسرة والطفولة وكبار السنّ لإعداد مشروع وطني يكرّس حقوق الأطفال المصابين بالتوحّد في الاستفادة من الخدمات والبرامج المتكاملة للطفولة المبكرة.
وإلى جانب النضال النسوي والنقابي، وفضلا عن نشاطها في المجتمع المدني وعملها طبيبة في مستشفى عمومي، كانت أحلام أستاذة جامعية بكلية الطبّ بتونس، حيث مكّنتها خصالها الإنسانية والمهنية العالية من تكوين أجيال من الأطباء النفسانيين للأطفال الذين أثّرت فيهم من خلال نقلها المعرفة والخبرة ومهاراتها الشخصيةّ إليهم.
قامت أحلام بعدّة بحوث تهمّ محاور مختلفة في مجال اختصاصها كالتوحّد وعلم الوراثة وكذلك الصدمات النفسية للأطفال والتقييم والعلاج النفسي، ممّا مكّنها من المساهمة في كتابة ونشر 60 مقالة علميّة متوفّرة على منصّة “Researchgate”
وأحلام بلحاج هي «امرأة كلّ المعارك» من أجل الحريّة والديمقراطية وحقوق المرأة والأطفال والفقراء، لم يعرف الإحباط إليها سبيلا، ففي مقابلة صحفية أجريت معها في جانفي 2021 قالت : «إن الثورة التونسية لم تحقق توقّعات الذين حملوها، لكن شعلة التغيير هذه لا تزال موجودة».
توفّيت الدكتورة أحلام بلحاج بتونس في 11 مارس 2023، وتمّ تشييع جثمانها ودفنها بمسقط رأسها قربة.
مقتطف بتصرف من ترجمة للفقيدة نشرتها د. أمّ كلثوم بن حسين في موقع كريديف “مائة امرأة وامرأة”.
اسامة الراعي
شارك رأيك