الجريمة في تونس : الحلقة المفقودة

تسجل البيانات ارتفاع منسوب الجريمة بتونس، وليس في ذلك ما يدعو للفزع بل لمحاولة الفهم. الظاهرة موجودة في كل المجتمعات بنسب متفاوتة وغالبا ما تكون نتيجة تفاعل معقّد بين عدة عوامل، فيها المستفحل وفيها الجديد. لا زال هناك من يرى في العنف والجريمة والاعتداء على حقوق الآخرين طريقة مناسبة لتحقيق تطلعاته وإشباع حاجاته. وهنا بيت القصيد!

العقيد محسن بن عيسى

انكبت الأدبيات المتخصصة منذ زمن لتفسير هذا السلوك وإبراز دوافعه وتوضيح صوره وأشكاله على مستوى علم النفس والاجتماع، والسياسة، والقانون، والتربية، وغيرها. ولكن الحلول تحتاج الى إرادة سياسية أيضا تمثل قرار الإدارة العليا والتي بموجبها تتحدّد التوجهات.

إنّ ما تطرحه وسائل الإعلام من قضايا (قتل وانتحار وعنف) يعكس دون مبالغة مدى اختراق الجريمة لأنظمتنا الاجتماعية ومدى همجيتها بالجريمة التقليدية. وأبرز أسبابها المحتملة – وفي المطلق – الوضع الاقتصادي الصعب والهشاشة الاجتماعية والفراغ القانوني، واللجوء الى “العدالة الذاتية”، والنقص في برامج التوجيه والتربية على المواطنة واللاعنف.

تحويل العنف إلى طاقة إبداعية

قد نتفق على أنّ الحلقة المفقودة هي بالأساس “النهج الشمولي للمعالجة”، فالمقاربات الاجتماعية تحتاج إلى ان تقوم على استراتيجيات ذات أهداف محدّدة من الممكن أن تشترك في تنفيذها مؤسسات المجتمع المدني. لم نصل بعد إلى تجربة كولومبيا في اعتماد “فنّ الشارع” لمحاربة الجريمة حيث استثمرت الفن لتحويل جدران العاصمة بوغوتا الخاضعة للعصابات إلى لوحات فنية، ودعّمت فرق المسرح والرقص والموسيقى كوسيلة لتحويل العنف إلى طاقة إبداعية.

ربما نكون أقرب إلى تجربة السويد في اعتماد “الوقاية الاجتماعية الذكية” حيث تعتمد الدولة على تحليل البيانات لتحديد “النقاط الساخنة” للجريمة، وانطلاقا من ذلك يتم توجيه تدخلات أمنية واجتماعية مباشرة. والأمثلة عديدة في تقليص الجريمة من خلال التركيز على الإدماج أيضا.

ملفات من هذا القبيل تدار في الواقع بفكر استراتيجي وليس سياسي. الوقاية الأمنية لا تكفي، قد نحتاج إلى مشاركة بقية أجهزة الدولة والمجتمع المدني ككل. حان الوقت لترميم جسور التواصل بين كل هؤلاء وبين المواطنين لإرساء وقاية اجتماعية وتربوية متكاملة.

لا شك أنّ المؤسسات الوطنية رغم اختراقها تبقى بإرثها وثقلها أهم مرتكزات هذه الدولة ولقد أثبتت الأيام ذلك.

ضابط متقاعد من سلك الحرس الوطني.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.