تعتبر التغيرات المناخية المستقبلية المتوقعة من زيادة الاحتباس الحراري واتساع رقعة التصحر وشح مصادر المياه عالمياً من أهم المشاكل التي ستؤثر سلبا على الإنتاج الفلاحي بصفة عامة وعلى الإنتاج الحيواني بصفة خاصة ومنها على الأمن الغذائي لكل المواطنين.
د. المعزالعيادي

ومن أهم العوامل المناخية التي تعيق عمليات الإنتاج الحيواني في المناطق الجافة والشبه الجافة هي ارتفاع درجة الحرارة وطول فصل الصيف حيث لوحظ في السنوات الأخيرة أن درجة الحرارة تصل في بعض الأماكن إلى أكثر من 48°م وتنخفض الرطوبة النسبية في المناطق الداخلية البعيدة عن السواحل إلى مستويات تقل عن 10% .
وهذه المستويات من درجة الحرارة والرطوبة النسبية تعيق إلى حد كبير تناسل وإنتاجية الحيوانات والدواجن.
ومن الجدير بالذكر أن الحيوانات عالية الإنتاج تتميز بزيادة الحرارة الناتجة من عمليات الإيض (Métabolisme) مما يسبب إجهاد حراري أكثر مقارنة بالحيوانات الأقل إنتاجا.
ويؤثر الإجهاد الحراري على عملية التنظيم الحراري لجسم الحيوان مما يؤدي الى عدة استجابات فسيولوجية للمحافظة على التوازن الحراري وثبات البيئة الداخلية لجسم الحيوان. وتشمل هذه الاستجابات الفسيولوجية زيادة معدل التنفس (اللهاث) ومعدل التعرق وذلك لزيادة معدل فقد الحرارة بالتبخر، خفض معدل تناول الغذاء، زيادة الاحتياجات الحافظة (besoins d’entretiens)، انخفاض الخصوبة، والوظيفة المناعية و معدل كفاءة الإنتاج.
فماهي إذا التدابير العملية لتخفيف الأثارالسلبية للإجهاد الحراري على إنتاجية وصحة الحيوان؟
1 – الآثار السلبية للإجهاد الحراري على إنتاجية وصحة الحيوان:
يمكن حساب دليل الحرارة والرطوبة (Indexe Température et Humidité :THI) لتقدير الإجهاد الحراري على الحيوان وذلك باستخدام المعادلة التالية: THI = [Ta – [(0.31- (0.31 x RH).(Ta – 14.4)]] حيث ان Ta = درجة حرارة الهواء (ºC) و RH = الرطوبة النسبية (%).
وتدل النتائج المتحصل عليها من هذه المعادلة مثلا عند الأبقارعلى عدم وجود إجهاد حراري إذا كانت قيمة دليل الحرارة والرطوبة أقل من 71، وجود إجهاد حراري متوسط إذا كانت القيمة تتراوح بين 71- 78، وجود إجهاد حراري شديد جدا إذا كانت القيمة تتراوح بين 80 – 98، وموت الحيوان إذا كانت القيمة أعلى من 98.
1.1. العوامل البيئية المؤثرة على إنتاجية ونمو الحيوان
تتأثر إنتاجية الحيوان بالبيئة ومكوناتها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. حيث يتم من خلال تنبيه للجهاز العصبي الهرموني مما ينجم عنه فقد او اكتساب الحرارة للمحافظة على حرارة الجسم في نطاق الحدود الطبيعية المثالية للنشاط الحيوي. كما أن البيئة ممكن أن تؤثر على النظم الهرمونية والإنزيمية. فمثلا لدي الأبقار الحلوبة يمكن تلخيص الآثار السلبية للجو الحار على إنتاج الحليب في أن انخفاض كمية الغذاء المأكول من جهة، وانخفاض امتصاص العناصر الغذائية من الجهاز الهضمي وقلة العناصر الغذائية الواردة إلى الغدة اللبنية من جهة أخرى بالإضافة الى تغيرات في نشاط الجهاز الهرموني، كل هذه العوامل مجتمعة تؤدي الى انخفاض إنتاج الحليب أثناء التعرض الي الإجهاد الحراري.
وقد بينت بعض الأبحاث العلمية أن هناك علاقة عكسية بين ارتفاع درجة حرارة المستقيم وإنتاج الحليب، حيث ان إنتاج الحليب ينخفض بحوالي 1 كغ لكل ارتفاع في درجة حرارة المستقيم ب 1°م.
وتجدر الإشارة ان درجة حرارة الجسم المثلي لإنتاج الحليب تختلف حسب نوع الحيوان (أبقار، أغنام، ماعز، أبل) وسلالته (سلالة حليب أو سلالة مزدوجة حليب ولحم) وموطنه.
أما بالنسبة لنمو جسم الحيوان فان العوامل البيئية المختلفة مثل الحرارة، الرطوبة، حركة الهواء الإشعاع إلى جانب توفر الغذاء والماء ممكن أن يؤثر سلبا على نمو الجسم أثناء او بعد الولادة. حيث أن الحيوانات الأوربية غير المتأقلمة على ظروف المناخ الحار تلد عجولا صغيرة الحجم عند حملها في الصيف وهذا النتاج غالبا ما يموت بعد الولادة بفترة قصيرة. حيث لوحظ كذالك ان ولادة الأم في فصل الشتاء والربيع يكون فيها وزن المولود أثقل وحالة الأم أفضل مما ينعكس في صورة إدرار عالي من الحليب وبالتالي زيادة معدل نمو الرضيع.
اما بالنسبة لنمو الحيوانات بعد الفطام فهو يقل عند درجات الحرارة العالية ومعدل التأثير يختلف حسب مستوى التغذية ودرجة حرارة الجو والرطوبة النسبية. وقد لوحظ ان ثبات درجة الحرارة والرطوبة المثالية بالبيئة يؤثر إيجابيا على إنتاج اللحوم ويرفع من جودة الذبيحة.
2.1. العوامل البيئية المؤثرة على تناسل الحيوان:
التناسل هي ظاهرة حيوية معقدة يتحكم فيها عديد من العوامل من بينها الظروف البيئية التى تحيط بالحيوان. حيث لوحظ أن موسم الولادة يؤثر على عمر البلوغ فالحيوانات التى تولد في الربيع تتأخر في البلوغ عن تلك التي تولد في الصيف. فالنشاط التناسلي في الثدييات ينظمه نسبة الضوء إلى الظلام وموطنه الجغرافي والوصيفات التناسلية الموروثة، ومدة وطبيعة موسم التناسل. فعند خط الاستواء يتساوى فترة الضوء والظلام وهنا يعتمد النشاط الجنسي على درجة الحرارة وسقوط الأمطار ومستوي التغذية. وكلم ابتعدنا عن خط الاستواء تبدأ موسمية التناسل في الظهور لاختلاف فترة الظلام والضوء. وقد لوحظ اضطراب كبير في فترة الشياع عند تعرض الحيوانات لحرارة الصيف. وقد تتأثر كذالك كمية وجودة السائل المنوي حسب فصول السنة. حيث اثبتت البحوث العلمية على صعوبة تلقيح الحيوانات في الصيف كما لوحظ أن كمية وجودة السائل المنوي تقل في الصيف الحار عن ذالك المنتج في الشتاء البارد.
2- التدابير العملية لتخفيف الآثار السلبية للإجهاد الحراري :
تتمحور الإستراتجيات أو التدابير العملية لتخفيف التأثيرات السلبية للإجهاد الحراري على معدل إنتاجية وصحة الحيوان الزراعي في ثلاثة نقاط كبري، حيث تشمل:
⦁ التحكم البيئي في منشات الإنتاج الحيواني
⦁ إدارة تغذية الحيوانات
⦁ انتخاب الحيوانات ذات التحمل الحراري العالي إلى جانب التعديل الوراثي.
2 .1. التحكم البيئي في منشات الإنتاج الحيواني :
الأساليب الرئيسية للتحكم البيئي في منشات إنتاج الحيواني تشمل توفير الضل (وجود الغذاء وماء الشرب تحت الضل)، التبريد التبخيري برش الماء، التضبيب او التغشية باستخدام الحركة الطبيعية للهواء مع توفير الاحواض المبردة. إن إدراج هذه الاساليب في نظام الإدارة البيئية المتكاملة لمنشات الإنتاج الحيواني يحمي الحيوانات من المصادر الرئيسية لاكتساب الحرارة من البيئة، ويعززمن فرص فقدان الحرارة بالتبخر ويكون سببا في الحد من الأثار السلبية للإجهاد الحراري.
وقد أثبتت البحوث العلمية علي أن حماية الأبقار الحلوب مثلا من أشعة الشمس بواسطة المضلات الاصطناعية الثابتة يزيد في كمية الغذاء المأكول وإنتاج الحليب ب 23,2% و 14,1%, على التساوي، مقارنتا بعدم وجود الضل. ويعتبر استعمال الماء والهواء من العوامل المهمة لتبريد البيئة المحيطة بالحيوان وبالتالي التبريد التبخيري للحيوان (Refroidissement par évaporation).
يمكن خفض حرارة الهواء بواسطة تكييف الهواء أو تبريده ولكن التكلفة العالية لهذا النوع من التبريد يجعله غير عملي لاستخدام في تبريد لحيوانات. وتعتبر الطريقة الاقتصادية لتبريد البيئة المحيطة بالحيوان هي منظومة وسائد ومراوح التبريد التبخيري والتي تستغل طاقة الهواء لتبريد الماء. هذه المنظومة تؤدي الي تبريد الهواء وزيادة الرطوبة فيه.
وتعتبر هذه المنظومة الأكثر كفاءة عند استخدامها تحت ظروف المناخ الجاف. حيث أن استخدام هذه المنظومة من التبريد في مضلات الأبقار الحلوب (معدل إنتاج الحليب 9650 كغ | بقرة) بشركة المراعي بالمملكة العربية السعودية أدت الي خفض درجة حرارة الهواء بمقدار 4 إلى 6°م, مما أنعكس على زيادة إنتاج الحليب بمقدار 4 إلى 6 كغ للبقرة الواحدة وتحسين الأداء التناسلي بنسبة 50%.
بالرغم من التكلفة التشغيلية العالية لهذه المنظومة، إلا ان إذا اخذ بعين الاعتبار الدخل الوارد من زيادة إنتاج الحليب وتحسين الأداء التناسلي وخفض نسبة التخلص من القطيع (réforme), فان هناك فائدة اقتصادية على المدى البعيد من استخدام هذه المنظومة.
أما بالنسبة لآلة التضبيب (brumisateurs) فهي تقوم برش قطرات دقيقة جدا من الماء والتي تتبخر بسرعة مما يؤدي الى تبريد الهواء المحيط بالحيوان، وبالرغم من كفاءة آلة التضبيب في تبريد الهواء إلا انها مكلفة وتحتاج الى صيانة دورية.
في المقابل فان الة التغشية تقوم برش قطرات من الماء أكبر حجما من قطرات الة التضبيب وتؤدي الى تبريد الهواء المحيط بالحيوان بنفس الطريقة. ومن عيوب هذه المنظومة انها لا تعمل بشكل جيد تحت ظروف الرياح او في وجود مراوح، ومن مشاكلها تكون طبقة عازلة من الهواء بين قطرات الماء على الشعر وسطح الجلد بحيث تعيق فقد الحرارة الطبيعة من الجلد مما قد يرفع من درجة حرارة جسم الحيوان.
بالإضافة لذلك فان استخدام هذه المنظومة من التبريد قد يجعل الحيوان عرضة للأمراض الجهاز التنفسي خاصة في الحظائر المغلقة. وقد أثبتت النتائج العلمية أن رش الماء على أعلي جسم الحيوان ومتابعة ذلك بتهوية قوية تعتبر من الطرق الفعالة لخفض درجة حرارة الجسم مع زيادة كمية الغذاء المأكولة (9,2%) وزيادة إنتاج الحليب (15,8%).
2.2. إدارة تغذية الحيوان :
محاولة الحيوانات المحافظة على التوازن الحراري والاتزان الداخلي أثناء الإجهاد الحراري قد يؤدي الى تغيير احتياجات الحيوان للعناصر الغذائية والطاقة مقارنة مع الحيوانات غير المجهدة حرارياً. لذا من الضرورة من تعديل الاحتياجات الغذائية أثناء تعرض الحيوان للطقس الحار.
ويعتبر الماء من أهم العناصر على الإطلاق بالنسبة للحيوانات المعرضة للإجهاد الحراري. ويبدأ شرب الماء فى الإزتياد السريع عندما تتعدى درجة حرارة البيئة 27°م. حيث أن الزيادة في فقد الماء عبر الجلد والتنفس (التعرق واللهاث (كآلية لتبديد الحرارة بتبخير الماء قد يؤدي الى خلل في مستوي الماء في جسم الحيوان.
وقد وجد أن جودة ودرجة حرارة الماء قد تؤثر على معدل استهلاك الماء، حيث أن تبريد الماء في حدود 11°م قد يؤدي الى زيادة كل من تناول الماء وكمية المادة الجافة المأكولة وإنتاج الحليب، بالمقارنة مع شرب الماء الدافئ (27°م)، كما أدي كذلك في زيادة معدل النمو اليومي فى أبقار التسمين في الطقس الحار.
يجب كذلك خفض كمية الألياف المأكولة في الحيوانات المعرضة للطقس الحار، حيث ان إنتاج الحرارة المرتبطة بالتغذية يعتمد على محتوى وجودة العلف من الألياف. الطرق المثلي للتغلب على نقص كمية الطاقة المتناولة تتمثل عادة في خفض كمية الألياف وزيادة محتوي المركزات Aliment concentré)) في العلف. فمثلا عند تغذية الأبقار الحلوب تحت ظروف الإجهاد الحراري لوحظ أن الفائدة القصوى للمركزات تظهر عندما تكون بنسبة 65 % من العلف.
إحدى أهداف إدارة تغذية الحيوانات الزراعية المعرضة للطقس الحار تتضمن زيادة محتوى الطاقة في الغذاء مع خفض الحمل الحراري الكلي على جسم الحيوان. يتم هذا من خلال التغذية على الدهون والتي تتميز بإنتاج منخفض للحرارة داخل الجسم، وبالتالي مد جسم الحيوان بالطاقة من دون آثار حرارية سالبة. وقد أظهرت بعض الدراسات التي أجريت في الطقس الحار أن تغذية الأبقار على الدهون المحمية بنسبة 5,0٪ في العلف قد أدت الى خفض درجة حرارة جسم الحيوان مقارنة بالأبقار التي تم تغذيتها على علف يحتوي على دهون بنسبة 2,5 ٪. وقد أشارت بعض الدراسات أن إضافة الأملاح لغذاء الحيوان تحت ظروف الإجهاد الحراري مثل السيلونيوم (Se) والزنك (Zn) وبعض الفيتامينات (Vit E)أعتبر ضروريا للمحافظة على استقرار وظائف الجسم، حيث أثرت كل هذه الإضافات إيجابيا على خصوبة الحيوانات.
3.2. انتخاب الحيوانات ذات التحمل الحراري العالى :
يمكن تحقيق معدل عالي من التحمل الحراري للحيوان الزراعي من خلال انتخاب وتهجين السلالات التي تتميز بتحمل حراري عالي. وقد وجد أن عمليات التهجين الأبقار الحلوب مثلا تكون أكثر نجاحا في حالات التربية التقليدية مقارنة بالتربية الحديثة وذلك لانخفاض مستوي إنتاج أبقار التربية التقليدية مقارنة بالأبقار الأصيلة المستخدمة في التربية الحديثة.
من الخيارات المتاحة الأخرى لتحقيق معدل عالي من التحمل الحراري انتخاب السلالات الأصيلة الأكثر مقاومة للحرارة. وقد أظهرت بعض الدراسات الحديثة التي أجريت في الطقس الحار بتونس على تأقلم الأبقار المهجنة (vache croisée) للإجهاد الحراري. ولكن يجب معرفة ما إذا كان صفة التحمل الحراري أحادية أو متعددة الأبعاد كمثال هل توريث التحمل الحراري لتحسين الإنتاجية سوف يحسن أيضا الخصوبة وطول الحياة الإنتاجية للحيوانات؟ بما أن الارتباط الوراثي بين الأداء الانتاجي والتحمل الحراري حوالي 0.3 فإن الاستمرار في انتخاب صفات الأداء الإنتاجي مع تجاهل صفة التحمل الحراري سوف يؤدي الى خفض التحمل الحراري للحيوانات الزراعية ولكن نسبة الارتباط الضعيفة بين الصفتين قد تجعل من الانتخاب الجمعي للأداء الإنتاجي والتحمل الحراري ممكناً.
الخلاصة
مع قدوم فصل الصيف ترتفع درجات الحرارة ويزداد معها قلق المربين من انخفاض الكفاءة الإنتاجية للحيوانات الزراعية مما ينعكس سلبا على مردودة وربحية مزارع الإنتاج. وللمحافظة على الخصوبة وإنتاجية الحيوانات تحت هذه الظروف البيئية يجب إتّباع الأساليب التحكم البيئي في مزارع الإنتاج الحيواني من توفير للظل مع استخدام لوسائل التبريد المختلفة حسب الظروف المناخية السائدة ونوع الحظائر، بالإضافة الى إعادة صياغة تركيب العلف بخفض كمية الألياف وزيادة محتوى المركزات وإضافة بعض الفيتامينات والأملاح لتلائم احتياجات الحيوانات المجهدة حرارياً، وتبريد ماء الشرب وتقديمه بكمية كافية بالقرب من أماكن التغذية. ونظراً للتكلفة العالية لوسائل التبريد يمكن التفكير على المدى البعيد في إمكانية انتخاب أو تهجين سلالات التي تتميز بالتحمل الحراري والأداء الإنتاجي العالي.
أستاذ محاضر في الإنتاج الحيواني بجامعة جندوبة وخبير متعاون لدى منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (FAO).
شارك رأيك