نقطة ضوء
اتّسمت المدّة التي تعاملت فيها مع مؤسّسة التّلفزة بالصّراع المرير والخلافات الحادّة وبما يشبه الحرب المفتوحة سواء بيني وبين الإدارة أو بيني وبين المخرجين، وقضيّة المخرجين صفحة أخرى تحتاج إلى العرض في سياق آخر.
خلال هذه المدّة ابتسم لي الحظّ، ربما خطأ، عندما كتبت مسلسل الرّيحانة وتولّى إخراجه المخرج القدير حمّادي عرافة وقد كان التّعامل بيننا حضاريّا بأتمّ معنى الكلمة.. قرأ حمّادي عرافة المسلسل ثمّ قدّم لي عددا من الملاحظات تتمثّل في إضافة مشاهد جديدة وتعديل مشاهد أخرى وتقوية دور بعض الشّخصيات.
انسجمت مع كلّ الإقتراحات ونفّذتها جميعا خلال أيّام قليلة، وكنت كلّما التقيت بحمّادي عرافة إلاّ وقابلني بروح مرحة وابتسامة تكاد لا تفارقه حتّى أنّني تمنّيت لو أنّ كلّ المخرجين لهم نفس القدرة الأدبيّة والثّقافيّة والأخلاقيّة في التّعامل مع كتّاب الدّراما إذ سينعكس ذلك على مستوى الأعمال الدّراميّة فتتطوّر إيجابيّا وتصبح لمؤسّسة التّلفزة منظومة كتّاب ومخرجين يعطونها إضافة متجدّدة عند كلّ موسم جديد علما بأنّ الإنتاج الدّرامي عندنا مرتبط بالمواسم.
تمّ تصوير المسلسل واستدعيت من طرف حمّادي عرافة لحضور حصص من عمليّة التّركيب التي يشرف عليها بنفسه.. غمرتني السّعادة وأنا أتابع بعض المشاهد فتوجّهت لحمّادي عرافة قائلا: “لقد أعدت إليّ الإعتبار.”
عرض مسلسل “الرّيحانة” في رمضان وقد اعتبرته من أهمّ ما كتبت بالإضافة إلى ما حظي به من إخراج رائع وليس ذلك غريبا على حمّادي عرافة.
لإتمام هذه الفرحة ولتكون نقطة الضّوء مضيئة حقّا وساطعة أقامت التّلفزة سهرة رمضانيّة في منزلي حضرها المطرب الكبير محمّد الجبالي وعدد من الصّحفيّين إلى جانب مجموعة من المهتمّين بالأعمال الدّراميّة.
تلك فرحة مقتطعة من مسيرة مملوءة بالعقبات والخيبات والمؤامرات غير أنّه في هذه السّوق المكتظّة التي يباع فيها ويشترى نلتقي برجال مسؤولين يقدّرون المبدعين ويسعون إلى الوقوف إلى جانبهم وتهيئة الظّروف المناسبة لهم لمواصلة الكتابة والخلق والإبداع، وهؤلاء يمرّون بسرعة فلا تكاد تلتقي بأحدهم وتطمئنّ إليه ويطمئنّ إليك حتّى يتمّ ترحيله أو يحاط بأسلاك الشبكة القارة المعهودة فيصبح قليل الفاعليّة ومحدود النّفوذ.
أحد رؤساء المؤسّسة وهو الأستاذ ابراهيم الفريضي قال لي يوما في مكتبه: “لا يذهبّن في ظنّك أنّني أملك النّفوذ الرّئيسيّ في هذه المؤسّسة، هناك اربعة أو خمسة على الأقلّ داخل المؤسّسة لهم نفوذ اكبر ممّا لديّ.”
ذات يوم تقرّر إنتاج مسلسل “من أيّام مليحة” الذي اعتمدت في كتابته على روايتي “ملفّات مليحة”.. ليس من السّهل تصوّر الطّمأنينة التي يشعر بها الكاتب عندما يتمّ قبول عمله الدّراميّ نظرا للجهد الذي بذله طوال زمن لا يعدّ بالشّهور وإنّما بالأعوام.
لكن فجأة جاءني خبر بأنّ المسلسل وقع إرجاء إنجازه واستبداله بمسلسل آخر.. هكذا دون مقدّمات ودون ذكر الأسباب.
كان ردّ فعلي إزاء هذا القرار المفاجئ عاديّا جدّا وحادّا جدّا في نفس الوقت فأنا لم أكن أنتظر مزايا من أحد ولكنّني لا أخرس أمام حقّ يسلب منّي دون وجه حقّ.
للمسخرة بقيّة
ملاحظة: لا أسوق هذه الشّهادة التي تتواصل في حلقات من أجل تشويه صورة مسؤول ممّن تحمّل مسؤوليّة في الماضي أو في الحاضر ولا لأدافع عن مسؤول لألمّع صورته أمام الرّأي العامّ فلا أحد في حاجة إلى مثل ما أقول وإنّما غايتي الأولى والأخيرة أن ينتبه النّظام الحاليّ إلى واقع التّلفزة الوطنيّة فيعالج ما تعانيه من مشاكل جعلتها في نزول إعلاميّ وفنيّ وأدبيّ متواصل ممّا أفقدها مكانتها بين قنوات الوطن العربي.
* عبد القادر بن الحاج نصر : كاتب وروائيّ
*المواقف والأفكار التي تنشر في قسم “أفكار” لا تلزم إلا أصحابها ولا يعني نشرها من قبلنا تبنينا لها بأي صفة من الصفات .
شارك رأيك