حذرت الهيئة الوقتية للقضاء العدلي في تعليقها على المصادقة على مشروع القانون الأساسي المتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء من قبل مجلس نواب من تداعيات عدم التزام المجلس(البرلمان) بمقتضيات الدستور نصا وروحا.
ونبهت في بيان لها من إصرار مجلس نواب الشعب على مخالفة قرار الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين وعلى سلامة مسار الانتقال الديمقراطي وخيار بناء “سلطة قضائية مستقلة تضمن إقامة العدل وعلوية الدستور وسيادة القانون وحماية الحقوق والحريات”.
وعبرت عن أسفها لانخراط السلطة التنفيذية ممثلة في وزير العدل، في تغطية الخروقات الدستورية والإجرائية، والتزامها الصمت إزاء نسف مشروعها للقانون الأساسي للمجلس الأعلى للقضاء روحا ونصا، والذي تم إعداده بطريقة تشاركية بين جميع المهتمين بالشأن القضائي بما فيهم الهيئة الوقتية للقضاء العدلي.
كما دعت الهيئة مجلس نواب الشعب إلى احترام الخيارات المقررة دستوريا في بناء أسس “نظام جمهوري ديمقراطي تشاركي … يقوم على مبدأ الفصل بين السلطات والتواصل بينها” طبق توطئة الدستور.
ونبهت إلى أنه ليس من وظائف السلطة التشريعية مراجعة الخيارات التأسيسية كما هي ثابتة بمقتضى أحكام الدستور وبضرورة احترامها لها تحت رقابة الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين والالتزام التام بتنفيذ مقتضيات قراراتها الملزمة لكل السلطات.
وأبرزت الهيئة الوقتية للقضاء العدلي عدة ملاحظات وهي كالآتي:
أولا: من حيث إجراءات عرض مشروع القانون على الجلسة العامة والمصادقة عليه تسجل :
1- اتجاه المجلس نحو الانحراف بإجراءات المصادقة على مشروع القانون، في مخالفة لمقتضيات الفصول 85 و121 و122 من النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب، بعدم الالتزام بواجب نشر التعديلات المقترحة على مشروع القانون الأساسي على الموقع الالكتروني للمجلس وفتح الآجال للنواب لتقديم طلبات التدخل ضد أي مقترح تعديل وفقا لما تقتضيه أحكام الفصل 121 من النظام الداخلي حتى يمكن ترتيب النتائج على انقضاء أجل تقديم مقترحات التعديل، وهي أساسا عدم جواز تقديم مقترح تعديل إلا من ممثل جهة المبادرة وفق نفس الفصل بعد فوات هذا الأجل،
2- توخي المجلس طريقة التصويت مباشرة على الفصول ومقترحات التعديل دون مداولات أو نقاش، بما يتجافى وطبيعة عمل المجالس النيابية القائمة على المداولة والنقاش العام الذي يعتمد مرجعا في تأويل القوانين وتفسير مضامينها في تعارض مع أحكام الفصل 122 من النظام الداخلي الذي يقتضي أن التصويت يعقب مناقشة فصول مشروع القانون،
3- تبني مجلس النواب لتصور مخالف لتصور الحكومة الذي انبنى عليه مشروع القانون الأساسي للمجلس الأعلى للقضاء المعروض على الجلسة العامة بما أدى إلى إسقاط ما يقارب ثلاثين فصلا منه في مخالفة صريحة لمقتضيات الفقرة الثانية من الفصل 121 من النظام الداخلي الذي يعتبر مقترحات حذف الفصول مرفوضة شكلا.
ثانيا: من حيث مضمون مشروع القانون المصادق عليه من قبل الجلسة العامة:
تلاحظ الهيئة:
1- توجه مجلس نواب الشعب نحو المحافظة على الاختلاف البين في تصور المجلس الأعلى للقضاء بين ما قدمته الحكومة في مشروعها، وما انتهى إليه المجلس سواء من حيث عدد الفصول، أو تركيبة الهياكل والمهام والصلاحيات الموكولة إليها، وتعديل المشروع خارج مقتضيات الصياغة والملاءمة الدستورية واستهداف توجهات الحكومة وخياراتها في إرساء المجلس الأعلى للقضاء كما عاينته الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين في قرارها عدد 02/2015 المؤرخ في 8 جوان 2015.
2- تمسك مجلس نواب الشعب بقصر العضوية بالمجلس الأعلى للقضاء، بالنسبة للمستقلين من ذوي الاختصاص على فئات مهنية مضبوطة حصرا بمشروع القانون المصادق عليه، في مخالفة صريحة لقرار الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين عدد 02/2015 المؤرخ في 8 جوان 2015، الذي أقر أنه “لا وجه للتخصيص في القاعدة الدستورية حيث لم يخصص المشرع الدستوري، ومجافاة ذلك لمبدأ أخذ النص على إطلاقه”، إضافة إلى تناقض ذلك الخيار مع ما تضمنه الفصل 2 من مشروع القانون الأساسي ذاته كما تمت المصادقة عليه، والذي اعتمد معيارا موضوعيا في تعريف المستقلين من ذوي الاختصاص.
3- تمسك مجلس نواب الشعب بالإبقاء على صلاحيات تقريرية لرئيس المجلس الأعلى للقضاء خلافا لما تضمنه قرار الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين المشار إليه، وذلك من خلال إسناده صلاحية وضع التنظيم الهيكلي لإدارة المجلس وإمضاء القرارات التأديبية واقتراح تسمية الكاتب العام للمجلس، وهو ما يمثل خرقا لأحكام الفصل 112 من الدستور الذي حدد هياكل المجلس بأربعة ، وأوكل للقانون مهمة ضبط اختصاص كل هيكل منها دون سواه، فضلا على أن تلك الصلاحيات مسندة بمقتضى صريح عبارات مشروع القانون كما تمت المصادقة عليه للجلسة العامة للمجلس الأعلى للقضاء في بعضها ( إعداد النظام الداخلي للمجلس) وللمجالس القضائية القطاعية في البعض الآخر( التأديب طبق أحكام الفصل 114 من الدستور)، وهو ما يعمق تداخل صلاحيات مختلف الهياكل ، ويخالف قرار الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين التي أكدت على وجوب رفع الغموض على النص القانوني ضمن قرارها المشار إليه أعلاه.
– منح مجلس نواب الشعب للجلسة العامة كهيكل من هياكل المجلس الأعلى للقضاء صلاحية ترتيبية لا سيما فيما يتعلق بضبط منح أعضائه وهو ما يناقض أحكام الفصل 2 من مشروع القانون كما تمت المصادقة عليه الذي فرق بين المجلس الأعلى للقضاء والجلسة العامة وأحكام الفصل الأول من ذات المشروع الذي منح هذه السلطة الترتيبية للمجلس الأعلى للقضاء بما يبقي غموضا وتداخلا بين صلاحيات كل هيكل من هياكل المجلس .
– توجه مجلس نواب الشعب نحو ارتهان الاستقلالية الإدارية للمجلس الأعلى للقضاء في مخالفة لأحكام الدستور الذي خص السلطة القضائية بباب مستقل عن باقي السلط ومواز لها، فضلا عن مخالفة أحكام الفصل الأول من مشروع القانون الأساسي كما تمت المصادقة عليه وذلك بإخضاع المجلس للسلطة الترتيبية لرئيس الحكومة من خلال منحه صلاحية تسمية الكاتب العام للمجلس .
– تغاضي مجلس نواب الشعب ضمن مشروع القانون المصادق عليه على ضبط أحكام انتقالية تنظم عمل التفقدية العامة للشؤون القضائية إلى حين سن القانون المنظم لها، بما من شأنه أن يحدث اضطرابا على عملها وعمل المجلس ويعطل المسار التأديبي.
شارك رأيك