تونس : لماذا لجأ راشد الغنوشي للإضراب عن الطعام ؟

 و أخيرا … لجأ  مرشد الإخوان في تونس راشد الغنوشي السجين في تونس و الذي كان أحد مهندسي انهيار الاقتصاد و ارتفاع نسبة الديون و تفشي ظاهرة الخطاب الديني الداعي للعنف… قلت لجأ إلى الإضراب عن الجوع بزعم الاحتجاج على ما يجرى في قطاع غزة.  و بقطع النظر عن الشك في نقاوة التزامه القومي العربي – فهو يظل أسلاميا حتى النخاع و الأمة العربية لم تكن يوما من أولوياته – فإننا نرى في إعلان هذا الإضراب عن الطعام محاولة للتذكير بأنه لا يزال موجودا و إن ندر الحديث عنه خارج حلقات الإسلام السياسي.

أحمد الحباسي *

طبعا لا أحد يصدق هذا الرجل المراوغ سوى بعض من ذلك الفصيل المتآكل الذي زج بأكثرهم في السجن و المسمى جبهة الخلاص الوطني أو من تبقى تائها متعلقا بما تبقى من حركة النهضة ظنا منه أنها ستستمر في حكم تونس إلى يوم يبعثون. 

لعله من المثير للانتباه أنه بالعودة إلى سجل الحياة السياسية الملوثة لهذا الرجل الذي لم يتورع عن وصف نفسه بالتمساح السياسي نافيا عن أي من معارضيه داخل الحركة أو خارجها القدرة على المسّ من قوته و صلابته و قدرته على المراوغة السياسية أنه لم يسجل له يوما تنديدا أو معارضة لما حدث من تجاوزات أو تنكيل أو خرق حقوق الإنسان أو سوء معاملة أو فقدان الحق في المحاكمة العادلة.

في الحقيقة هذا جانب مظلم في حياة راشد الغنوشي لا يتحدث عنه أحد فالرجل لا يهتم في باب المطالبة بحقوق الإنسان إلا بالنسبة لرفاق مسيرته و لا يرفع صوته منددا إلا بما يوصفه أو يعتبره خرقا يطال أحد رفاق مسيرته و هنا يبرز السؤال لماذا صمت راشد الغنوشي على ما لحق الراحل الدكتور الجيلانى الدبوسي الذي تم التنكيل به من طرف حكومتي النهضة إلى أن توفاه الأجل في ظروف أقل ما يقال فيها أنها وحشية و غير إنسانية.

رجل انتهازي يفخر بتركيبته “التمساحية”

لماذا لم يطالب شيخ حركة الإخوان في  تونس بإقالة وزير العدل نورالدين البحيري حين سخر و ضحك ضحكة الشامت من  إضراب الجوع الذي  اضطر إليه السجينان محمد البختي و بشير القلي و انتهى بوفاتهما؟

لماذا لم يستنكر هذا الرجل ما حصل من اعتداء حيواني من طرف مرتزقة تابعين لحركته على المرحوم لطفي نقض ؟

لماذا كان الرجل سببا و يدا في تسليم رئيس الحكومة الليبي السابق البغدادي المحمودى مع أنه كان يعلم أنه سيسلم لجهات من المتوقع أنها ستقوم بتعذيبه و إعدامه ؟ . لماذا رفض الرجل الوقوف دقيقة صمت حدادا على كل من استهدفه إرهاب حركة النهضة و تجاوز سلطته بالوقوف دقيقة حداد على رحيل  الرئيس المصري محمد مرسى ؟ .

لماذا صمت الرجل طيلة هذه المدة على ما يحدث في غزة من تنكيل و إرهاب وحشي و ما الذي ألجم لسانه السليط و هل أن لجوءه لهذا الخيار هو محاولة أخرى لاستثمار الفاجعة الفلسطينية و تحريك بعض الأقلام المدفوعة الثمن و على رأسهم بطبيعة الحال سيئة الذكر قناة الجزيرة حتى يقوموا بعملية تبييض أخرى بعد أن تجاهله من كان الرجل يعتقد أنهم يمثلون بوليصة التامين ضد كل الأخطار مثل تركيا و قطر على وجه الخصوص و رموه رمية الكلاب بعد أن نفذ لهم كامل المقاولات القذرة التي كلفوه بها.

راشد الغنوشي لا تهمه القضية الفلسطينية و لا ما يقع من انتهاكات لهذا الشعب لأن تركيبته التمساحية التي يفتخر بها و التي يجمع الكثيرون بمن فيهم رفاقه فى حركة الإرهاب الإسلامي أنها كانت سببا مهما فى سقوط الحركة و إبعاد الإخوان نهائيا من حلم الحكم و إنشاء الخلافة في تونس كل ما يهمه هو  دفع إسمه مهما كانت الظروف و التكاليف إلى الصف الأول من عناوين نشرة الإخبار لقناة الجزيرة و من لف لفها من بؤر التضليل الإعلامي العربي المدفوع الثمن الصهيوني الهوية.

استغلال الظروف الإنسانية لتحقيق غايات سياسية

في عرف الإخوان كل شيء مباح و مطلوب و من أوكد ما هو مباح هو استغلال الظروف الإنسانية لتحقيق غايات انتهازية سياسية، فعلها راشد الغنوشي لما فرض الوقوف دقيقة صمت في مجلس نواب الشعب حين وفاة محمد مرسي و فعلها الرجل مرات لا تحصى كل ذلك  لتلميع الصورة الشخصية و ربح بعض النقاط السياسية لكن راشد الغنوشي لم يفرض دقيقة صمت حين استشهدت قافلة الأمن الرئاسي في قلب العاصمة و لا حين ذبح الإرهاب أبناء المؤسسة الأمنية  فى الشعانبي و في عدة مناطق من الجمهورية. 

لذلك  من المستبعد جدا أن يصدق أحد هذا الرجل و يظن أن له مشاعر طبيعية إنسانية نحو شعب يتعرض إلى كارثة مدمرة  بكل العناوين تحت أنظار و أسماع كل الحكام العرب. و لعله من المهم إعادة التذكير أن راشد الغنوشي يعيش منذ تنحيته من رئاسة مجلس نواب الشعب حالة إنكار غير مسبوقة أكد كل رفاقه أنها سبب انهيار حكم النهضة و اضمحلالها من المشهد السياسي و هذه الحالة المرضية المستعصية هي التي أدت به إلى السجن و سقوطه نهائيا  لذلك يتشبث بكل حدث يمكن له استثماره للعودة إلى ساحة الأحداث لكن عجلة التاريخ داسته و لم يبق ممكنا له إلا لملمة الأحزان و اجترار مرارة الذل.

* كاتب و ناشط سياسي.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.