حتى لا تكون مصالح تونس العليا قشة في مهب الريح !

في التدوينة التالية التي عنونها “رسالة عاجلة” و التي نشرها على صفحته الفايسبوك اليوم السبت 6 سبتمبر 2025 يعلق الكاتب على مبادرة بعض النواب الأمريكان الذين طرحوا مشروع قانون لما أسموه “استعادة الديمقراطية في تونس” و الذي يهدد بلادنا بعقوبات سياسية واقتصادية. وهو يؤكد ضرورة أن يكون لتونس سند خارجي قوي للدفاع عن مصالحها الحيوية و تجنب التخل الأجنبي السافر في شؤونها.

سامي الجلّولي *

لا يمكنك أن تكون فاعلا أوعلى الأقل مدافعا ومحافظا على مصالحك الخارجية دون سند سياسي وإعلامي خارجي. فاللوبيينغ مسألة حاسمة…

سواء في مقرات الاتحاد الأوروبي ببروكسل أو في داخل البيت الأبيض بواشنطن أو في مجلس حقوق الإنسان بمكتب الأمم المتحدة بجنيف يجب أن تكون محاطا بمكاتب استشارية ودعائية في العلاقات العامة لخدمة مصالحك…

المبادرة التي اتخذها النائب الأمريكي ليست الأولى ولن تكون الأخيرة وهي لا تخرج عن هذا الإطار… قد تكون فنطازيا سياسية لا أكثر… ليس هذا ما يقلق…

ما يقلق أن أغلب المبادرات والتحركات ليست بالضرورة وليدة أفكار بعض من لا يعرف عن تونس شيئا…

ما يقلق من يقف وراء هذه النوعية من المبادرات… من الجائز جدا أن يكون وراءها دول وشركات ومراكز تأثير تطرح وتدفع… تدفع cash… هذا معلوم…

الحفاظ على مصالح تونس العليا

بورقيبة مثلا لم يكن يدفع لشركات العلاقات العامة للحفاظ على مصالح تونس العليا. تاريخه ورمزيته كانتا ضمانا لمصالح تونس…

بن علي كان قريبا من بعض مراكز النفوذ الإعلامي والسياسي في فرنسا وأمريكا. في فرنسا اعتمد على أصدقاء تونس وبعض من الذين ولدوا فيها مثل Philippe Séguin و Bertrand Delanoë وطارق بن عمار… حيث استطاع الحفاظ على علاقات جيدة دون دفع الكثير من المال.

في أمريكا أحدث بن علي نادي Hannibal وكان رئيسه الشرفي Henry Kissinger… والكل يعرف وزن هذا الأخير…

علاقات حصّنت تونس حتى عندما اتخذت قرارات تغضب أمريكا أثناء تنديد تونس وعدم مشاركتها في حربي الخليج الأولى والثانية وحتى أثناء استقبال بعض الطائرات العراقية من بينها طائرة لصدام حسين شخصيا. بن علي كذلك ساهم في حل الأزمة الأمريكية الليبية بصورة كبيرة وكانت المفاوضات تحدث في تونس…

لسنا هنا لتقييم لا أداء بورقيبة ولا بن علي على المستوى الداخلي. بل فقط في الجزء المتعلق باستغلالهما لمراكز النفوذ الأجنبية وتطويعها لصالح تونس في بعض المحطات والمواقف… والأهم الحفاظ على موقف تونس الحيادي في بعض القضايا…

واليوم ؟

لا مراكز نفوذ خارجية يمكن الاعتماد عليها ولا دفتر علاقات يمكن فتحه ولا شخصية أو صانع قرار نافذ يمكن الاتصال به…

من بقي إذن ؟

سفراء تونس ؟

لا تعولوا كثيرا عليهم، فأغلبهم يحارب فقط من أجل الحصول على منصب خارجي في أحد الدول الغنية… أفقهم محدود لا يتعدى الراتب والرفاهة… بمجرد استقرارهم يمارسون روتينا إداريا لا سياسيا… بل إن بعض السفارات لا سفير فيها…

يبقى أبناء تونس بالخارج !

هؤلاء لهم بحكم أعمالهم شبكة علاقات كبيرة وأعلم من لهم شبكة علاقات رهيبة ولكن لا أحد من النظام مهتما بهذا…

قشّة في مهب الرياح

أعيد وأؤكد بأن تونس في حاجة إلى القيام بمراجعات وتقييم مثلما تفعل الشركات الكبرى…

تسيير الدولة لا يختلف عن تسيير شركة مدرجة في البورصة… تنمية أسهم المشاركين والحفاظ على صحة جيدة للشركة أولوية قصوى وأي ممارسات أو قرارات غير متوازنة ومشبوهة قد تؤدي إلى الإنهيار والإفلاس…

الوضع اليوم ليس وضع الستينات أو حتى التسعينات… اليوم سرعة المعلومة، سرعة القرارات وسرعة انتشار الشائعات تجعل أي نظام إن لم يكن محصّنا بتنمية داخلية فعلية سيكون مصيره كقشّة في مهب الرياح…**

* رجل قانون و محلل سياسي.

** العنوان و العناوين الفرعية من وضع الجريدة.

صفحة فايسبوك الكاتب.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.