الأستاذ السعيدي يكتب تحت عنوان: “عدالة الرعب عدالة الموت”

تواتر اخبار عديدة اثارت الجدل على صفحات التواصل الاجتماعي و أسالت حبر عدم الرضاء بخصوص كل ما يمس بالقضاء في تونس، المحامون من جانبهم غير مرتاحين و من بينهم الأستاذ السعيدي الذي كتب بأسلوبه الشيق ما يلي على الموضوع:

“لم تعد العدالة ميزانًا، بل قفصًا يُرمى فيه الناس باسم القانون.
تُوقّع بطاقة الإيداع كما تُوقّع شهادة وفاة،
ويُترك الموقوف ليموت ببطءٍ بين جدرانٍ تحفظ الصمت، لا العدالة.
يموت الموقوف،
بعد أن صرخ محاميه طالبًا الإيواء الوجوبي،
لكنّ الصرخة لم تصل،
ضاعت بين مكاتب التحقيق ،وبين بيروقراطيةٍ تُحسِن دفن الضمير تحت أوراقها.
أيُّ وطنٍ هذا الذي تُدار فيه العدالة بالخوف؟
وأيّ قاضٍ هذا الذي يوقّع بطاقة إيداع
كأنّه يوقّع مرسوم رعبٍ جديدٍ باسم الجمهورية؟
التحقيق صار مسرحًا بلا رحمة،
الزنازين ممرّات إلى المقابر،
نعيش زمن عدالة الإيقافات،
عدالةٍ لا تنظر في الوجوه، لا تسأل، لا ترتاب، لا تسمع.
عدالةٍ تلبس قناع الردع لتخفي جبنها.
تسارع إلى إيداع الأجساد،
وتتلكأ حين يتعلّق الأمر بإطلاق الأرواح.
تقولون إنها إجراءات…
لكن منذ متى كانت الإجراءات تسبق العدالة؟
إنّ الموت في الإيقاف ليس قضاءً وقدرًا،
إنه فعلٌ قضائيّ بالإهمال،
وسكوتٌ رسميٌّ يرقى إلى المشاركة.

هذه ليست عدالة،
بل نظام خوفٍ ينتج القسوة كما ينتج المصنع دخانه.
كل بطاقة إيداع بلا موجب هي حجرٌ جديدٌ في جدار القهر،
وكل قاضٍ يُوقّع دون أن يسمع صدى ضميره،
يُضيف صفحةً سوداء إلى تاريخٍ مزوّرٍ بالدماء.

نريد عدالةً تُعيد للإنسان وجهه،
عدالةً تُصغي قبل أن تحكم،
عدالةً تعرف أنّ الحرية ليست منّة، بل حقّ،
وأنّ الكرامة ليست تفصيلًا في ملف.

أما أن يُمات الموقوف في السجن،
فذلك ليس خطأً في الإجراء،
بل جريمةٌ مكتملة الأركان،
ارتُكبت ببطاقة إيداعٍ شرّفت المقصلة وأهانت العدالة”.

شارك رأيك

Your email address will not be published.