مسرحية السلام الدولية في شرم الشيخ بين الحقيقة والوهم

هكذا بان وجه دونالد ترامب الحقيقي بعد قمّة السّلام التي عُقدت في شرم الشيخ والتي اعتقد فيها الحاضرون أن الرئيس الأمريكي يسعى فعلا للسلام، وهكذا خُدع الجميع مرة أخرى، بعد أن ظن العرب والمسلمون أنه فعلا يسعى للسلام، ولكنه في الحقيقة كان يسعى إلى إطلاق الرهائن الإسرائيليين من أيدي حماس فاستخدم لغة التهديد والوعيد مغلّفة ببعض الوعود الجوفاء العمياء التي كانت فضفاضة ولم تتقيّد بشيء.

فوزي بن يونس بن حديد

و النتيجة أن المساعدات الإنسانية لم تتحدّد وفق الخطة ولم تكن هناك إشارات واضحة وبنود مُلزمة لإسرائيل أن تسمح بإدخال المساعدات وفق خطة أممية لا لبس فيها ويستطيع من خلالها الفلسطينيون أن يحصلوا على الطعام والشراب والحماية والسكن والدواء، ولم تكن بها إشارات واضحة ومُلزمة للكيان الصهيوني بإنهاء الحرب نهائيا والانسحاب من غزة كاملة ولو تدريجيًّا وفق جدول زمني، فما كان يحرص عليه الرئيس الأمريكي من خلال خطته العرجاء هو إطلاق الرهائن الإسرائيليين بأي وسيلة وبأي طريقة الأحياء  منهم الأموات والضغط على حماس من خلال الوسطاء الذين لم يضغطوا بدورهم على أمريكا لتحديد ما على إسرائيل من التزامات وما يمكن أن يفعله بها المجتمع الدولي عند خرقها الاتفاق، وهل سيحاسب مجرموها على ما اقترفوا من جرائم في حق البشرية والإنسانية.

السلام من خلال فرض القوة

لقد لعب ترامب دور البطولة في مسرحية السلام، وأوهم العرب والمسلمين بأنه بطل حقيقي يستحق جائزة السلام وأرفع الأوسمة على الإطلاق، حتى جعلهم يكيلون له المدح والثناء، في وقت كان يدعم إسرائيل في وحشيتها المتواصلة بكل قوة، ومنحها الضوء الأخضر في أن تفعل ما تشاء، لأنه يعلم أن إسرائيل لن تسكت إذا سكت هو أو تغاضى الطرف، ولأنه مصبوغ كغيره من الصهاينة على حبّ سفك الدم والرقص على أنغام الرصاص والبارود لتحقيق ما يسمى السلام، فهو السلام الذي يأتي من خلال فرض القوة، قوة التهديد والوعيد، وقوة السلاح والرصاص، وقوة التكنولوجيا والتقنية، وكلها في رأي ترامب تحقق السلام، ولم تعد لغة الديمقراطية واحترام الغير هي السائدة في العلاقات الدولية.

ففرض الأمر الواقع، هو النّهج الذي يتبعه ترامب ويسميه “السلام” فإما أن يقبل الغير بطرحه وإما أن يكون عدوًّا في عرفه، فهو لا يجيد إلا الصفقات التي يجني من ورائها المليارات من الدولارات، ولا يعرف معنى السلام أبدا، لأن السلام كلمة راقية جدا لا ينطقها إلا من آمن بها وعرف حقوق الإنسان وجلس إلى طرفي النزاع، يمنح الحق لكل منهما وفق القوانين الدولية والأعراف المجتمعية، ووفق ما يمليه ميثاق الأمم المتحدة لا وفق رؤية لا ترى إلا بعين واحدة اسمها إسرائيل، كما أن السلام تفرض على الوسطاء بمن فيهم الولايات المتحدة الأمريكية رعاية القضية الأولى في العالم التي لم تنته منذ ثمانين عامًا، وما زالت عالقة وجاثمة على كل المنظمات الدولية والإقليمية ولم تجد حلًّا لحدّ الساعة، لا أن يهرول الوسطاء العرب والمسلمون وراء ما يسمى “ترامب” حتى أصبح ظاهرة تظهر كل مرة لتسويق معطيات مغلوطة وحلول فاشلة تحت وطأة التهديد والوعيد والخداع والمكر والدهاء.

دائرة السلام المزعوم

فترامب الذي قال إنه يركض وراء السلام، ويزعم أنه جلب الأمن والأمان لأهل غزة، ها هو اليوم يهدّد حماس بالتدخل السافر لقتل المقاومين الأحرار الذين يقضون على الخيانة في غزة، وباتت تصدع المجتمع وتفكك تماسكه  بعد حرب مدمرة أكلت الأخضر واليابس ودمرت الحجر والشجر ولم تبق على شيء لا في الأرض ولا في السماء، وها هو يهدد فنزويلا أيضا بضربات جوية داخل أراضيها حتى يخضعها هي الأخرى إلى دائرة السلام المزعوم، وفي كل مرة يدعي ترامب أنه يجيد الصفقات ويحب عقد الصفقات إلا إسرائيل فإنه لا يستطيع أن يجبرها على شيء لا ترغب فيه، بل يتماهى معها وفي كل مرة نسمع تصريحات متضاربة تصدر من ترامب وكأنه لا يرى إلا الصفقات ولا شيء غير الصفقات.

ومن هنا يظهر مشروع ترامب الاستعماري في المنطقة، وما المرحلة الثانية والثالثة من خطة السلام إلا تلويثٌ لميثاق الأمم المتحدة، وانهيارٌ لمنظومة الدّيمقراطية في العالم الإنساني،  وصدعٌ وقطعٌ مع الاهتمام بحقوق الإنسان، فترامب يرضي إسرائيل فقط ولا أحد غيرها، وإن أرضى غيرها فإنه يرضيه على عجل، ويعطيه من طرف اللسان حلاوة وبعدها يروغ كما يروغ الثعلب.

شارك رأيك

Your email address will not be published.