“يجمع بين تواضع العلماء وعمق الحكماء” ذلك هو المفكّر عبد المجيد الشرفي كما عرّفه الأستاذ محمّد الهوني رئيس رابطة العقلانيين العرب في الجلسة الافتتاحيّة لندوة دوليّة نظّمها المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون “بيت الحكمة” يومي 23 و 24 ماي 2022 تكريما لرئيسه السابق الذي ملأت حفريّاته المعرفيّة المنابر الفكريّة التونسيّة والعربيّة والعالميّة، وأرّقت المؤمنين بمدرسته والخصوم الناقدين.
نظرا إلى ثراء تجربة عبد المجيد الشرفي وخصوصية بحوثه بوصفه حفّارا معرفيّا وفقا لعبارة فيلسوف الأركيولوجيا ميشال فوكو انتظمت الندوة على امتداد يومين جامعة بين الشهادات والمداخلات لباحثين ومهتمين بتجربته من زوايا نظر فلسفيّة وحضاريّة وأدبيّة ودينيّة.
افتتح الندوة رئيس المجمع الدكتور محمود بن رمضان منزّلا فعّاليّاتها في سياق الإعلاء من شأن المعرفة وتثمين جهود الفكر والرموز العلميّة، وفي البدء واكب الحاضرون من رؤساء سابقين للجمهوريّة التونسيّة، وديبلوماسيين، وجامعيين، وباحثين، وإعلاميين شريطا وثائقيا حول مسيرة المحتفى به تمّ إعداده بهذه المناسبة لتوثيق رحلة مفكّر تحديثيّ آل على نفسه مقاومة كل فكر دغمائي.
ممّا جعله أحد أبرز التحديثيين وطنيّا وعربيّا وفقا لجلّ المداخلات والشهادات المجمعة على أنّه ليس مجرّد رمز من الرموز التحديثيّة، بل هو مؤسّس مدرسة أضحت مشعّة خارج الحدود التونسيّة. فلم يستخدم غريب اللفظ إلاّ عند الضرورة المعرفيّة التي تستوجب اعتماد بعض المفاهيم، كما أنّه لم يلجأ إلى المواقف التلفيقيّة باسم التوفيق والتقيّة الحتميّة، لذلك أنشأ جيلا متأثّرا بنسقه الفكري، وهذا ما أكّدته شهادات أكاديميين وباحثين اعتبروا مقارباته ودروسه في رحاب الجامعة مرجعيّات ألهمت وأحدثت ثورات في مساراتهم الفكريّة.
وعلى الرغم من تنوّع عناوين المداخلات واختصاصات المحاضرين وأصحاب الشهادات أجمع كلّهم على المنهجيّة العلميّة التي تميّز كتاباته إيمانا منه بضرورة مواكبة جديد البحوث العلميّة سعيا إلى القطع مع الفهم الأسطوري طالما أنّ جميع الظواهر المدروسة قابلة للتفسير العلمي، وما هو غير قابل للتفسير العلمي اليوم قد يفسّر علميّا لاحقا، كما يتّفق جميعهم على أنّه يراهن في كلّ كتاباته منذ لبناته الأولى على الفكر الحر رفضا لأيّ شكل من أشكال الوصاية.
وفي هذا الصدد ركّزت عديد المداخلات على أطروحته التنويريّة لمسألة التفسير والتأويل مثل مداخلة الدكتور محمّد محجوب، تلك التي اهتمّت بالبعد الفلسفي للشرفي بوصفه حفّارا حقيقيّا لا يخشى المحظور أيّا كانت طبيعته، فكل القضايا بالنسبة إليه قابلة للتأويل الذاتي طالما أنّ العقل ملكة إنسانيّة لا يحقّ لأيّ كان احتكارها، كما لا يجوز أيّ شكل من أشكال الوصاية.
وفي هذا السياق تناولت عديد المداخلات جرأة أعمال الشرفي التي اقتحمت المسكوت عنه، من قضايا حقوقيّة، وإشكالات الهويّة كما ورد في مداخلة الدكتور فتحي التريكي التي أبرز فيها البعد التحديثي للمحتفى به، فالهويّة لديه ليست مغلقة وثابتة، بل هي ديناميّة تجدّد ذاتها وفقا لمنطق المسارات التاريخيّة بما تعنيه من تحوّلات معرفيّة واقتصاديّة واجتماعيّة وسياسيّة.
ولأنّ عبد المجيد الشرفي مسيرة بحثيّة تتجاوز نصف القرن انخرطت في فعاليات التكريم نخبة من الكتّاب والباحثين ومن الأصدقاء الذين عاشروه وبعض طلبته عبر نصوص مهداة، ستصدر في كتاب تخليدا لمسيرة علميّة مشعّة وطنيّا، وعربيّا، وعالميّا.
شارك رأيك