من خلال النص التالي، عبر الأستاذ المحامي كريم مرزوقي عن رأيه في مشهد “محوّلي يوم إحياء تاريخ اندلاع الثورة إلى يوم احتفاء بالسلطة ببهرج نوفمبري قميء…
مضيفا بأن هذا الاحتفاء “يضمّ طيفيْن بالأساس: المرتبطون عضويًا بالنظام الجديد من أعضاء مجالس محلية (2434 عضوًا كي لا ننسى) ومجالس أقاليم و”المنخرطون” في الشركات الأهلية ونواب المجلسين وما لفّ لفهم من ارتباطات مصلحية وعائلية بهم، وهؤلاء جميعا، لدافع احتفائهم المفرط بالسلطة و”بالرئيس المنقذ” كدافع أبناء الشعب المحلية والترابية زمن التجمع الدستوري حينما تكون “قواعد النظام” بدفاعها عن “رأس النظام” فهي تدافع عن “النظام” الذي تحوّلوا لأحد عناصره وباتت مصالحهم مرتبطة بوجوده.. هنا من المهم التمييز أن المعضلة ليس في معيار المصلحة الذاتية في حد ذاتها، بل في تعارضها مع المصلحة العامة من منظور مسألة جوهرية: دولة القانون والحقوق والحريات
أما الطيف الثاني فهم أولئك التونسيين المفقّرين أبناء الشعب الكادح (الذي أستغرب أن يمارس بعض الأصدقاء الاستعلاء الاجتماعي والثقافي تجاههم)، هؤلاء الذين كان تخطب ودّهم الطبقة الحزبية دون استثناء (ومن كان يتوجّه إليهم نبيل القروي وسليم الرياحي وغيرهم طمعًا في أصوات تؤمن مقاعد في البرلمان).. هؤلاء التونسيين الذين يميلون مع كل سلطة بوصفها قوة ردع ومنح، والذين فشلت “الدولة” أن تمنحهم فرصة مواطنة فاعلة، هم ضحايا الفقر والتهميش والانقطاع عن التعليم.. وهم التونسيون الذين يرون أنفسهم غير معنيين بحديث الحريات ولا باستحقاق استقلال قضاء، وهؤلاء هم أنفسهم الذين توظفهم السلطة الشعبوية في خطاب التحريض والتقسيم وقد صوّروا لهم أن “السياسيين” و”الناشطين المدنيين” و”رجال الأعمال” هم “الأعداء”، وأن هذا البلد يتآمر عليه الكون لأنه يريد أن يشق طريقا لتحرير “الإنسانية جمعاء”.. هؤلاء التونسيين لم يكونوا يومًا مع الديمقراطية ولكننا فوتنا الفرصة أن نقنعهم بأن “الديمقراطية هي الحل”، هم ربما ليسوا معنا في معركة استرداد الحرية والكرامة، ولكن قطعا هم منّا: نحن نريد الديمقراطية من أجل هؤلاء أيضا.
في الشكل كان ظهورهم مثيرًا للسخرية للعديد منا (هو تنزيل لرداءة السلطة وقبحها) ولكنه مثير للوجع.. هذه السلطة الشعبوية استطاعت أن تستثمر في الخوف والكراهية والترهيب وأمراض المجتمع لتجعل البلد اليوم متناحرا بين شبكاته وطبقاته وتدفع بالحدية والتضاد لأقصاه بدل منطق الملائمة والمشترك.. باسم “البناء والتشييد” وخطابات التحريض يجري هدم “روح التونسيين” بوصفهم جماعة واحدة.. هذه هي أكبر خطايا هذه السلطة التي نأمل أن نتائجها تقف عند السخرية والضحك على أخبار إضرابات الجوع وإيداع النزهاء في السجون.. وهي أكبر الخطايا التي تحفّزنا أيضا لغلق قوس هذه السلطة قبل فوات الأوان”.



شارك رأيك