لا يمكن التشكيك في صدق نوايا و جهود هيئة الدفاع في ملف اغتيال شهيدي الوطن شكري بلعيد و محمد البراهمى و ما تعرضت له من تهديد و تضييق على كل المستويات لكن الملاحظ لكل المتابعين أن الهيئة لم تكشف منذ فترة طويلة عن أي جديد قد تكون توصلت إليه من خلال ما يتوفر لها بفضل التسريبات و عمليات التقصي. وهو ما يطرح عدة أسئلة…
بقلم أحمد الحباسي
لا يمكن لأحد التشكيك في كافة الجهود المضنية التي قامت بها هيئة الدفاع في ملف اغتيال شهيدي الوطن شكري بلعيد و محمد البراهمى و الذي تجمع كل الشهادات و الأدلة و القرائن المتضافرة على توجيه الاتهام المباشر لقيادة حركة النهضة بالضلوع في العمليتين بعد أن عمل الأمن الموازى في وزارة الداخلية بقيادة رئيس الحكومة حمادي الجبالى و وزير الداخلية علي العريض على طمس معالم الجريمتين و توفير الغطاء الأمني للقتلة و تهريبهم للخارج.
لا يمكن التشكيك في صدق نوايا و جهود هيئة الدفاع و ما تعرضت له من تهديد و تضييق على كل المستويات لكن الملاحظ لكل المتابعين أن الهيئة لم تكشف منذ فترة طويلة عن أي جديد قد تكون توصلت إليه من خلال ما يتوفر لها بفضل التسريبات و عمليات التقصي كما أن الهيئة لم تخرج للإعلام للإفصاح عن طريقة تعامل مصالح الداخلية في عهد الرئيس قيس سعيد الذي ربما نكث عهده في كشف حقيقة الاغتيال.
حقائق كثيرة لم تكشف بعد
لعل السؤال المطروح اليوم هو لماذا لم يقع الكشف عن حقيقة الاغتيال و لماذا ترفض وزارة الداخلية و مجلس الأمن القومي الكشف عما لديهما من معطيات خافية و هل هناك علاقة بين عمليتي الاغتيال و بعض الخيوط الاستخباراتية لبعض الدول الأجنبية و هل تهاونت أو قصرت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية أو وكالة الأمن الخارجي الفرنسية في تمكين الجانب التونسي من بعض المعلومات السرية خاصة أن هذه الجهات قد تمكنت من الوصول إلى عدة معلومات مهمة نتيجة الأبحاث التي طالت عديد الإرهابيين المعتقلين بعد سقوط نظام العقيد معمر القذافى أو الذين تم القبض عليهم على الحدود السورية أو الذين تسللوا للتراب الفرنسي بعد هزيمة المجموعات الإرهابية في سوريا.
هناك حديث في بعض الأوساط يشير إلى إمكانية تدخل بعض قيادات اليسار في عمل هيئة الدفاع لدفعها على الاكتفاء بتقديم بعض المعلومات المجتزئة التي تضع ضغطا معنويا و سياسيا لكن لا تؤدي إلى القطع بمسؤولية قيادات الحركة و التي ستستغلها بعض الأطراف للإجهاز قضائيا على وجود حركة النهضة بعد وصمها كحركة إرهابية و دفع رئاسة الحكومة إلى حلها عملا بمرسوم تنظيم الأحزاب.
هنا يرجع البعض بالذاكرة الى ذلك التصريح المثير للقيادية في حركة النهضة يمينة الزغلامي التي أشارت بمنتهى الحزم و الوضوح أن النهضة تملك ملفات خطيرة عن الجميع و ختمت بالعبارة الشهيرة “تورّى نورّى”.
دور القاضي البشير العكرمى في طمس الملف
لقد بات من الواضح أن هيئة الدفاع تتعرض إلى ضغوط كبرى لكن إصرارها على اتهام الشيخ راشد الغنوشى بالتخابر مع جهات أجنبية و عدم ثقتها في المجلس الأعلى للقضاء و لئن يحسب لها فهو لن يؤدى إلى حصول تقدم في الملف و في سرعة البت القضائي في الملفات التي قام وكيل الجمهورية السابق البشير العكرمى بتلغيمها حتى لا تفضي إلى محاسبة الحركة.
حين تكتفي السيدة مباركة البراهمى و الأستاذة بسمة بلعيد بالصمت المتواصل و لا تنبشان في دفاتر الحركة الملطخة بالدم و الخيانة و حين يلتفت الإعلام عن إثارة مآل الأبحاث و حين ينكث رئيس الدولة نفسه وعدة بإماطة اللثام عن حقيقة جريمتي الدولة و ينحاز إلى حزب الصامتين فمن المؤكد أن هيئة الدفاع ستتعرض إلى التهديد و الضغوط و تندثر مع الوقت و هذا ما تعمل عليه حركة النهضة طيلة السنوات الماضية و تساعده في ذلك حملات التبييض القذرة التي رأينا عينة منها أخيرا في ما يسمى بحركة “مواطنون ضد الانقلاب” التي شاركت فيها شخصيات كرتونية مشبوهة مثل أحمد نجيب الشابي و عزالدين الحزقي و الصافي سعيد و جوهر بن مبارك.
في كل الأحوال من الثابت أن هيئة الدفاع تحتاج إلى نفس و دم جديد و إلى طريقة جديدة في التعامل مع حيثيات و ارتدادات و إرهاصات ملفين بهذا الحجم و لعله على الهيئة أن تتخلص سريعا من بعض الحمولة الزائدة على مستوى الأشخاص أو على مستوى بعض الأسرار التي من المفيد تقديمها للرأي العام حتى يتم وضع النقاط على الحروف.
كاتب و ناشط سياسي.
شارك رأيك