كتب الصحفي حازم حسين بصحيفة اليوم السابع عن الجدل القائم في الدول العربية بخصوص مبادرة رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي المتعلّقة بالمساواة في الميراث والزواج بغير المسلم.
وقال حسين:
“خطوة السبسى الأخيرة لم تكن بعيدة عن توجّه منهجى لديه لإدخال تحسينات على التشريعات المتعلّقة بحقوق المرأة فى البلاد، ففى خطابه فى المناسبة نفسها قبل سنتين، أكد السبسى تساوى المرأة مع الرجل فى ولايتها على أولادها القُصّر، وانتقد إجبار القاصرات على ارتداء الحجاب، موجها باتخاذ خطوات تشريعية نحو إنهاء حالة الإجبار تلك، بما تمثله من انتهاك مباشر للطفولة.
حديث الرئيس التونسى الأخير عن المساواة فى الميراث وزواج المسلمة من غير المسلم، واجه اعتراضات واسعة من أفراد ومؤسسات دينية ذات صبغة محافظة، وإذا ركزنا على السياق المصرى، فقد تواترت تصريحات من شيوخ وأكاديميين أزهريين، وأعضاء بمجمع البحوث الإسلامية، وصولا إلى وكيل الأزهر عباس شومان، ترفض المقترحين وتهاجم التوجه التونسى.
بين اجتهاد السبسى واجتهاد “ابن تيمية”.. تونس تضىء فلا تطفئوها
الثابت من تاريخ تونس أن لها باعا فى علوم الفقه والشريعة، عبر جامعتى القيروان والزيتونة، كما أن لها باعا فى التنوير والتحديث، بسياق متزامن تقريبا مع حركة التنوير التى شهدتها مصر فى فترة ثورة 1919، ففى مؤتمر لجمعية “الترقى” التونسية سنة 1924، بعنوان “مع أو ضد الحركة النسوية”، صعدت “منوبية الورتانى” لمنصة المؤتمر بوجه مكشوف لتلقى كلمة، متمردة على مصادرة المرأة خلف النقاب، الذى يقر فقهاء كثيرون أنه لا صلة له بالإسلام، وهو ما تكرر فى 1929 مع حبيبة المنشارى فى مؤتمر نسائى تحت العنوان نفسه، وبعدها بسنة واحدة أصدر طاهر حداد كتابه “امرأتنا فى الشريعة والمجتمع”، متبنيا خطابا تنويريا داعيا لتحرير المرأة والوفاء بحقوقها، على أرضية من التأصيل الدينى والاجتماعى والفكرى، ويُعد حداد، الذى توفى فى 1935 وعمره 36 سنة، رائدا من رواد حركة التنوير وتحرير المرأة فى تونس.
بالتأكيد سيثور فريق واسع من الناس، خاصة الفقهاء ومن اتخذوا الدين مهنة وحرفة، رافضين إناطة الأمر بولى الأمر، أو حتى بإجماع الأمة فى صورتها الوطنية، أى حتى لو أجمع التونسيون على قبول التعديلات المقترحة، سيظل الرافضون على رفضهم، متجاهلين حجة الإجماع وسلطة الناس فى إنفاذ أمور اجتماعهم ومعاملاتهم بالتوافق الحر الذى لا يقيده قيد، خاصة فى دولة حديثة عمادها القانون والمواطنة، والأخيرة ليست إلا “المساواة” فى صيغة كاملة وشاملة لكل الجوانب، فى الواجبات والحقوق، وفريق الثائرين فى ثورته لن يلتفت إلى أن قدامى الفقهاء استجابوا لفقه الواقع كثيرا، ووصل الأمر لحالات ومواقف تخالف ظاهر النص القرآنى.
الحالة السابقة لا تتوقف فقط على قضية “العَول” فى الميراث، وتقديم الدَّين على الوصية، ومساواة الذكور والإناث الإخوة لأم دون نص، ولا تتوقف أيضا على قول ابن القيم بجواز بقاء المسلمة مع زوجها غير المسلم حتى يفرقهما السلطان، ولا بقاء السيدة زينب ابنة الرسول فى عصمة أبى العاص بن الربيع، وكذلك لا تتوقف على تعطيل عمرو بن الخطاب لحد السرقة وسهم المؤلفة قلوبهم، واختراع الفقهاء لحد الرجم الذى لا يذكره القرآن، بل تنسفه الآية 25 من سورة النساء، ولكن يصل أيضا إلى الإمام ابن تيمية، أحد أكثر الفقهاء والعلماء تشددا بحسب آراء كثيرين، والذى يحتج به فقهاء الحاضر فى كثير من الأمور، بينما لا يلتفتون لما حُكى عنه، بنص قوله وفق ما أورده تلميذه ابن القيم فى كتابه “أعلام الموقعين”: “مررت أنا وبعض أصحابى فى زمن التتار بقوم يشربون الخمر، فأنكر عليهم من كان معى، فأنكرت عليه وقلت له: إنما ذم الله الخمر لأنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وهؤلاء يصدهم الخمر عن قتل النفس وسبى الذرية وأخذ الأموال، فدعهم”.. فهل ندع تونس أم أن لنا عليها وعلى العقل وكتاب الله سلطانا؟!
وفيما يلي نصّ المقال
ر.م
شارك رأيك