الرئيسية » بلقيس البراهمي في ذكرى استشهاد أبيها محمد البراهمي : سبع سنوات إحترفت فيها الإنتظار…

بلقيس البراهمي في ذكرى استشهاد أبيها محمد البراهمي : سبع سنوات إحترفت فيها الإنتظار…

اليوم السبت 25 جويلية 2020 يحتفل الشعب التونسي بعيد الجمهورية. وهو يوم ذكرى حزينة لأسرة الشهيد الحاج محمد البراهمي الذي اغتااته عصابة من المتشددين الإسلاميين أمام منزله بحي الغزالة في صبيحة هذا اليوم من عام 2013. بهذه المتاسبة الأليمة على قلب كل تونسي و تونسية كتبت ابنة الشهيد بلقيس هذه التدوينة…

بقلم بلقيس البراهمي *

“طالوا الأيام.. وتوحشنا ويا عذابي !”… ومرت سبع سنوات بخيباتها، بإنكساراتي وإنتصاراتي ووقوفي بعد كل كبوة، بعود أشد وصبر أكبر…

“طالوا الأيام”… سبع سنوات إحترفت فيها الإنتظار..

انتظرتك كثيرا، بلهفة طفلة الست سنوات التي تركتها وهاجرت غصبا، تعد الأيام بأصابعها وتصبو لأب يعود بحقيبة مليئة بالحب والدمى والشوق والفساتين، يبتسم لإنتصارتها الصغيرة؛ تصفيق الفصل إحتفاء بلوحتها، هدية الجد العطوف بمناسبة تميّزها، أرجوحتها اليدوية الجديدة، شعرها الذي طال في غيابه… ويستمع بصبر لقصصها التي لا تنتهي عن بنات الخالات والصديقات وكلب الجيران حتى تنام وهي تتمتم “صحة ليك يا بلقيس عندك ذراع بابا”…

انتظرتك كثيرا كما انتظرتك سابقا، وشطبت الأيام من اليومية… والأيام صارت أشهرا… والأشهر صارت سنوات… والسنوات صارت سبعا… ولم تعد بعد…

ولم تبتسم لانتصاراتي الصغيرة، ولم تر حلمك الأخير بي يصبح حقيقة… “نحبك تولي kiné بش كي ركبتي ترجع توجعني تداويني”… وما عدت تستمع بصبر لقصصي التي لا تنتهي وأحلامي التي تتجدد وتتغير كل ساعة، وما عدت أنام على “ذراع بابا” بل أتوسد شوقي كل ليلة وأتمناك زائرا لمنامي…

” طالوا الأيام” وأنت لا تعود… يكسرني غيابك. يٌنقص من فرحي ويزيد أحزاني حدة… تنقصني أنت، في كل التفاصيل… ماذا لو لم تغب؟ كنت شهدت شجاراتي السخيفة مع ماما، محاولاتي فرض روتين صحّي، مشاكلي في العمل، تعليقي على نشرة الأخبار، تغاريد أم كلثوم التي تكسر هدوء الليل… ربما كنا لنخوض نقاشا حادا حول موقف سياسي… ربما وبختني كلما تأخرت في العودة الى المنزل، أم كنت ستكتفي بنظرة حادة تجعلني أبكي لتراضيني صباحا بابتسامة اعتذار…

كنت انتظرت “راس الشهر” حتى أدعوك للعشاء في مطعم سوري، أو طلبت منك بإلحاح أن ترافقني للتسوق حتى أهديك قميصا أو ربطة عنق… كنت تحب ذوقي في اختيار ملابسك كما أحببت آخر هدية – ويا ليتها كانت عمري-.

كنت ستحب كبرى بناتك في سنواتها العشرين، يرضيك نضجها فتغرقها نصائحا ودروسا وتختم، كما ختمت آخر مرة، قائلا : “كون مرا قوية وذكية… اليوم نا هنا نجم نوريك ونعاونك، غدوة تلقى روحك وحدك… هَنّيني.”

“طالوا الأيام وتوحشنا… ويا عذابي”… يا وجعي المتجدد و”ريافي” الذي لا ينتهي ودمعي الذي لا ينضب…

لما أخذوك مني عنوة؟ لما حرموني من أب يبكي لنجاحي ويبتسم في عرسي ويقاتل الدنيا إن سالت من عيني دمعة!
أي بشر هذا، يصب أمام عيني في جسدك رصاصا ويقذف في قلبي ألما لا ينتهي!
أي وطن هذا، سقيته دما فأنبت جحودا ونكرانا؟

أبكيك الليلة، في ذكراك، كما بكيتك أول ليلة، كما أبكيك كلما قرأت مرثية، كلما رددت بغُلب عدّودة صعيدية، مع كل بحة حزن في صوت كل رادود عراقي وكلما غنينا الأهازيج البدوية… أبكيك بقلة حيلة وقلة صبر… بكل شوق في الدنيا…
ليتك هنا… ليتك كنت معي.

* ابنة شهيد الوطن محمد الراهمي.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.