الرئيسية » معرض تونس الدولي للكتاب: مبدعات و مفكرات تونسيات تستعرضن تجاربهن الابداعية في “ندوة بأقلامهن”

معرض تونس الدولي للكتاب: مبدعات و مفكرات تونسيات تستعرضن تجاربهن الابداعية في “ندوة بأقلامهن”

ندوة “بأقلامهن”
مبدعات ومفكرات تونسيات تستعرضن تجاربهن الإبداعية في معرض تونس الدولي للكتاب
التأمت صباح اليوم الأحد وهو اليوم الأخير في عمر الدورة السادسة والثلاثين لمعرض تونس الدولي للكتاب( انطلق يوم 11 من نفس الشهر)، ندوة بعنوان بأقلامهن، كانت فرصة لمجموعة من المفكرات والمبدعات للحديث عن البعض من تجاربهن، في مجال الفكر و الابداع.


الانطلاقة في هذه الجلسة التي أدارتها الروائية الناقدة نجاة دهان، بأسلوب جذاب، مع تجربة استاذة الفلسفة سعاد شاهرلي حرار، صاحبة اطروحة دكتوراه حول تجربة الفيلسوف الانقليزي ( القرن التاسع عشر) جون ستيوارت ميل التي اشرفت عليها الاستاذ فاطمة حداد ونشرتها دار النشر الفرنسية المعروفة L’Harmattan.
بدأت علاقة المتحدثة التي نشأت ببيئة شعبية في منطقة الحلفاوين بالمدينة العتيقة بتونس العاصمة، بالمطالعة وبالكتب عموما، مبكرا، إذ كانت تتردد منذ أن تجاوزت العاشرة من عمرها بقليل على المكتبات العمومية، ونوعت في مطالعاتها وكانت تقرأ كذلك بالفرنسية والانقليزية، أما اختيارها لدراسة الفلسفة بعد الباكالوريا، فقد كان بقرار منها وهي التي تربت على الاستقلالية وتحمل مسؤوليته بنفسها. بعد التخرج من الجامعة اشتغلت سعاد شاهرلي بالتعليم الثانوي لمدة 17 سنة، اكتشفت على اثرها أنها اصبحت تكرر نفسها فاختارت التقدم لمناظرة التبريز في الفلسفة التي نجحت في تجاوزها بنجاح واصبحت تدرّس بالجامعة بالتوازي مع اعداد اطروحة الدكتوراه حول الفيسلوف الانقليزي المذكور التي كانت سببا في مشاركتها في عدة مؤتمرات فلسفية في تونس والخارج وخاصة في لندن التي احتفت في 2006 بمرور مائتي سنة على ميلاد جون ستيوارت ميل . وقد تخصصت المتحدثة في هذا الفيسلوف ونشرت لها جامعات مثل “لافال ” بكندا مقالاتها الفلسفية، واصدرت كتابا حول اهتمام ستيوارت ميل بالاقليات ( الاقليات امام السلطة). وكان دفاع ستيوارت ميل على المرأة منذ القرن التاسع عشر من بين الأسباب التي دفعتها لدارسة تجربته الفلسفية وفق ما أوضحته بنفسها.
المتدخلة الثانية، كانت الروائية والقصاصة والناقدة مسعودة بوكر التي قالت أنها جاءت إلى عالم الابداع في سفينة القلم والحروف.
اعتبرت مسعودة بوبكر أن المرأة مبدعة حيثما كانت وتذكرت أنها تربت بين مبدعات كثيرات من نساء تطرزن واخريات تقمن بالحياكة واخريات تصنعن العطور، وتأثرت بالخصوص، باحداهن، وهي امراة تجيد سرد الحكايات حتى انها من قوة الخيال، كانت تجعل الجن يتحدث والشيطان يرجم وهو بيننا، والكلام لها.
ثم في سنوات لاحقة، صار والدها يحرص على جلب الكتب لها. كان يفعل ذلك وهو الأمي لأنه يريدها أن تصبح مثقفة، ويريدها أن تصبح محامية تنصفه، وهو الذي كان قد تعرض إلى مظلمة، لكنها اختارت منعرجا آخر، الكتابة ولو كانت الكتابة غالبا ما تكون بالنسبة لها دفاعا عن قضية ما. صحيح هي تكتب احيانا لنفسها ومن أجلها، لكن غالبا ما تكون تدافع عن قضية. فهي في النهاية تنحدر من قرية أهلها يعون جيدا معنى وجع القضية وقد كانت أصوات الاذاعات الشهيرة والفاعلة في فترة ما من تاريخنا المعاصر، على غرار صوت العرب وصوت القاهرة التي تسرد الاحداث وتتابع تفاصيل الصراع العربي الاسرائيلي وقضية فلسطين، رفيقتهم وتقرع اسماعهم باستمرار.
أما بالنسبة لألفة يوسف الكاتبة والجامعية المهتمة بالدراسات الاسلامية، وهي المتدخلة الثالثة في الندوة، فقد انتهت بعد رحلة طويلة في البحث وطرح التساؤلات إلى اكتشاف أنه لا يجب أن نبحث عن الحقيقة، إلا في أنفسنا وأن الحقيقة الحق، هو ما يجري ويحدث الآن. وقد عادت بالحضور إلى بدايات التجربة التي اوصلتها إلى هذا الاكتشاف، أو بالأحرى إلى هذه الحقيقة.
قبل ذلك أوضحت المتحدثة، أنها ليست محترفة كتابة وأنها لم يحدث أن كتبت حرفا دون أن تحس به. وشددت على أن كل ما كتبته كان تساؤلات.
في البدء حيّرتها مكانة المرأة في الاسلام، ولم تجد حلا إلا في العودة إلى النص الأصلي، النص القرآني، لتشرح الامر لغويا. ثم مرت إلى تجربة اخرى، وهي محاولة فهم النصوص من خلال علم النفس السريري، تجربة الاريكية وفق وصفها أخذت منها ست سنوات، كانت خلالها قد انفتحت على كتب التحليل النفسي لتنتهي بأن هذه التحاليل النفسية بما فيها تجربة فرويد قد تجاوزتها الأحداث واصبحت اليوم تاريخا. توجهت فيما بعد إلى القراءات التأويلية التي تقول أن الآيات ولدت لعصر محدد على غرار أعمال عبد المجيد الشرفي ومحمد أركون، لكنها تتساءل: ما ادراني أن لا تكون تلك الآيات ليست صالحة لكل زمان ومكان. عادت اثر ذلك إلى ما اسمته بصديقها بيركلي (جورج بيركلي فيلسوف ايرلندي) الذي كانت قد اشارت إلى احدى مقولاته في بداية تدخلها، التي تفيد بأن العالم ليس موجود خارجا عنا وإنما ادراكنا له هو الذي يجعله موجودا، لتكتشف حقيقة بسيطة وهي أي الكاتبة، التي تبحث عن الكائن وليس الممكن، هي أن كل القراءات للنص الديني، امكانات، وذلك قبل أن تصل إلى أحب كتبها إليها، وجه الله الذي درست فيه الطرق إلى الطمأنينة.
وقد نبهت الفة يوسف إلى أن الجهور اصبح يميل إلى الحكي لأنه مل من التأويل، مشيرة إلى أنه ربما حان الوقت لزحزحة علاقتنا بالعالم من الفكر الحقيقي، إلى الفكر النسبي لأن التأويل لا يكون إلا متعددا.
وباسلوب مؤثر، روت الكاتبة منيرة المدّوري قصتها. ففي قصتها يختلط الحزن بالوجع وبالأمل. فقد نشأت في قرية جبلية في أسرة تؤمن بسلطوية الذكر وتجبر المرأة على أن تبقى في الإطار الذي وضع لها خصيصا، غير أنها وليس بدون تعب ووجع وبكاء، تمردت على القالب وخرجت من الإطار الذي وضعته لها اسرتها. وصفت منيرة المدورة تجربتها بكلمات مقتضبة لكنها معبرة،فقالت أنها تجربة جميلة وحزينة، لكنها كانت بحثا عن الحقيقة.
دخلت منيرة المدرسة باصرار من والدتها، واتمت دراستها الابتدائية في قريتها الصخرية، بنجاح ودخلت إلى المعهد الثانوي وكي تهرب من مصيرها المحتوم، أي قبل اجبارها على الانقطاع عن الدراسة اختارت التوجه إلى مدرسة ترشيح المعلمين (على النمط القديم)، بالقيروان. وكانت تجربة ناجحة شجعتها على الدخول إلى دار المعلمين العليا، بسوسة، لكنها اضطرت إلى التخلي عن فكرة الجامعة بعد ان اجبرتها عائلتها على ذلك وعادت إلى ريفها وارتدت الميدعة البيضاء لتدرس اطفالا تخشى أن يكون مشاريع خيبات جديدة. كانت تقرأ في عيونهم البؤس والتهميش والحيرة. لكنها وإن استسلمت لقدرها والعودة إلى قريتها للتدريس، فإنها لم تترك حلمها ولا محاولة البحث عن أناها، فواصلت علاقتها بالكتاب، وبدأت تكتب. تكتب بيئتها الصخرية، وهسيس الماء فيها ورائحة الاكليل والزعتر. قالت أنها لم ترفع صوتها مثلها مثل كل نساء القرية، لكنها رفعت قلمها، فكانت تجربتها وهي المتوجة بعدد من الجوائز، كسر للإطار الذي توضع فيه الأنثى في محيط، لا يؤمن بها كعقل ولا كفكر او ابداع. تجربة تعتقد الكاتبة، أنها تصالحت فيها مع اناها، ولو انها تشعر أحيانا أنها تعيد تجربة أمها وتلبس جلباها وهي التي تختلس الوقت بعد آداء واجباتها العائلية للكتابة والكتاب. أما الامر الثابت بالنسبة لها، هو أنها لم ترب بناتها مثلما تربت هي، بل على العكس، وكما قالت بنفسها، لقد ربتهم على الاستقلالية وهم الذين حبوا على الكتب.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.