عندما تهتم جمعية البرلمانيين التونسيين بقانون المصالحة باعتبارها “خيارا استراتيجيا لتعزيز الوحدة الوطنية” من خلال الملتقى الذي نظمته أمس فهو الدليل على ان الكاس قد فاض و ان ما اضحت تعيش عليه تونس من “صعوبات اقتصادية كبيرة” و “ظروف امنية صعبة” يدعو الى هبة وطنية حقيقية لانقاذ البلاد من المخاطر التي تتهددها سيما و ان مبادرة رئيس الجمهورية الداعية الى مصالحة اقتصادية ظلت تراوح مكانها منذ اكثر من سنة (20 مارس 2015) في ظل “غياب ارادة سياسية صريحة لتوحيد الجهود والاهداف و الاولويات”
و اد ياتي تنظيم هذه الندوة اياما قليلة بعد المبادرة التي اعلن عنها الشيخ راشد الغنوشي رئيس حركة النهظة اثر اللقاء الذي جمعه نهاية الاسبوع الماضي بالرئيس الباجي قائد السبسي فان الملاحظين السياسيين يتساءلون عن المغزى الذي تحمله هذه التظاهرة ناهيك و ان المدعوين اليها من ممثلي احزاب الائتلاف الحاكم سجلوا حضورهم باستثناء حزب الاتحاد الوطني الحر.
مشهد سياسي جديد
قد يذهب في الاعتقاد بان مشهدا سياسيا جديدا يترسم في الافق بمباركة من قبل الشيخين فشيخ قرطاج قد اوفد لتمثيله مستشارته الاولى سعيدة قراش التي كانت اول من القى كلمة رسمية في افتتاح الاشغال اما شيخ مونبليزيرفقد اوكل الامر لصهره رفيق عبد السلام لتعويضه بسبب تعذر الحضور في اخر اللحظات.
و لعل الملفت للانتباه- وهو ما اشار اليه عدد غير قليل من الحاضرين- ان الترتيبات البروتوكولية فرضت ان يتقدم عبد السلام بوشلاكة في القاء كلمته على رضا بلحاج رئيس الهيئة السياسية لحزب نداء تونس بما يعكس الحسابات الجديدة تحت قبة البرلمان التي جعلت حركة النهضة ترتقي الى المرتبة الاولى في ترتيب الكتل البرلمانية ب 69 مقعدا مقابل 56 لنداء تونس بغد الانقسام الاخير الذي ضرب صفوفه فتنازل عن موقعه لفائدة الحليف الذي يعتقد الكثيرون انه اصبح القوة السياسية الاولى و احد طرفي المشهد السياسي المنتظر الذي يطبخ على نارهادئة الى جانب النداء بل قل الى جانب العائلة الدستورية التي اصبح يغازلها الجميع و الجميع بات مؤمنا ان لا سبيل الى تجاهل الدستوريين و لا استقرار ولا تقدم للحياة السياسية في غيابهم.
المبادرتان تكتملان
و ما تنظيم هذه الندوة من قبل قدماء البرلمانيين من الغرفتين في العهد السابق (مجلس النواب و مجلس المستشارين) الا تاكيد للدور الذي يمكن ان تلعبه العائلة الدستورية في ضمان التعبئة الشعبية الواسعة حول مشروع قانون المصالحة الاقتصادية لشيخ قرطاج ومبادرة المصالحة الوطنية الشاملة لشيخ مونبليزير اذا لم تتعارض مع سابقتها و اكملتها و دعمتها على حد تعبير احد المحاضرين الثلاث في هذه الندوة وهو الاستاذ توفيق بوعشبة و تاكدت هذه الرسالة الدستورية من خلال الحضور المسجل ضمن ضيوف الشرف للاستاذ محمد العزيز بن عاشور ممثلا لحزب المبادرة الدستورية عوضا عن السيد محمد جغام كما هو منصوص عليه في برنامج الملتقى.
وتقدم رضا بلحاج لالقاء كلمته التي اكد فيها على ضرورة الاسراع بالمصادقة على مبادرة شيخ قرطاج باعتباره الرمز الاول لحزب نداء تونس و باعتبار المبادرة ذاتها الاساس في نجاح الانتقال الديمقراطي، تلاه كريم الهلالي(عوضا عن رياض المؤخركما ذكر في البرنامج) عن حزب افاق تونس الذي اكد ان المصالحة “التي نقصد ليست مصالحة بين الاسلاميين و الدساترة” بل هي تجسيم لرحابة الصدر و القبول بكل من عمل من اجل الوطن مضيفا “سنكون من المدافعين عن قانون المصالحة الاقتصادية لنطوي صفحة الماضي و ان ننظر الى المستقبل الذي لا يمكن ان يكون الا زاهرا .
و مما يزيد في تاكيد التوجه نحو الدستوريين و “الاستفادة من تجاربهم و خبراتهم” سجلت الندوة حضور العديد من كبار المسؤولين الذين عملوا الى جانب بن علي فبالاضافة الى الوجوه البرلمانية في العهد السابق و عدد من اعضاء مجلس نواب الشعب الحالي لاحضنا وجود الوزير الاول السابق الهادي البكوش ( الاول مع بن علي) و الامناء العامين السابقين للتجمع الدستوري الديمقراطي المنحل امثال الشاذلي النفاتي و علي الشاوش و محمد الغرياني و هذا الاخير حظي منذ يومين بملاقاة رئيس حركة النهضة.
كما لاحظنا وجود عديد الوزراء السابقين و الولاة و كبار المسؤولين و المسؤولات بالتجمع الدستوري الديمقراطي الذين جمعهم هذا اللقاء بعد فراق دام اكثر من خمس سنوات
فهل ستشهد الساحة السياسية الوطنية تطورات جديدة بعد المصادقة على مشروع القانون المذكور بما يؤسس للاستقرار المنشود الضامن لانطلاقة تنموية جديدة كفيلة بتحقيق الاهداف التي رفعها شبابنا في انتفاضتهم سنة 2011؟
وجدي مساعد
شارك رأيك