” التكلفة الاقتصادية لعدم تحقيق المصالحة ” هو عنوان المداخلة التي قدمت في الندوة التي انتظمت مؤخرا ببادرة من جمعية البرلمانيين التونسيين وقدمها الخبير الاقتصادي معز الجودي .
اقتتح الجودي عرضه بتقديم جملة من الملاحظات ذات الدلالات العميقة من حيث وقعها في النفوس و من حيث الموقع الذي تحتله بلادنا في اعين الاخرين.
فبالاشارة الى ترتيب الجامعات الذي عرض مؤخرا بجامعة “الصربون” الفرنسية لاحظ المحاضر ان لا وجود للجامعات التونسية في اي ترتيب فحتى الترتيب الافريقي جاء خاليا من اي حضور تونسي ثم ان جمهور الجامعيين الفرنسيين عبر عن حيرته ازاء الاوضاع السائدة في معاهدنا الثانوية التي عمتها الفوضى الى درجة ان التلاميذ يتجرؤون على رفع الاعلام الحاملة ل”علامة غامي” النازية.
و لعل ما يزيد في تاكيد مثل تلك الظواهر السلبية التى اصبحت تعم مجتمعنا الى درجة الانخرام الاقتصادي –يقول معز الجودي-ان متعاطي التجارة الموازية و مهربي السلع ذهب بهم التنطع الى درجة المطالبة بانشاء نقابة تتكلم باسمهم و تدافع عنهم.
فمعلوم ان الاقتصاد الموازي الذي استفحل امره قي البلاد منذ جانفي 2011 فاق نصيبه نسبة 54 بالمائة من الدورة الاقتصادية الوطنية بما يعكس “غياب الدولة و غياب القائمين عليها”.
و يواصل الجودي تحليله بالقول “ان الفساد الذي استشرى في تونس منذ ذلك التاريخ اصبح بمثابة الثقافة التي يصعب الحد من انتشارها ومن خطورة انعكاساتها السلبية على المسيرة التنموية بالبلاد اذ ان الخسارة الناجمة عن ذلك تتراوح بين 2 و3 بالمائة في نسبة النمو مع العلم ان هذه الاخيرة التي كانت تقدر ب 5 بالمائة قبل سنة 2011 اصبح معدلها السنوي لا يتعدى 1 فاصل 5 بالمائة بين 2010 و 2015 “.
و لعل ما يزيد في خطورة الوضع بما يدعو الى تدارك الامرو اعتماد استراتيجية واضحة المعالم لانقاذ البلاد هو ان ميزانية الدولة ارتفعت من 18 مليار دينارسنة 2010 الى 29 مليار دينارسنة 2016 دون ان يكون هناك تطور في نسق الاستثمار في بابيه العمومي و الخاص فالاستثمار الخاص انخفضت نسبته من 21 بالمائة سنة 2010 الى 12 بالمائة فقط حاليا اضافة الى تدني نسق الاستثمار العمومي بما جعل البلاد تلجا الى التداين الخارجي المتزايد بحيث ارتفعت نسبة المديونية من 40 بالمائة الى 53 بالمائة و كلها مؤشرات تنذر بالخطر و تعكس عجز الدولة على مواجهة الاوضاع و تصريف شؤون البلاد على الوجه المطلوب ناهيك وان المقدرة الشرائية للمواطن التونسي انحدرت بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ البلاد و ان الاموال المقترضة توجه النفقات اليومية و لصرف اجور الموظفين ولا يتم رصدها للاستثمار و خلق الثروات.
و سيبقى مناخ الاعمال و الاستثمارمتدنيا وغير واضح المعالم طالما ان الدولة تبقى عاجزة عن استتباب الامن و تحقيق الاستقرار الاجتماعي الضامن لاعادة الدورة التنموية الى سالف نشاطها فهما عنصران اساسيان لاقامة مناخ للاعمال سليم تتوفر فيه ايضا البنية التحتية المتطورة و الاطار القانوني الناجع و الحوافز الجبائية الثابتة و الجهاز الاداري الكفؤ.
و كل هذا الاطار لا تكتمل معالمه في غياب الحوكمة الرشيدة و المقاومة الحقيقية للفساد.
و اذ ان كل هذه العوامل غير متوفرة في تونس في الوقت الحاضر فان الامر يستدعي حلولا جذرية وجب على المجموعة الوطنية باختلاف مكوناتها ان تتجند من اجل تعبيد السبل لبلوغها.
و قد تكون المصالحة الوطنية السبيل الانجع على الاقل على المدى القصير و المتوسط للم الصفوف وتوحيد الكلمة في اطار الحوار البناء بعيدا عن لغة العنف و الاقصا و الغاء الاخر فاللحظة فارقة و تتطلب تجاوز المصالح الضيقة و نسيان الماضي و التسامح معه و النظر الى المستقبل بعين متفائلة ترنو الى فضاء جمهوري ديمقراطي يتسع للجميع في كنف وحدة وطنية صماء.
وجدي مساعد
شارك رأيك