الرئيسية » مؤتمر النهضة.. قراءة صديقة قاسية  

مؤتمر النهضة.. قراءة صديقة قاسية  

المؤتمر العاشر للنهضة

بقلم : شكري بن عيسى*

حتى لا نتقتصر على وجه نظر واحدة قد تتهم بتموقعها المعادي لحركة النهضة في نقلنا وتعليقاتنا على ما جرى في المؤتمر العاشر للحركة ننشر في ما يلي نص تدوينة مطولة في شكل مقال للكاتب شكري بن عيسى نشرها على صفحته الشخصية وعلى موقع بابنات..اليوم 

 

وفي ما يلي نص التدوينة -المقال التي عنو نها صاحبها كالآتي: “مؤتمر النهضة: اشارات الارتكاس ” :

 

عندما تتمعن الصفوف لجلسة اليوم الاول وجلسة اليوم الثاني لمؤتمر النهضة وترى الصفوف الاولى للشيوخ وطغيان التراتبية والهرمية حتى في المؤتمر الذي هو سيد نفسه ويفترض بل مطلوب ان يساوي بين الجميع..

وعندما ترى اللوائح ذات الاهمية يصادق عليها باغلبيات “ساحقة” بنقاشات عرضية في اغلبها، وتمرر اللائحة التقييمية واللائحة الاستراتيجية واللائحة السياسية واللائحة الفكرية واللائحة الاقتصادية واللائحة الامنية، بسرعة قياسية ولا يحتد النقاش الا حول اللائحة الهيكلية وفي خصوص نقطة تتعلق النفوذ في اعلى هرم السلطة..

وعندما ترى مصادقة على التقريرين الادبي وخاصة المالي دون تمحيص شامل ودون تدقيق عميق خاصة في المسائل المالية في الوقت الذي تبقى القوائم الماليةلللحزب الحاكم دون نشر في احدى الصحف وفي الموقع الرسمي كما ينص على ذلك مرسوم الاحزاب.. وتعطي بذلك المثل في الشفافية وتطبيق القانون، الذي ترفع شعار الالتزام به وبسيادته..

وعندما نرى راشد الغنوشي كما ورد من اخبار موثقة يهدد بعدم الترشح اذا لم يقع تمكينه من حد ادنى من الصلاحيات التي يشترطها، ويقع الاستجابة بشكل او بآخر لاشتراطاته، وتصبح الامور متوقفة على شخص، لا لشيء لانه هو الذي يمتلك “حنفية” المال ويتحكم في شبكة العلاقات الدولية، ولانه هو “الضمانة” بالنسبة لبعض الاطراف الحزبية الوطنية والخارجية..

وعندما ترى حركة بلا رصيد شبابي عريض ومتنوع، وحتى الشباب الظاهر هو شباب “مونبليزير” المتمترس وراء الرموز العليا للحزب، بعقلية الاصطفاف وبعقلية بيروقراطية وعقلية السلطة البراغماتية، ومنهم حتى من يصطف وراء شخصيات مالية وراءها عديد الشبهات مثل نبيل القروي مالك “نسمة” الذي يوفر لهم المساحة عندما “يحتاجونها”، بعدما حملهم للقصر وعمّدهم..

هذا الشخص الممثل للسياسات الدولية بحكم ارتباطاته بشبكات النفوذ والتحكم الاقتصادي والاعلامي والثقافي والسياسي العالمية، هو اليوم من يقدم المقترحات والحلول المختلفة الاتصالية والتنظيمية والدولية وفي العلاقات العامة للنهضة ولزعيمها.. وتراه في الصفوف الاولى للجلسة الافتتاحية للمؤتمر مع قيادات النداء، ويكون السبسي الشخصية المركزية محل الحفاوة والترحيب مع لقب “الفخامة” المستعاد من “الارشيف” وتلغى بقية القيادات الحزبية والوطنية.. وتوجه رسالة سلبية للبقية الذين خيروا التغيب..

وعندما ترى حركة بلا خبراء لامعين متخصصين في المسائل الاقتصادية والتنموية والتشغيلية والتربوية التعليمية والقانونية والطاقية والاتصالية ولا يهيمن عليها الا اصحاب “الشرعيات السجنية” ولا ترى برامج اقتصادية واجتماعية وسياسية وامنية بافكار خلاقة وحلول عميقة ولا يوجد لديها اليوم ما تستجيب به لتطلعات وانتظارات المواطن..

اشارات متعددة ومتنوعة وعميقة الدلالة بان مستقبل الحركة سيكون مناط انشغالات عميقة خاصة بعد التحول “الاستراتيجي” غير محسوب النتائج في بيئة متقلبة ومتعددة المخاطر والتهديدات في ظل الانهيار الاقتصادي والعجز عن تحقيق منجزات في التنمية الجهوية والتشغيل ومكافحة الفساد لحركة تعطل فيها محرك صنع الحلم والامل الذي يمكن ان يعطيها الاستمرار والنمو في المستقبل..

تابعت اليوم مؤتمر حزب العدالة والتنمية التركي، ولمحت الفوارق العريضة بين الحزبين، قيادات تركية على درجة عالية من التكوين السياسي والاتصالي وكفاءة في الخطابة وبرامج اعتمدت على خبرات متميزة ودراسات علمية استراتيجية عميقة، وعندما ترى داوود اوغلو وكتابه “العمق الاستراتيجي” الذي اسس لموقع ودور تركيا في الساحة الدولية، وعندما ترى بن علي يلدريم رئيس الحزب المنتخب المكلف لرئاسة الوزراء والانجازات التي حققها والقوة الاتصالية والخطابة وتقارنهم مثلا برفيق عبد السلام او لطفي زيتون او السعيدي المكلف بالملف الاقتصادي تلمح فارق بمئات السنوات الضوئية.. اما اردوغان رجل الدولة الفذ خريج الاقتصاد والادارة ولاعب كرة القدم السابق والشخصية الاتصالية المتميزة وما حققه من منجزات متميزة في بلدية اسطمبول وفي رئاسة وحكومة تركيا فلا مقارنة بينه وبين الغنوشي المتخصص في الفلسفة والمسائل الدينية الذي لا يزال يتكلم انشائيات وعموميات اغلبها مجترة..

اكيد التنظيم الجيد في الجلسة الافتتاحية والجلسات الموالية لمؤتمر النهضة عامل نجاح، واكيد حدث بلا مخاطر امنية يعتبر نجاح، واكيد النقاش والتقييم وتجديد الهياكل، والتعبير عن ارادة القواعد في اعلى سلطة للحركة يعتبر نجاح، واكيد التصويت الالكتروني يعتبر نجاح، واكيد حضور رئيس الجمهورية يعتبر نجاح، والسلاسة الاتصالية مع الاعلام تعتبر نجاح (ولو ان المتحدث الرسمي لا يفرق بين مصطلح “صلوحية” ومصطلح “صلاحية”)، واكيد الخروج دون نزاعات وتشقق والمحافظة على وحدة الحركة وحسم الخلافات ديمقراطيا وسلميا يعتبر نجاح، والرسالة للخارج ايجابية للغاية لحزب حاكم محل جدل اعطى ضمانات قوية بجدارته بالحكم واشارات طمأنة بجديته وحسن تنظيمه وانضباطه الحزبي، وحتى قام بدعاية ثمينة للسياحة وتاكيد استتباب الامن في حدث بحجم كبير.

ولكن ما تقبله الشعب من اعادة استنساخ نفس الوجوه القيادية، واستنساخ في نفس المشاهد الاستعراضية التي سادت في المنظومة القديمة وتحتد حولها الحساسية الشعبية سيبعث على الاكثر برسائل غير ايجابية بالمرة، ونفس الشيء في غياب اشارات وخاصة في خطاب الغنوشي الطويل الممل (اكثر من 40 دقيقة) حول ما يكرس المساواة ويرسخ الاستحقاق والجدارة ويستنهض الهمم ويفجر القدرات ويحرر الطاقات، ويزرع الامل في شباب محبط فقد في كثير منه كل امل بعضه اكلته المخدرات، والاخر ابتلعه البحر وهو في الطريق للحرقة، والاخر غرق في الدوعشة، ومجموعة اخرى انتحرت، ولن تزيدهم على الاغلب الاستعراضات المتنوعة ومشاهد النزل الفاخرة التي يقيم فيها مؤتمري النهضة سوى انسدادا للافق.

النهضة مكون اساسي في الساحة الوطنية، وتجربة لها خصوصياتها في المستوى العربي، ونجاح الوطن من نجاحها، ونتمنى ان يخرج قياداتها سريعا من حالة الانتشاء والتخمر بعد المؤتمر، وتقف على قاعدة صلبة، وترى ان كان فعلا ما نحت نحوه يمكن ان يكون ورديا كما سوّق الغنوشي وعبر حديثه عن “سفينة” الوطن، وهل سفينتها هي لن تواجهها العقبات الصعبة التي قد تعيق مسيرتها!؟

……………………………………………..

*سكري بن عيسى مثقف وكاتب صحفي تونسي ، يقترب في طرحه للقضايا الوطنية من طرح الاسلاميين

شارك رأيك

Your email address will not be published.