الرئيسية » الرؤية الأوروبية لمستقبل العالم العربي في عام 2025

الرؤية الأوروبية لمستقبل العالم العربي في عام 2025

سوريا

د.أحمد موسى بدوي

حين تنشغل مراكز التفكير الاستراتيجي في البلدان والكيانات الكبرى بدراسات المستقبل، فإنها لا ترنو  إلى التنبؤ بقدر ما تهدف إلى التحكم في مجريات الأمور،  فالمستقبل لدى هذه الدول والكيانات الكبيرة، لا يتسم بالغموض وإنما هو رهن التشكل، يجري توجيه مساراته في الاتجاه المناسب لبسط الهيمنة أو الحفاظ عليها.

وفي هذا المقال نقدم قراءة لتقرير عن مستقبل العالم العربي في 2025، من وجهة نظر أوروبية، والذي نشر في بداية العام الماضي عن معهد للدراسات الأمنية بالاتحاد الأوروبي.

أولا: مأزق القارة العجوز

لا شك أن النظام العالمي متعدد الأقطاب، يعظم من حجم التحديات التي على أوروبا مواجهتها للحفاظ على قوتها في القرن الحادي والعشرين، فأوروبا تريد أن تظل قوة اقتصادية وعسكرية وسياسية فاعلة في العالم الجديد، غير أنها ستكون مضطرة، للدخول في صراع-تنافسي في ثلاث دوائر ساخنة على الأقل، حيث (1) تصطدم بمناطق النفوذ الروسي في شرق أوروبا ومنطقة القوقاز. (2) وتواجه منافسة مباشرة وغير مباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، محاولةً  الخروج من حالة الاحتواء التي فرضتها أمريكا عليها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. (3) بينما تحاول الإبقاء على علاقاتها الاقتصادية والسياسية، ونفوذها الثقافي الناعم في أفريقيا لمواجهة الشركات الصينية التي تتوغل في أدغال القارة الأفريقية على حساب أوروبا وأمريكا، وأصبحت ثالث أكبر شريك تجاري لأفريقيا مع نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

وهذا الصراع يتزامن مع أزمة سياسية مفاجئة، بعد انفصال بريطانيا عن الاتحاد، وأخرى اقتصادية خانقة تعاني منها بعض دول الاتحاد الأوروبي، كاليونان وإسبانيا والبرتغال، تهدد الوحدة الاقتصادية الأوربية بالتفكك، وتحد من الفرص التنافسية للاتحاد الأوربي، وتحتم على أوروبا تقليص حجم قواتها العسكرية وانفاقها على التسلح، في مقابل قوى منافسة تستثمر قوتها الاقتصادية في تدعيم قدراتها العسكرية. بالإضافة إلى أن أكثر مناطق العالم تهديدا للأمن والسلم العالميين، هي ذاتها المناطق التي تقع في مجال الأمن الأوروبي، كأوكرانيا، الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.  ما يصيب صناع القرار الأوروبيين بالتوتر والقلق الدائمين، ومن ثم فقد نشطت مراكز التفكير في أوروبا، من أجل الخروج من مأزقها في محاولة لا بديل عنها لتعزيز مكانتها أو على الأقل الحفاظ على وضعها في النظام العالمي الذي يتشكل.

ثانيا: معهد الاتحاد الأوروبي للدراسات الأمنية (EUISS)

بسبب هذه التحديات، أنشأ الاتحاد الأوربي معهد الدراسات الأمنية في عام 2002 ومقره العاصمة الفرنسية، وهو عبارة عن مركز تفكير مستقل تابع للاتحاد، يهدف إلى تطوير السياسات الخارجية والأمنية والدفاعية المشتركة بما يتلاءم والاستراتيجية الأمنية الأوروبية، ولتحقيق هذه الغاية، يقدم المعهد سلسلة من الأبحاث الأكاديمية والتحليلات السياسية، وينظم المؤتمرات وورش العمل، ويستعين بالخبراء من داخل وخارج أوروبا. ويمتد النطاق الذي تغطيه هذه الدراسات لتشمل مناطق أفريقيا وآسيا والبحر المتوسط والشرق الأوسط والخليج وروسيا والولايات المتحدة.

غير أن المعهد يولي عناية فائقة بالدراسات والبحوث التي تركز على منطقة الشرق الأوسط والشمال الأفريقي، خاصة المواضيع المتعلقة  بمكافحة الإرهاب، والنزاعات المسلحة، والهجرة غير الشرعية، والتحولات السياسية في المنطقة. ويتضح ذلك من جملة أعمال المركز منذ انشاءه، والتي بلغت حوالي 713 منشور، تتنوع بين كتب وتقارير وتقديرات موقف، وأشغال ورش عمل ومؤتمرات. وقد احتلت الدراسات المتعلقة بالشرق الأوسط والشمال الأفريقي، المرتبة الأولى بنسبة 35% من جملة المنشورات، تليها الدراسات المتعلقة بالولايات المتحدة بنسبة 26%، ثم الدراسات المتعلقة بروسيا بنسبة 15%، فالدراسات حول آسيا بنسبة  13%، وأخيرا الدراسات حول أفريقيا بنسبة 11%.

ثالثا: تقرير مستقبل العرب عام 2025    

يتكون التقرير من ثلاثة أجزاء رئيسية، في الجزء الأول يرصد التحولات المتوقعة في سبعة متغيرات كبيرة، هي الوضع الديموجرافي، نسبة الحضر والريف في المنطقة، آثار التغير المناخي، مشكلة الطاقة، أزمة الغذاء، نسبة الأمية، والمساواة بين الجنسين. وينتهي التقرير في هذا الجزء إلى ما يلي: (1)  أن العالم العربي، رغم سعيه لخفض معدلات الخصوبة إلى أنه سيشهد نموا مرتفعا في عدد السكان، ليصل إلى 468 مليون نسمة بحلول 2025. (2) سوف يرتفع عدد سكان الحضر من 56% حاليا إلى 61% في عام 2025. (3) تواجه الدول العربية بسبب أزمة التغير المناخي، عدد من التحديات أهمها مشكلة توافر مصادر المياه، التصحر، ارتفاع منسوب البحر التي سيؤثر على المدن العربية الكبرى في جنوب وشرق المتوسط. (4) أن اقتصاديات الدول العربية المنتجة للنفط والغاز، سوف تستمر في الاعتماد على اقتصاد الريع، وعلى الرغم من توقع زيادة الطلب على الطاقة، فإن زيادة حجم السكان سيؤدي إلى زيادة مضطردة في نسبة المستهلك من الكمية المنتجة. (5) سوف يستمر اعتماد الدول العربي على السلع الغذائية المستوردة، وستظل عرضة لتقلبات أسعارها العالمية. (6) من المتوقع أن تستمر جهود الدول العربية في القضاء على أمية القراءة والكتابة والمتوقع تقلص نسبة الأمية إلى 10% بحلول عام 2025، ويترتب على ذلك زيادة نسبة القادرين على التواصل مع شبكة الانترنت إلى 50% من السكان بدلا من 25% حاليا. (7) سوف ترتفع نسبة النساء المشتغلين بالاقتصاد والسياسة في العالم العربي ارتفاعا بطيئا.

وفي الجزء الثاني، يستفيد التقرير من رصد التحولات المتوقعة، في الاجابة على ستة أسئلة ممهدة لوضع سيناريوهات مستقبل البلدان العربية كالتالي: (1) هل ستحرص الدول العربية على اتخاذ التدابير لتقليص نسبة البطالة بين الشباب؟ ويذهب التقرير إلى أن الدول العربية لن تتمكن في المستقبل من تقليص نسبة البطالة بين الشباب، وأن هذه النسبة سوف ترتفع من 26% حاليا لتصل إلى ما يقرب من  30% بحلول 2025. وهو الأمر الذي يشكل تحدي اقتصادي وأمني كبيرين ينبغي على الدولة العربية مواجهته بسياسات وبرامج كبيرة.

(2) هل ستتمكن الدول العربية من تخفيف الآثار المحتملة لتقلبات أسعار المواد الغذائية؟ يذهب التقرير إلى أن الدول العربية، نتيجة النمو السكاني الكبير، ومشكلات المياه والتصحر الناتجين عن التغير المناخي، لن تتمكن من الوفاء بالمتطلبات الغذائية للسكان، خاصة للقطاعات الأكثر فقراً. ويلفت التقرير الانتباه إلى أن غالبية الدول العربية لا تملك آليات لتخفيف تقلبات أسعار الغذاء، ولا تملك شبكة كافية من الخدمات اللوجستية لترشيد الانفاق على تداول السلع، أو لخفض حجم الهالك منها. وهذا الوضع يمثل تحدياً مستمرا على الحكومات العربية، وله تبعاته الأمنية الخطيرة، فاندلاع مظاهرات الخبز في المستقبل أمر محتمل إذا لم تتغير السياسات الاقتصادية وثيقة الصلة.

(3) هل ستكون الدول العربية قادرة على هزيمة الارهاب والتغلب على المشكلات الأمنية، وما تكلفة ذلك؟ يذهب التقرير إلى أن التدهور الاقتصادي ومشكلة الغذاء، سوف يصاحبهما زيادة مضطردة في العمليات الارهابية والاجرامية، وهو ما يضطر الدول العربية إلى زيادة المخصصات المالية لميزانية الأمن والدفاع على حساب التنمية الاقتصادية.

(4) هل يمكن أن يتمدد الارهاب وحالة انعدام الأمن في ليبيا وسوريا والعراق إلى مناطق الجوار، وكيف ستتفاعل الدول العربية مع التهديد النووي الايراني؟ من المتوقع أن تتأثر دول الجوار بالعمليات الارهابية التي تطال هذه البلدان، وأكثر المضارين في هذا الشأن ستكون السعودية ومصر والجزائر. ويضاف إلى هذه الأزمة، امكانية امتلاك ايران للسلاح النووي خلل العقد القادم (2015-2020) وهو ما ينعس تأثيره الفوري على تمكين حلفاء ايران في المنطقة (حماس، حزب الله، النظام السوري)، واشتعال أكبر للحروب الطائفية في المنطقة، غير أن التقرير يتوقع مع ذلك أن يظل نطاق هذه الصراعات محدودا داخل نطاق منطقة الخليج والشرق الأوسط.

(5) هل تتحول تجربة التحول الديمقراطي في تونس إلى نموذج يحتذى به في بقية البلدان العربية أم أن التجربة ستفشل في تونس وخارجها العربي؟ يتجه التقرير إلى عدم الحسم في الاجابة على هذا السؤال، حيث يرى أن النموذج الديمقراطي التونسي، لم يستقر، وفرص عودة النظام الاستبدادي مرة أخرى تساوي فرص تثبيت الديمقراطية هناك.

(6) هل تتحول قوى الاسلام السياسي إلى قوة متكاملة الأركان، أم سيتم القضاء عليها، وما رد الفعل العربي في الحالتين؟   يتجه التقرير إلى عدم الحسم أيضا في توقعاته تجاه مستقبل حركات الاسلام السياسي وخاصة تنظيم الاخوان المسلمين، خاصة بعد حظر نشاط الجماعة واعتبارها منظمة ارهابية في مصر والسعودية والامارات العربية.

ثم ينتقل التقرير في الجزء الأخير إلى وضع ثلاث سيناريوهات محتملة للمستقبل العربي عام 2025، مبنية على إجابته على التساؤلات الستة السابق ذكرها، وانتهى إلى أن الدول العربية سوف تشهد في عام 2025 أحد السيناريوهات التالية:

(1) سناريو الاضطراب وعدم الحسم: وهو السيناريو الأكثر قبولا من وجهة نظر التقرير، حيث ستظل الدول العربية غير قادرة على حل مشكلاتها الاقتصادية والسياسية والأمنية، متبعة في ذلك أسلوب إعادة تدوير هذه المشكلات بدلا من وضع حلول حاسمة لها، ما يعني أن المنطقة سوف تشهد مزيد من الاضطرابات وعدم الاستقرار على الأمد الطويل.

(2) سيناريو التفكك والانهيار: ويعد السيناريو الأسوأ، وينتج عن فشل الدول العربية في معالجة قضاياها الاقتصادية والسياسية الرئيسية، والتركيز فقط على القضايا الأمنية، ما يؤدي إلى زيادة وتيرة وحجم السخط الشعبي، وربما يصل إلى مرحلة الحروب الأهلية واسعة النطاق.

(3) سيناريو القفزة الاصلاحية:  ويذهب التقرير إلى أن تحقق هذا السيناريو مرهون بوعي النظم السياسية في المنطقة بالضرورة الملحة للإصلاحات الاقتصادية والسياسية، والقيام بتنفيذ هذه الاصلاحات على نطاق واسع يشمل كافة قطاعات المجتمع دون تمييز، ما يؤدي إلى الانتعاش الاقتصادي، وخفض التوتر والسخط الشعبي، وعودة الاستقرار.

رابعا: تطابق الرؤية الأمريكية مع الأوربية

بعد هذا العرض، يبقى أن نقارن هذه الرؤية الأوروبية تجاه مستقبل العالم العربي، مع الرؤية الأمريكية التي عكسها أول تقرير للاتجاهات العالمية، الصادر في عام 1996 عن مجلس الاستخبارات الوطنية الأمريكي، والذي يقدم تصورا عن السيناريوهات المحتمل حدوثها في مناطق العالم خلال 15 عاماً قادمة. أشار التقرير بوضوح إلى أن بلدان الشرق الأوسط، ستواجه مشكلات متعددة الجوانب: تتمثل في ارتفاع معدلات النمو السكاني، وتغيير التركيبة السكانية، لتصبح تركيبة غالبية فئاتها العمرية من الشباب. وبما أن هذه البلدان تعاني من تدهور اقتصادي مستمر، نتيجة عولمة الاقتصاد. ولديها أنظمة تعليم متخلفة، فإن  أسواق العمل المحلي والاقليمي والدولي، لن تتقبل أعداداً كبيرة من العاطلين في هذه البلدان، ما يدفع التركيبة السكانية الشابة الفقيرة غير المدربة، إلى ممارسة الضغط  على الحكومات من أجل ايجاد فرص عمل بلا غطاء انتاجي، ولن تتمكن هذه البلدان في نهاية الأمر من الحفاظ على شبكات الرعاية الاجتماعية بما في ذلك الدول النفطية.

كما يذهب التقرير الأمريكي، بعبارات صريحة لا لبس فيها، أن استخدام الإسلام كسلاح سياسي سيجعل المنطقة، واحدة من أكثر مناطق العالم توترا في المستقبل المنظور. وأن الصراع سوف يتفاقم على الحقوق المائية، ويؤدي إلى المزيد من التوتر وعدم الاستقرار في المنطقة، وتتمثل أهم صراعات المياه بين  تركيا وسوريا والعراق على نهر الفرات، ومصر، والسودان، وإثيوبيا على نهر النيل. وبالجملة فإن غالبية الدول العربية، لن تنعم بالاستقرار في ظل التدهور الاقتصادي، وغياب الحماية الاجتماعية، بالإضافة الى الصراع العرقي والديني، وربما تؤدي هذه العوامل إلى فقد السيطرة، وتفجر الأوضاع إلى الدرجة التي تجبر دول الجوار على التدخل لاحتواء الآثار، وسيكون استدعاء الولايات المتحدة للتدخل متكررا في الفترة القادمة، ليس فقط باسم هذه الدول، ولكن باسم الانسانية.

خاتمة:

يتضح من الرؤيتين الأوربية والأمريكية، أنهما يدوران في فلك واحد، من حيث تحديد المتغيرات المستقلة المؤثرة في الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية العربية، ومن حيث الرؤية المستقبلية المتشائمة للمنطقة. غير أنهما في المقابل، لا يتطرقان إلى دور القوى الكبرى في التأثير على هذه الأوضاع، ولا يتطرقان بطبيعة الحال إلى الدور الرأسمالي المتوحش في عولمة الفقر، كما لا يتطرقان إلى مصادر وطرق تمويل وامداد جماعات العنف في المنطقة. وتبقى البلدان العربية، خارج معادلة صناعة مستقبل المنطقة، فهي إما مغيبة، أو تابعة، أو مسلوبة الارادة أو غارقة في الفساد. وهذه التقارير الرسمية، وغيرها كالصادرة عن روسيا والصين، متاحة على شبكة الإنترنت، ولا عذر يمنع المثقف العضوي العربي من بذل الجهد اللازم في تحليل مثل هذه التقارير بالغة الأهمية. على الأقل لكي نتعرف على الطريقة التي يتم بها تشكيل مستقبلنا الذي لم يعد غامضا كما كنا نظن.

…………………………………………………………………………..

*نشر بموقع المركز العربي للبحوث والدراسات

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.