الرئيسية » في ذكراها 33 : كيف اندلعت ثورة الخبز (83) في دوز ؟

في ذكراها 33 : كيف اندلعت ثورة الخبز (83) في دوز ؟

في مثل هذا اليوم 29 ديسمبر 1983 انطلقت أحداث انتفاضة الخبز من مدينة دوز (قبلي)  بمناسبة السوق الأسبوعية في شكل مظاهرات أدت إلى المواجهة بين المتظاهرين وقوات النظام العام.

و انتشرت التظاهرة لتشمل مدينة قبلي و مدينة سوق الأحد المجاورتين في اليوم الموالي متخذة طابعا عنيفا بعد أن اتسعت لتشمل مدينة الحامة. ومع دخول مشروع الزيادة في أسعار العجين ومشتقاته حيز التنفيذ يوم 1 جانفي 1984 شملت الحركة الاحتجاجية مناطق الشمال والوسط الغربي في الكاف والقصرين وتالة وبقية مناطق الجنوب في قفصة و قابس ومدنين، مما استدعى دخول الجيش لهذه المناطق بعد أن سجل عجز قوات النظام العام في الحد من توسع الانتفاضة.

وقد كتب أحد شهود العيان لانطلاقة ثورة الخبز وهو المناضل السياسي عبدااله بن صالح* (مناضل قومي سجن ضمن قضية الجبهة التقومية التقدمية لتحرير تونس سنة 1975 ) تدوينة مطولة على صفحته في الفايسبوك يسترجع فيها تفاصيل ما حدث يوم الخميس 29 ديسمبر سنة 1983  ..وفي ما يلي نص التدوينة :

“في يوم التاسع والعشرين من شهر ديسمبر سنة ثلاث وثمانين وتسعمائة وألف ـ وكان يوم خميس ـ التقى عدد قليل من أبناء دوز في مقهى الطويل،(مقهى يقع وسط سوق المدينة)  وكان قد أعلن عن زيادة مشطة في أسعار الحبوب ومشتقاتها ومنها الخبز وارتأوا أن يكتبوا عريضة احتجاج على تلك الزيادات تُسلّم لمعتمد الجهة… كان هؤلاء ثلاثة هم المرحومان بلقاسم بن رحومة ومصطفى بن مصباح والعربي بن عمر ومعهم الطويل صاحب المقهى.

كنت أجلس إلى طاولة قربهم وكان الثلاثة ينتمون إلى حركة الديمقراطيين الاشتراكيين ولم تكن هذه الصفة هي التي تحركهم بدليل أن زملاءهم في باقي جهات القطر لم يكن لهم أثر في الأحداث ولكن وعي هؤلاء بثقل تلك الزيادات على المواطنين هو الذي حرك فيهم الحمية.

سار الأربعة في اتجاه المعتمدية ولحقهم المرحوم على بن بلقاسم.  سمعت ما دار بينهم ولم يكن لدي الوقت لأتشاور مع إخوة لي ولكني لم أشأ أن يفوتني هذا الحدث فسرت غير بعيد عنهم دون أن أكون معهم.

امتنع المعتمد عن تسلم العريضة وطلب منهم في غلظة أن يغادروا المكان مهددا إياهم باستدعاء الشرطة فكثر الجدال وعلت الأصوات وبدأ المارة يتوقفون والناس يتكاثرون…

لم تمض على ذلك ساعة أو بضع ساعة حتى تعاظم الحشد وعلت الأصوات بالأناشيد والشعارات الغاضبة واختلط الحابل بالنابل.

أشهد ويشهد التاريخ والصادقون ألاّ أحد كان له الفضل فيما وقع يومها غير المذكورين آنفا وأقول واثقا بألاّ تنظيم أو جماعة أو حركة كان لها باع في تلك الأحداث. وأقول اليوم وكل يوم بأن بعض العناصر قد ساهمت في إقناع الناس بضرورة مواصلة احتجاجهم وكان ذلك تصرفا فرديا واعيا…

أغلقت المتاجر أبوابها تفاعلا من أصحابها مع الحدث أو إجبارا لبعضهم من المتظاهرين. وأطلقت الشرطة أعيرتها النارية لترهيب الناس فلم يزدهم ذلك إلا غليانا وتكاثرا… وجيء بفرق التدخل وبالكاد نامت المدينة تلك الليلة لتعود في الصباح أكثر إصرار على المواجهة.

خلال مواجهات الجماهير الغاضبة مع قوات الأمن انتشرت عيون السلطان ومليشيات الحزب الحاكم بين الناس وكأنها جزء منهم. ولكنّ الوقائع ومجرى الأحداث فيما بعد يؤكدان أن هؤلاء لم يتواجدوا بين صفوف الجماهير إلا لأداء مهمتهم القذرة في تحديد هوية العناصر الفاعلة في تلك الأحداث أولئك الذين تم إيقافهم واستنطاقهم فيما بعد وإجبار بعضهم على كتابة تعهّد بعدم تكرار ما أقدموا عليه.

انتشر الخبر في القطر وتعددت الأحداث في أغلب المدن وسقط نتيجة المواجهات عدد كبير من الشهداء والجرحى كان من بينهم شهيد من دوز وأصيب آخر وافته المنية بعد مدة من الزمن

اضطر الحاكم أن يعلن حالة الطوارئ وامتلأت الطرقات والأنهج بالعساكر ورجال الأمن واغبرّ وجه الوطن.

عندها أعلن رئيس الدولة عن التراجع في الأسعار وصاح الشعب (الوفيّ) في الشوارع “يا بورقيبة يا حنين … رجّعت الخبزة بثمانين”.

………………………………………………………………………………

*عبد الله بن صالح ، مناضل سياسي وسجين سياسي سابق من دوز (قبلي)

……………………………………………………………………

**نشر المقال علىحساب عبدالله بن صالح الشخصي على الفايسبوك 

……………………………………………………………………..

 *** المواقف والأفكار التي تنشر في قسم “أفكار” لا تلزم إلا أصحابها ولا يعني نشرها من قبلنا تبنينا لها بأي صفة من الصفات .

شارك رأيك

Your email address will not be published.