الرئيسية » قانون المصالحة الإدارية و قميص عثمان

قانون المصالحة الإدارية و قميص عثمان

 

 

 

بقلم وليد البلطي

أجلت  لجنة التشريع العام بمجلس نواب الشعب  مشروع القانون الاساسي عدد 49/2015 ،و المتعلق بالمصالحة في المجال الاداري ، لاستكمال الاستشارة الوجوبية من قبل المجلس الأعلى للقضاء، والنظر فيه في جلسة عامة قادمة.

فقد يكون القانون المطروح في ظاهره يستند على تحرير روح المبادرة بالإدارة مثلما تم التنصيص عليه بالفصل الاول من ذات المشروع ، لكن الشيطان يسكن في جميع تفاصيله التي ستكون قطعا ظالمة و جائرة من حيث دستوريته و شرعيته و تاثيره على الأجهزة القضائية و اختلال توازن العمل الاداري صلب الادارة التونسية،فكيف سيكون ذلك ؟

لقد استثنى القانون الموظفين العمومين و أشباههم من المؤاخذة الجزائية ، في جميع الدعاوي المثارة من قبل النيابة العمومية للتتبع من اجل جرائم الفصول 82 و 96 ، وهي الجرائم التي تتعلق بالإخلال بقواعد المنافسة ،والمتمثل أساسا في إسناد صفقة لفلان على حساب فلان ، دون توفر الشروط القانونية المنصوص عليها بترسانة القوانين المنظمة للصفقات العمومية، فبحث ان تلقى مدير عام تعليمات من وزيره ، لإسناد صفقة لفلان ،وحتى ان كانت الصفقة فاشلة و سببت خسارة للدولة التونسية في مرفق عام مهم على سبيل الذكر لا للحصر، تشييد مبنى اداري، فالوزير و المدير العام و ان لم يستفيدوا ماليا من عملية الاسناد، فلماذا اذا تم إسناد الصفقة في مخالفة التراتيب القانونية حتى يسقط التتبع في حقهما بالنسبة للأفعال المكنونة لجرائم الفصل 82 من المجلة الجزائية ،؟ فمن المؤكد ان الوزير المسكين الذي أعطى تعليمات للمدير العام ، قد تلقى تعليمات من رئيس الدولة ، وقد نفذ التعليمات خوف على عائلته و على حياته ، وهذا ضحك على ذقون الناس و استغفال لهم و تطاول على ذكاء المجموعة الوطنية .

و اما بالنسبة للفصل 96 ،فهو الفصل الجلباب والذي تنطبق عليه كل الأفعال ، من التدخلات و غيره من ذلك على ان يكون هناك ضرر حاصل للإدارة او منفعة للغير ، فبحث و لئن لم تحصل منفعة للموظف العمومي او شبه الموظف و حصلت للغير و حتى ان كان امضاء الموظف هو السبب في حصول المنفعة فان هذا القانون سيسقط حق النيابة العمومية في تتبعهم.

فلقد ذهب الكثير ، في النقاشات لإخراج هذا القانون العقيم، الى اعتماد قائمة و السؤال المطروح لمذا ؟ فقد تم زُج ببن علي بصفته رئيس دولة سابق في قضايا تعهد بها القضاء العدلي بالرغم ان الدستور المعلق قد اسند لرئيس الدولة حصانة دستورية ، بعد ان تم اعتباره على خلفية فقه قضاء ، انه شبه موظف عمومي ، و بالتالي انتفت الحصانة و خضع للمساءلة القانونية غيابيا في جميع الأفعال التي نسبه له وزراءه ، للخروج من مأزق التتبع ، لتتحول مراكزهم القانونية من فاعلين أصلين الى مشاركين على معنى الفصل 32 ، من المجلة الجزائية ، فالقانون بصيغته الحالية سيشمل الرئيس الاسبق بن علي بصفته شبه موظف عمومي ، ليذهب البعض في مرحلة ثانية الى سن امر توضيحي في الرتب الإدارية المعنية بالمصالحة الإدارية يقع على ضوءها استثناء بن علي من القائمة و فرض رفع المصادرة على الأربع وزراء، المشمولين بأحكام مرسوم المصادرة على خلفية تمتعهم بالعفو، بحيث تكون الخطوات القادمة واضحة و لا تستحق تنجيما او علما بالغيب.

 

و لكن هل من المنطق ، ان تواصل الداوئر الجنائية المتعهدة بهاته الملفات في مختلف أطوارها القضائية، ابتدائيا و استئنافيا و تعقيبا، تتبع رئيس الدولة السابق و أصهاره و اقرابئه ، فأي معنى للعدالة ، في دولة تطمح لمصالحة وطنية شاملة ؟ أليس حري بالطبقة السياسية الحاكمة ان تقول بصريح العبارة ، سنعفو على الجميع ما عدى كل من تربطه علاقة دموية من قريب او من بعيد بعائلتي بن علي و الطرابلسي ؟ فلما لا تتوفر في الطبقة السياسية الحاكمة الجراة لطي صفحة الماضي نهائيا بلغتنا العامية ، “على بز و معناه”؟

و في النهاية ، مشروع هذا القانون ، هو مشروع أعرج، مبني على التمييز بين الناس ،مخالف للدستور ، معطل للسير العادي للنمط العدلي و القضائي ، زارع للاحقاد ، مخالفا لجميع المواثيق الدولية ،و ان وقع العفو على الموظفين و أشباههم بالنسبة لجرائم الفصل 82 و 96 ، فان تتبعهم على معنى الفصل 32 كمشاركين سيظل قائما ان توفرت أركان جرائم الفصلين 82 و 96 ، اما بالنسبة التنصيص على ان هذا القانون سيشمل الفترة الممتدة من 1955 الى 2011 ، ان دل على شي فهو يدل على عدم أهلية السلطة التشريعية لسن قوانين تتطبق على عامة الناس و احترافها في سن قوانين على المقاس ، لان التتبع في المادة الجزائية يسقط بمرور الزمن .

علاوة على ما سبق ذكره ، ان تمت المصادقة على هذا القانون ، فعلى مصالح المكلف العام بنزاعات الدولة و دائرة المحاسبات و الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ، و غيرها من الأجهزة المختصة ، ان تقدم استقالة جماعية ، لانها اصبحت فاقدة لشرعيتها بصفة نهائية .

*وليد البلطي : خبير في الحوكمة و مقاومة الفساد
** المواقف والأفكار التي تنشر في قسم “أفكار” لا تلزم إلا أصحابها ولا يعني نشرها من قبلنا تبنينا لها بأي صفة من الصفات.

شارك رأيك

Your email address will not be published.