الرئيسية » الدولة هي الجباية

الدولة هي الجباية

 

 

بقلم محمد فوزي معاوية

الدولة و مشروعيتها الثلاثية, العنف,المقدس, المؤسسات على امتداد القرون و الدولة تفرض الاعتراف بها و الرضوخ اليها عبر مشروعية القوة الحاسمة و المفروضة على الجميع (الدولة/العنف) و لقد و جدت نفسها الى جانب ذلك محتاجة منذ البداية و أحيانا في الأثناء الى القدسية و المقدس لكي يقبل الجميع بسلطانها فتتم السيطرة على الجسد و الوجدان في نفس الوقت و ذلك في سبيل تحقيق مشروعية كانت ضرورية لبناء الدول المركزية في عهود الاقطاع و التفكك…
غير أن الدولة وجدت ,خاصة بعد الثورة الصناعية و ما ولدته من اندماج للسكان و ما تحقيق من وعي في المجتمعات ” المتقدمة “, مستندا جديدا لمشروعيتها يتمثل في المؤسسات المنتخبة و في التشريك الواسع في صياغة التوجهات و اتخاذ القرارات( المواطنة ) و ما تولد عن كل ذلك من نهوض يكاد يكون شاملا, و مع ذلك استمرت أغلبية الدول القائمة تراهن على المستندات القديمة للمشروعية المتمثلة أساسا في القوة و المقدس وفق ترتيبات قد تتنوع مقاديرها و لكنها تتفق في جوهرها.

قوام الدول جبايتها
ولم تكن عملية بناء دولة المؤسسات سهلة المنال اذ تطلبت تحولات عميقة شملت الجوانب الاجتماعية و المجتمعية على حد السواء و منذ البداية و مهما كانت مستندات مشروعية الدولة اقترن وجودها بوجود الجباية و ارتبط نجاحها و فشلها شديد الارتباط بسياستها المعتمدة في المجال المالي و في مسألة المجبى أي في تلك النواحي المركزية المتعلقة بالمقابيض و بالمصاريف و علاقتهما المباشرة بخلق الثروة و بازدهار العمران كما يقول عبد الرحمان ابن خلدون منذ قرون . ولقد أكد التاريخ أن الازدهار لا يحصل الا بسياسة مالية تمكن من انتعاشة الدورة الاقتصادية و تراكم الثورة وما يستدعيه ذلك من التفاف القوى الحية في المجتمع حول الدولة اقتناعا منها بأهمية المجهود المشترك في تحقيق الأمن و الحماية فضلا عن تحقيق ازدهار الأفراد و الجماعات … و لكن التاريخ أكد في نفس الوقت أن عدم احكام الدولة للتصرف المالي و المغالاة في جمع الجباية و التعسف المسلط من طرفها يمثل أحد العوامل المغذية للتصدع و للصراعات و التناقضات التى تنذر بخراب العمران…

الدولة و العقد المشترك القائم على التوافقات
وما نحن بصدده اليوم في تونس سنة 2018 من ” تجاذبات ” حول ميزانية الدولة يندرج ضمن هذا السياق الذى يضع على الدوام الأفراد و المجتمعات و الدول أمام ” محك التاريخ “عبر محطات حاسمة تعكس بالضرورة آهليتها لاقامة التوازنات الضرورية لانقاذ نفسها من مخاطر التفكك و الانتكاسة بايجاد ثنائية التوازن بين التضحيات المطلوبة دون استثناء و لا حيف و لا تهرب و المنافع و الاعفاءات او التخفيضات الضرورية لضمان استمرارية دوران عجلة النمو و دفعها الى الأمام و من الواضح أن المرحلة الانتقالية التى تتسم بهشاشة مؤسسات الدولة و تأزم الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية تفرض على كل من يرفض الخراب و التخريب من داخل أجهزة الدولة و من خارجها أن لا يتأخر في ارساء مقومات العقد المشترك لاقامة التوافقات الوطنية حول الاصلاحات الكبرى و ما تفرضه على الجميع من تضحيات لم يعد من الممكن التباطؤ في شأن الالتزام الجماعي بها فذلك هو السبيل الوحيد مهما تعنت المتعنتون و مهما تخلف الغافلون . محمد فوزي معوية ( 30أكتوبر 2017 )

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.