الرئيسية » حول الزعامة المزعومة…

حول الزعامة المزعومة…

بقلم محمد فوزي معاوية

 

ان الانفتاح الذي تحقق في تونس مع الانتقال الديمقراطي و الحوارات السياسية التى اتسع نطاقها داخل مختلف الهيئات الدستورية و المنظمات و الجمعيات و الأحزاب التى و جدت نفسها دفعة واحدة أمام قضايا و مسائل فرض التغيير ضرورة طرحها و التداول في شأنها.

 

 

وهي في الحقيقة لا تقل أهمية الواحدة منها عن الأخرى وذلك ما جعل الأبواب تفتح على مصرعيها أمام زخم هائل من نقاشات و حوارات على ثرائها لم تخلو من الالتباسات والاختزالات.

متاهات البحث من جديد عن الزعيم الروحي

من ذلك المسائل المتعلقة بالزعامة و القيادة في مجال السياسة وانتشار طرحها لدى أجيال من المشاركين في الحياة العامة و عادت فكرة تبدو متأصلة مفادها أن الأحزاب و العمل الحزبي لاجدوي تذكر لها في غياب الزعيم الكارزماتي القادر على التجميع و التوجيه وفتح الأبواب أمام المسارات التاريخية بفضل التفاف الجماهير حوله بوصفه المجسد الأوحد لآمال الشعوب و طموحاتها وهو الباني لانجازاتها و حامي حماها و لا شك و أن التاريخ في زمن ليس بالبعيد أكد هذا التوجه في الدول المتقدمة و الدول المستقلة حديثا على حد السوى و خاصة في مراحل الأزمات الكبرى و الحروب المحلية أو الاقليمية أو العالمية …

وفي الحقيقة لم يقتصر ذلك على الشأن السياسي بل تعداه ليشمل مجالات الفكر و الاجتماع و الفن و غيرها من المجالات الحيوية الأخرى و هكذا و جدنا في تونس مثلا من تحدث عن رموز فعرفها ” ببورقيبة الثقافة ” أو “بورقيبة الفن “…؟ معتبرا أنه لابد من أب روحي لكل مجال يكون الرمز و الملجأ تجتمع فيه و حوله المرجعيات الأساسية المؤلفة لهوية المجتمع و خصوصياته …

ونحن نعتقد أن هذه النزعة ارتبطت شديد الارتباط بالأوضاع التى كانت عليها المجتمعات و النخب و بالمستوى الذى بلغته التطورات الحاصلة في مختلف مجالات المعرفة والتحولات التى تحققت في ميادين العلوم و التقنيات و التواصل..ثم برزت تحولات تعلقت بالقضية ارتبطت بالوعي الذى شمل مختلف شرائح المجتمع و بالتغيرات العميقة في مستوى السلوكات الفردية و الجماعية وبروز توجهات ” مواطنية” لأساليب التسيير و التعامل مع الشأن العام فأصبحنا نرى مجتمعات بأكملها تحررت كما تحرر أفرادها من سطوية الأبوية المستبدة بها فحققت انعتاقها من الوصاية و التبعية.

لهذه الاعتبارات نعتقد أن طرح المسألة يستدعي تدقيق النظر من منطلق ما تفرضه المستجدات من مقاربات تقطع مع تقاليد تجاوزها الزمن منذ عقود…

الزعامة قديما والقيادة حديثا

تشتد في مراحل الانتقال الديمقراطي الالتباسات وتتفجر الأوضاع بعد طول انحباس كان مفروضا من أنظمة سلطوية قديمة و كثيرا ما يختلط القديم بالجديد فنجد أنفسنا أمام باحثين عن ” كلاسيكية جديدة ” تعيق انخراطنا الواعي في مسيرة التجديد و في معالجة المطروح بما يستوجبه من مفاهيم و آليات تواكب المستجد ومنها البحث عن الزعماء الأفذاذ و عن القائد في الكفاح الضامن للنجاح ا ستصغارا لوعينا الجماعي و لقدراتنا التشاركية و المسألة تتعلق في حقيقة الأمر بتغييرات حضارية حاصلة في العمق فلم يعد هنالك و جودا لذلك المفكر الفذ المختص في شتى العلوم و لم يعد هناك المكتشف الذي ينفرد بصنع المعجزات بمفرده فالبعد الجماعي المكتسح لكافة المجالات هو نتاج التطورات الهائلة الحاصلة و الانفجار المسجل في مستوي المعرفة والتعاطي مع الاتساع اللامحدود للمعلومات و صعوبة اقامة التأليفات الفردية أمام اتساع نطاق التحاليل المتعلقة بجزئيات ما فتئت تتجزأ ولكل ذلك أصبحنا نتحدث منذ عقود عن المثقف الجماعي و عن الأقطاب التكنولوجية حيث تتجمع الطاقات المتفاعلة لتحقيق تجديدات في جميع المجالات و لم تبق الحياة السياسية بمعزل عن هذه التغيرات الحاسمة و أصبحت بدورها تعتمد القيادة و” القيادية ” مكان الزعامة التى ولى عهدها الا لدى من بقيت المراهقة السياسية مستحكمة في مسيرتهم الى هذا الحد أو ذاك , و لا ينفي ذلك طبعا وجود رموز و قياديين استمدوا موقعهم من المشاركة الجماعية الواعية للمنخرطين معهم في العمل الاجتماعي أو السياسي أو غيره.

العبقرية اليوم لم تعد فردية بقدر ما هي جماعية

ان القيادة الجماعية يفرضها اليوم الاختصاص و التخصص و تشعب المسائل المطروحة و التنوع المطلوب لأوجه القياديين و شخصياتهم و ما قد يتميز بتمثيله كل واحد منهم فيما يقدمونه من صورة تأليفية و جماعية لاكتساب المصداقية و تحقيق الرؤية الواضحة فهاكذا ينجز الالتفاف الجماعي المطلوب و الانخراط الواسع في التوجهات التي أقاموها في نطاق تشاركية يفرضها الوعي السائد وهي مع ذلك لا تنفي الدور المتميز للأفراد لأنها تفسح لهم مع ذلك مجالات التعبير الحر و المستقل الضرورية لكل ابداع وتجديد.

وفي هذا النطاق بالذات تبنى الكريزما الجماعية و تحقق المنظمات و الأحزاب أتساع تأثرها وتتمكن من انجاز أهدافها فالمطلوب اليوم من الطامحين للقيادة أن يكونوا على وعي بأن ادعاء الزعامة اليوم ما هي الا خدعة تورم الأناءات و أن يعملوا على التأهل بجدية و باستمرار في مجال “القيادية ” بمفهومها العصري و بمكوناتها المدققة و آلياتها التى أثبتت التجارب جدواها مهما تنوعت الخصوصيات الاجتماعية و المجتمعية والعمل على التأهل أيضا في أعتماد أنجع أساليب التواصل فضلا عن القدرة في التعامل مع المعلومات و المعطيات و في احكام تسيير الموارد البشرية و المادية لأن العبقرية اليوم لم تعد فردية بقدر ما هي جماعية.

 

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.