الرئيسية » الترويكا الثانية…والقدر

الترويكا الثانية…والقدر

بقلم منير الشرفي

بعد أن قضت على كل من حزبي المؤتمر والتكتّل، إثر انتخابات 2011، ها أن حركة النهضة تسير بخطى بطيئة، ولكن ثابتة، نحو القضاء على حزبي نداء تونس والوطني الحرّ.

الترويكا الأولى رحلت بجهد جهيد بفضل عزيمة المجتمع المدني الذي انتفض ضدّها، بدعم من بعض المنظمات والأحزاب التقدّمية، بحركة تاريخية مشهودة تواصلت على مدى شهر أوت 2013، وانتهت بإزاحة حكومة فاقدة لكل شرعية ولكل مشروعية، عاشت البلاد أثناء حكمها على وقع الاغتيالات السياسية، وانتشار الإرهاب، وتفشّي الفساد، وتعميق الأزمات الاقتصادية والاجتماعية.

انتخابات 2014 لم تأت بالجديد من حيث مضمون الحكم. إذ تنكّر الحزب الفائز الجديد لوعوده بالتغيير، والتقىالخطّان المتوازيانعلى ظهر الشعب. فأُغلقت كل الملفات التي كان يُنتظر فتحها والبتّ فيها بالعدل والشفافية. وبقينا نجهل مصير قضايا اغتيال بلعيد والبراهمي ونقّض، ونجهل ما آل إليه التحقيق في الهبة الصينية، وفي الأموال الطائلة التي دخلت إلى البلاد وصُرفت في أغراض مشبوهة، وفي أحداث 9 أفريل 2012،وأحداث الرش وفي تدريب آلاف من الشبان التونسيين على أعمال الإرهاب وتسفيرهم للجهاد، وفي تعميم أسس التجهيل في الآلاف من محاضن الأطفال. والقائمة تطول.

تأخّرت البلاد في سبع سنوات بما يُناهز قرنا من الزمن. وتضاعف الفساد بسرعة مُذهلة ممّا جعلها تُصنّف في خانة البلدان الراعية للتهرّب الضريبي.

هنا يُمكن القول بأن حركة الإخوان نجحت إلى حدّ كبير في الزجّ بتونس في الطريق السريعة نحو عصور التخلف والانحطاط. ولا أحد يمكن له أن يُعيبها على ذلك. فالبرنامج برنامجها، ولقد وجدت المناخ الملائم لتطبيقه. العيب في من فسح لها المجال واسعا للمضيّ نحو زعزعة المجتمع التونسي وتطويعه لرغباتها، وأعنى بالأساس ذلك الهيكل الذي يُسمّى بالحزب الحاكموالذي اتّضح أنه لا يحكم إلا بأحكامها.

بعد أن نجحت النهضة في فرض إرادتها، بعد انتخابات 2014، من حيث المضمون، ها أنها تعتني بالشكل وتُعيد تجربة الترويكا الجديدة، وقد اتّعظت دون شك بتجربة الترويكا الأولى ودرست أسباب إخفاقها حتّى لا تقع فيها ثانية.

إخفاق النهضة في تجربة الترويكا الأولى كان بفضل الوعي الجماهيري الذي أطاح بها ببطولة وبسالة، وفي كنف السلم والمسؤولية. وهي اليوم تُعوّل على فقدان التعبئة لدى المجتمع المدني ولدى تلك الجماهير التي أنهكتها السياسة، بفعل فاعل، كما تُعوّل على العزوف عن الشأن السياسي الذي أصبح يتّسم به الرأي العام بعد أن تأكّد هذا الأخير، أو يكاد، بأن لا حياة لمن يُنادي.

عمليات سبر الآراء للأشهر القليلة الماضية تُؤكّد أن ثلاثة أرباع التونسيين مُصابون بالاكتئاب ولا ينوون التصويت في الاستحقاقات الانتخابية القادمة لقلّة ثقتهم في المُؤسسات التي أصبح العديد منهامضمونا“. وذلك من شأنه أن يُطمئن الترويكا الجديدة على أن الملعب خال من كل منافس، فتراها تُكيّف الانتخابات البلدية، هيئة وقانونا وتاريخا، كما يحلو لها، وتعمل لدنياها كأنّها تعيش أبدا.

لكن الذي تنساه الترويكا الجديدة هو أن اعتصام الرحيل الذي أودى بحياة الترويكا القديمة، سنة 2013، بدأ بأربعين شخصا وسرعان ما أصبحت مسيراته تُعدّ بمئات الآلاف. والشعب التونسي يُمكن أن يُصاب بالضعف أو الفتور، لكن دون أن يصل به الحال إلى الممات. والصحوة آتية لا ريب فيها.

الصحوة تأتي من الأغلبية الصامتة عندما يشتدّ لديها الشعور بالغبن وتقرّر الكلام، وعندما يحسّ المجتمع المدني المُنظّم بأن دوره لا يقتصر على البيانات، وعندما تعي الأحزاب بأن مبدأأنا، ثمّ الحزب، ثمّ الوطنهو شعار معكوس. وما تدهور الأوضاع في تونس إلا نتيجة لنقمة “الأنا” المتفشية في نخبتنا..

أما كثرة التصريحات التي نسمعها هنا وهناك من حين لآخر، والتي تُدلي بها بعض الشخصيات السياسية قائلة بأنها ستُكوّن جبهة للتصدّي لهيمنة النهضة، فإنها تنزل بردا وسلاما على حركة النهضة لأنها تدلّ على مواصلة التشتت للقوى التقدّمية.

التجارب السابقة للجبهات السياسية بين أحزاب أو حول أشخاص باءت بالفشل، ما عدا تلك التي كان المجتمع المدني محورها الأساسي والتفّت حوله الأحزاب التقدّمية. والقدر لا يستجيب إلا إذا أراد الشعب الحياة.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.