الرئيسية » “قنبلة البطالة”…الأسباب…ومقاربة في الحلول…

“قنبلة البطالة”…الأسباب…ومقاربة في الحلول…

بقلم رؤوف الغشـام*

مثّلت البطالة الأرضية الخصبة لإندلاع الثورة في تونس سنة 2011 ،وهي”القنبلة”التي فجرت بقسط كبير وضع البلاد وأطاحت بنظام بن علي ،إلا أنه رغم مرور 7 سنوات نجد أنفسنا في نفس الوضعية تقريبا من “تركة بن علي”رغم الإجراءات المتخدة للتخفيف والآليات المعتمدة من كافة الحكومات المتعاقبة علاوة على ما جاء به الحوار الوطني من نقاط في سياسة التشغيل غير” أن دار لقمان على حالها ” منذ ذاك التاريخ القريب الذي يعلمه القاصي و الداني من المتابعين للشأن العام .


بشكل عام يعد الإشكال مرتبط بعديد الدول ومتفاوت الحدة من دولة إلى أخرى، ففي صورة تقريبية للوضع العالمي و الإقليمي، أصدرت منظمة العمل الدولية في تقريرها مؤخرا خلال سنة 2017 ، أشارت من خلاله إلى استقرار المعدل العالمي سنة 2016 بعد إرتفاعه في 2016، حيث بلغت البطالة العالمية نسبة 5.6% سنة 2017، وتجاوز عدد العاطلين عن العمل 192 مليون شخص في إشارة أن منطقة شمال إفريقيا تمثل أعلى معدل بطالة على الصعيد العالمي، حيث ظل عدد العاطلين ثابتا عند 8.7 مليون شخص رغم النمو القوي في محركات الإنتاج ، كما أكد التقريرعلى ضرورة التخفيض في معدل البطالة من 11.7% العام الماضي إلى 11.5% خلال السنة الحالية 2018، وهو ما يجعلنا نضع الإصبع في البحث عن الأسباب الرئيسية الخاصة بالمثال التونسيفي خصوصياته الدقيقة كمنظومة عامة توفرت فيها اليوم كل مواصفات “البطالة المفزعة ويمكن إعتبارها أيضا”قنبلة مستقبلية” ما لم يتم التسريع في تلافي الركود الإقتصادي الحاصل و الخروج السريع من “منزلق المديونية ” وتحقيق نسب تنمية تخول الحفاظ على التوازنات العامة إقتصادياوإجتماعيا خلال الخمس سنوات القادمة.

ورغم أن حكومة الحالية ضمنت عديد المكاسب كالإستقرارالأمني وماضية في تفعيلعديد الشراكات الإستراتيجية مع الدول الشقيقة للخروج التدريجي من أزمة ، لإعادة هيكلة كاملة للاقتصاد الوطنيبحزمة من التشريعات الجديدة منبثقة من إتفاقاتهامع صندوق النقد الدولي للتقليص من العبئ العمومي ،،،إلخ وتفعيل دور القطاع الخاص المتحكم اليوم في القسط الأكبر من إجمالي العرض المالي النقدي للبنك المركزي .

وحيث نأمل نهاية لتونس الخروج على مراحل من أزمة التداين الخارجي الحاصلة والعجز المسجل في الميزانية العامة للدولة مع بداية السنة 2018 والذي بلغ أقصى نسبة منذ الإستقلال ، لأن ما نخشاه اليوم في ضل التدهور الإقتصادي أن يمر الوقت والتراكمات حاصلة وثابتة من سنة إلى أخرى وسياسة التشغيل لاتزيد عن أن تكون مجرد “حقنات مهدئة”، بآليات في ملخصها لا تزيدعن دعم للتكوين وبعث للمشاريع الخاصة في شكل مؤسسات صغرى ومتوسطة لإمتصاص القدر الضئيل من الحصيلة العامة للعاطلين بالدولة.

ولحصر الأسباب وتقديم صورة واقعية للوضعية إستنادا لما توصل له المعهد الوطني للاحصاءفي أعماله الخاصة بحصر عدد العاطلين عن العمل بحوالي 630 الف منهم 242 ألفا من أصحاب الشهائد العليا،وهي نهاية أرقام مأخوذة من مكاتب التشغيل التي هي بدورها عمليات تسجيل غير منتظمة من العاطلين عن العمل، وهنا يكمننا إعتبارنسبية عدم صحة الإحصائيات المقدمة .

وحيث أن توجه الحكومة هو التقليص من حجم الأجور والإنتدابات مستقبلا يمكن إعتبار”القطاع العمومي ليست الخيار الأمثل للحصول على عمل”،ويتعين على طالبي الشغل من الجيل الجديد ضرورة الإطلاع والإسترشاد والتدقيق حول شعب إختصاصهم لتحديد توجهاتهم المستقبلية لمهن العقود القادمة، وقد لا تتم العملية إلا بدراسة مبكرة ومن الآن قبل الإصطدام بالواقع لأنه في شكله العام تتأثربالتزايد الديغرافي ودفعات الخريجين الجدد السنوية والمنافسة قد تكون على أشدها في الحصول على شغلفي السوق التونسية المحلية، لأن الخيارات أتخذت و الخوصصة لعديد المؤسسات العمومية أخذ طريقه منذ عقود ليس من اليوم، فالمشهد في العشرية القادمة قد يعرف هيمنة أوضح للقطاع الخاص على القطاع العام مع وجود شركات أجنبية وهذا أيضا مرتبط بإستقرار الأوضاع .

ومن جهة أخرى ، لنا أن نلاحظ خلال العشريتين الأخيرة أن عديد الحالات من العاطلين عن العمل بحكم حدة الوضع الإقتصادي و الظروف الإجتماعية القاهرة ينقطعون على الدراسة في مستويات مختلفة ، (وهو إشكال يخلق إنقطاع وركود عن مواصلة تكوينهم) للبحث على عمل قار و يجدون أنفسهم يدخلون في دوامةالمشاركة الغير المجدية من مناظرة إلى أخرى وبعقلية البحث عن وظيفة بالقطاع العامدون جدوى بعقلية ” مسمار في حيط الإقتصاد”.

هذا ، كما أنه نجد عديد الحالات في الأثناء يظل البعض الآخريبحثون عن علاقات خاصة ربما توصلهم لوظائف وربما تكون مجرد محاولات، وهو ما يمثل دوامة مجهولة أيضا لسنين (دون تكوين أو إنتاج أو دخل)،وهنا تعد المسألة خيارات وعقلية عمل و إمكانيات وقناعاتللقبول بمهن في غير إختصاصهم تلاءما مع متطلبات السوق وهو الحال للبعض الذي يتمسك بشهادة إختصاص في قطاع ضعيف التشغيل ويرفض العمل لدى الغير برواتب متواضعة في إطار التكوين وتطوير الحياة المهنية، ولقطع الطريق عن الجالية الغير الشرعية المقيمة بتونس
وعليه،تعد العقلية السائدة أيضا جزء من المشكل وهي ناتجة غالبا عن سوء فهم من العاطل عن العمل في حد ظاته لحاجيات السوق سوى أن كانت الداخلية أو العالمية، و يتعين عليه في بداياته أن يتحلى بروح المرونة في التعامل مع عروض الشغل المتاحة بالقطاع الخاص، لأنه نهاية هي مسألة عرض وطلب فرضه إقتصاد السوق ،وهذا صلا مايسود النظام داخل سوق الشغل التونسية وما فرضته العولمة الجديدة في عقليات عديد شعوب العالم.

و من جهة أخرى،فبالرغم أن العالم اليوم مفتوح على مصراعيه نجد االخريجين الجدد يحددون توجهاتهممنذ الوهلة الأولى على فرص العمل بتونس، دون وعيأن حاجيات الدول غير ثابتة و متغيرة وتختلف من وقت لأخر بحسب فرص الإستثمار العالمية وحركة رؤوس الأموال ،حيثينتاب البعضالشعور بالخيبة منذ البدايات الأولى بمجرد عدم الحصول على عروض الشغل لينهار و يتكاسل أو يفقد الأمل عن مواصلة البحث والتكوين والإبتكار للمشاريع، وهذا أيضا سبب من أسباب البطالة التي ترجع مسؤوليتها للعاطل عن العمل نفسه، لأنهعلى سبيل الذكر لا للحصرفي إختياره للتكوين المتواصل بشغل مؤقت قد يصقل خبرته على المدى المتوسط و البعيد ويجعل منه مؤهلاته تتوفر فيها المؤهلات مستقبليا للإندماج بالسوق العالمية للشغل وخارج الوطن.

وبناء على ما تقدم ، يتبين أنه “لا توجد عصا سحرية تحل مشكلة البطالة”إلا بتوفر منظومة متكاملة مسؤوليتها مشتركة للعمل على المدي البعيد تشمل الحكومة والقطاع الخاص و المواطن العاطل عن العمل نفسه، فالحكومة دورها الرئيسي خلق مناخ إستثماري وإقتصادي عام نشيط يسهل فرص تشغيل، لبناء إقتصاد منتعش وبشراكة مع القطاع الخاص لتوفير فرص العمل وتيسير عملية الإندماج في سوق الشغل: وهو نوع من التوازن تخلقه السياسات والحكومات بحنكة للمعادلة بين العرض و الطلب سواء بالشركات المحلية أو عبر التشجيع على الإستثمار الخارجي لدفع التنمية ،كما أنه بدون ذكاء و إبتكار أفكار مشاريع جديدة قد لا يجد العاطل عن العمل طريقه وقد لا يكون مساهما في دفع الإقتصاد بشكل عام.

ختاما، يمكن القول أن المسؤولية تعود للمجموعة الوطنية عامة بكافة أطيافها المتداخلة لبناء سياسة إقتصادية متطورة ومزدهرة ، على أن تكون اليد العاملة المحلية أيضا عقلية حسن فهم وقراءة جيدة لمتطلبات سوق الشغل المحلية والدولية، برؤية مستقبلية لمهن المستقبل في القطاعات الواعدةوالمثمرة، كمايبقى”الإبتكارالذكي” أبرز مفاتيح بعث المشاريع الخاصة، والتعويل على الذات وحسن دراسة الدقيق للجدوى الإقتصادية من أهم مكاسب الباعثين للمشاريع الجدد، لأن واقع الإنتدابات بوظائف القطاع الخاص (المهيمن على المشهد العام مستقبلا ) تعتمد التقييم للمهارات المكتسبة قبل عدد الشهادات المسلمة من الجامعات.

*باحث في الإقتصاد

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.