الرئيسية » عن حوار الشاهد: تنمية الموارد البشرية في تونس …إلى أين ؟

عن حوار الشاهد: تنمية الموارد البشرية في تونس …إلى أين ؟

 

بقلم رؤوف الغشــــام

نظرا للوضع شبه الكارثي الذي تعيشه تونس اليوم و الركود الحاصل في الدورة الإقتصادية والتنمية البشرية، فالشباب اليوم لا يرى غير المشاريع الكبرى المفعلة، و الفئة المتوسطة لا ترى غير ما يضمن مستقبل أبناءها في المستقبل القريب، بقلق وريبة مما هو قادم .

و عليه نأخذ نقطة حوار رئيس الحكومة في 25 فيفري2018 ،على أنه في خطوطه العريضة المنطقية و المقبولة : لا يزيد عما سابقيه الذي طالب بالوحدة الوطنية وتآلف الأحزاب لمزيد دفع آليات الإنتاج ، ملوحا بأن الإنتخابات البلدية هي إحدى مراحل إستكمال التنمية داخل الجهات ، ومعربا أن الحكومة عليها ضغوطات، وهي على علم أن الفقر المحدق بـ125 ألف عائلة ممن يتقاضون بين 120و 150 دينار عائق تنموي، وأن الحرب على الفساد متواصلة مشيرا إلى فساد البنك التونسي الفرنسي…إلخ … وقد نال الحوارفي نقاطه المختلفة جدلا متباينا لدى شبكات التواصل الإجتماعي، بين صامت ومؤيد وناقد للطابع السياسي الصرف ، ففي مجمله لا يزيد عن تقديم برامج، قد نعتبرها تطمينات والتونسي عامة اليوم يعتبرها حبر على ورق، فهي لا تزيد عن بعث أمل جديد لاغير في نفوس التونسيين وتهدئة الأوضاع الخانقة الحالية .

على أرض الواقع اليوم ضاق الحال بالعديد من الفئات، والرأي العام يعيش”القلق “، وترسخت لديهم قناعة أن أصحاب الوعود في تونس من أحزاب وسياسيين، ضلت شعاراتهم ووعودهم لا توقف الضغوطات” الإجتماعية والإقتصادية” ولا تختصر” طول المسار”، ولا تجد حلولا لنمو مفقود فهم غالبا إحباط ” لمستقبل موارد الدولة البشرية المتاحة”…إلخ. والمسألة تداعياتها خطيرة على إستقرار البلاد عندما نجد الطبقة المتوسطة تنحدر بمرور الأيام إلى الفقر جراء حدة غلاء المعيشة، و التضخم الحاصل وحزمة الرسوم والأداءات الواردة بتشريعات قانون المالية 2018.

أيضا وواقعيا من النقاط التي تخالج الرأي العام و التي نراها اليوم على غاية من الأهمية وأهم من حديث اللوبيات السياسية، علينا التساءل المباشر ما هو مصير مواردنا البشرية التي هي أساس بناء المستقبل؟ حيث كنا نريد سماع إعلانات إنطلاق مشاريع كبرى لهم، و قرارات من شأنها صناعة رؤية واضحة للجيل القادم .

نطرح الإشكال بقناعة لنقول اليوم أكثر من أي وقت مضى أنّ الصمت خيانة، وقبول الأمر الواقع أيضا خيانة، ألم تعي كل الحكومات اليوم ؛أن الموارد البشرية المتاحة تحتاج التي تخرجت من جامعاتنا لا تجد غير المقاهي لإستيعابها. وهو ما يطرح السؤال : أين نحن صناعيا و خدماتيا واليوم نشهد الثورة الصناعية الرابعة؟ ألا يصح القول وفقا للتعبير التونسي المجازي : “العجوزة هازها الواد وتقول العام صابة ؟ ألسنا نغرق إقتصاديا على المدى المتوسط و البعيد لعدم وجود رؤية وإستراتيجيات لتنمية بشرية مستدامة ، قادرة على دفع محركات الإقتصاد؟ أم هي تلك حدودنا؟ ألم يعلموا أن الإقتصاد التونسي منذ الإستقلال ،

لم يبلغ درجات الصلابة المرتقبة للتعامل مع الأزمات التي تعرض لها من وقت لآخر، وهذا راجع لهشاشة الفئات الإجتماعية ، وهو ما يجبرنا على مراجعة المفهوم في حد ذاته للوقوف على النقائص و أخذ العبر من الخارج وإيلاء تطوير مواردنا البشرية المتاحة أهميتها المطلوبة.

ربما مفهوم التنمية البشرية هو أصلا مفهوم حديث المنشأ ومتبلورفي أواسط القرن الماضي،مفاده :” الرفع من قدرات الانسان عقليا وجسديا ووجدانيا لتحقيق التوازن النفسي والتفاعل مع المحيط الاجتماعي،ولا يتم هذا إلا في بيئة سليمة تمكنه من العيش الكريموبلد يسوده القانون والحريات الأساسية وحقوق الانسان “، وهنا قد نقرأ أن تونس لا يستجيب فيها كل الشروط ، لوجود عوائق في الدخل و المديونية وغلاء معيشة و تضخم حاد يميز الوضع الإقتصادي الحالي؛ وهو ما أكده تصنيف الأمم المتحدة في تقريرها الأخير(ديسمبر2017)، ليدرج تونس بالمرتبة 97 تليها ليبيا في المرتبة 102 و المغرب 123 في ما يخص التنمية البشرية، حيث أورد التقرير ذاته أن التدنى راجع لمستوى التعليم ، الصحة والبحث العلمي، ولعدم وجود مناخات مريحة لتنمية الموارد البشرية، وبالتاليعدم قدرتنا على تطوير إقتصادنا نحو “نموذج ريادي”.

 

وعليه ، تتحمل الحكومات السابقة و الحالية و المستقبلية كامل مسؤوليتها التاريخية لتوفير أطر جلب الإستثمار، وبما تمليه العولمة الجديدة ومهما كان الأطرالسانحة، لأنه في حالات الضيق لدى الشعوب : “العبرة بالنتائج”؛ ليستفيد المواطن و ينمي حامل الشهادات قدراته التنافسية، خاصة أن قاعدة السوق العالمية اليوم تخضع لمبدأ ” أكون أو لا أكون “، وهنا دور هام قد ينضاف بموضوعية للدبلوماسية الإقتصادية التونسية بالخارج لإبرام إتفاقيات شراكات للتوظيف بالخارج ودراسة حاجيات الشغل بالخارج،علاوة على جهد جلب الإستثمار وتقديم الحلول حول أبواب الولوج العاجل لجب كبار رؤوس الأموال الأجنبية لتونس وتحقيق “الصحوة المفقودة” التي نسميها إقتصاديا “نمو مفقود”.

كما يضل دوما “العقل سبب تطور الإقتصاديات النامية”، يمكننا بديهيا التساؤل هل أننا قادرون على تحقيق تنمية بشرية ريادية ؟ مباشرة الإجابة بنعم نحن قادرون، لكن بتعبأة الموارد المتاحة وتوفير الأرضية السانحة للعمل ( صحة، تعليم ، بحث علمي، مناخ إستثماري سليم…)، ليتم تدريجيا تجاوز العوائق الهيكلية الحالية التي يشهدها الاقتصاد، مثل المديونية والتبعية والبنى التحتية و البطالة،،،

نهاية تظل تنمية الموارد البشرية إستراتيجية شاملة، ومسألة على غاية من الأهمية كمفهوم وغاية، لربما لأننا نحلم في عقود قادمة بصناعات “ذكية ” من إبتكارات تونسية بالسوق العالمية، ولأن الكتب و العلوم وأقوال العظماء عبر التاريخ لم يذكروا أن مجتمعات قادرة و أخرى لا، وقد نقول عندها: “المستحيل ليس بتونسي.”ولما لا.

ختاما، تعد التنمية الشاملة للموارد البشرية و توفير الأرضية السانحة للإبتكار على المدى البعيد؛ أحد أهم الأولويات الإستراتيجية التي يجب أن تعنى بمخطط شامل و إعادة بلورة على المدى متوسط ،ويجب على المجموعة الوطنية الأخذ بعين الإعتبار أن القاطرة تسير، وأننا ظللنا في حدود إدارة أزماتنا و تناحراتنا الحزبية والسياسوية الضيقة.

في المقابل أهملت تونس جانب “تطوير العقول”، للخروج من الإقتصاد التقليدي الحالي الهش، لربما نقول هذا أملا في أنفسنا و في حكوماتنا (الحالية والمستقبلية)، لأنه لا خيار لنا غير إيجاد الطرق العاجلة والسريعة للإستثمار المباشر، بتفعيل كل القوى الوطنية في الغرض وخاصة الموقعين على وثيقة قرطاج، لتوخي التدابير والإصلاحات الفورية وتصحيح المسار حتى لا نندم يوم يبعثون، ولننزع على شعبنا الخطابات الجوفاء و البرامج البيضاء و الشعارات المهدئة للوضع .

* رؤوف غشام باحث في الإقتصاد

 

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.