الرئيسية » تونس تمنع عرض فيلم إيطالي يتحدث عن المثلية :هل هو حماية للاخلاق أم رقابة ؟

تونس تمنع عرض فيلم إيطالي يتحدث عن المثلية :هل هو حماية للاخلاق أم رقابة ؟

 

بقلم عمار قردود

يبدو أن دعوة المفكر و الباحث في الأنثروبولوجيا يوسف الصديق حركة النهضة لترشيح مثلي بإسمها حتى تثبت أنها أصبحت بالفعل حركة مدنية و تتعامل مع الأقليات بجميع أصنافها،قد أخطأت الهدف لأنه كان حريّ بهذا المفكر التونسي أن يوجه دعوته للحكومة التونسية برمتها أو بمعنى أصح للمسؤولين التونسيين الذين منعوا عرض فيلم “call me by your name “-أو “ناديني بإسمك” باللغة العربية- المرشح لجائزة الأوسكار لهذه السنة.

 

و الذي تدور أحداثه حول قصة حب مثلية-غير طبيعية-،حيث أنه ليست هذه هي المرة الأولى التي تحارب “المثلية الجنسية” في تونس من طرف بعض الجهات،ففي أواخر شهر جانفي الماضي إعتدت مصالح الأمن التونسية على عضو بجمعية “شمس” للمثلية الجنسية،و أكّد المكلف بالإتصال بجمعية شمس للدفاع عن الإقليات الجنسية أن المصالح الأمنية تعمّدت الإعتداء على المحتجين يوم 27 جانفي المنصرم للمطالبة بحماية الحريات الفردية في تونس تحت شعار “سيبوني”-أتركوني أو دعوني-.

و في ديسمبر الماضي كذلك قامت قناة “تونسنا” ببث يوم 28 ديسمبر الماضي برنامج “وجهًا لوجه” face a face حيث كان النقاش الدائر في تلك الحلقة حول المثلية في تونس.و قد تضمن النقاش خطاب تحريض على الكراهية و تكفير و دعوات صريحة للقتل من طرف الداعية و رئيس حزب الزيتونة عادل العلمي الذي كفّر المثليين و حرّض ضدّهم،فقد تهجّم العلمي على مدير برمجة إذاعة “شمس” للمثليين و نعته بالكافر،كما تعمّد العلمي التحريض على قتل المثليين،و هو ما تم رصده من طرف هيئة الإتصال السمعي البصري،حيث قرّرت إيقاف الومضة الإعلانية للحلقة المذكورة آنفًا.و يوم 29 ديسمبر الماضي مثل مدير إذاعة “شمس” للمثليين بوحديد بالهادي أمام فرقة البحث في جرائم الإرهاب في القرجاني.و كان بوحديد مرفوقًا بمحامي مختص في قضايا الإرهاب.

و يأتي رفض وزارة الثقافة التونسية لمنح تأشيرة لقاعة “الكوليزي” حتى تتمكن من عرض فيلم “call me by your name ” للمخرج الإيطالي” لوكا غواداغنينو”، على الرغم من تقديمها اللوثائق المطلوبة قبل الآجال المحددة مثلما قال مديرها “لسعد القوبنطيني” و بحسب ما جاء في الصفحة الرسمية لقاعة “الكوليزي” على موقع التواصل الإجتماعي “فيسبوك” عندما تم نشر منشور يشير إلى إلغاء عرض الفيلم الإيطالي المثلي المثير للجدل.

و بحسب إدارة قاعة “الكوليزي” فإن وزارة الثقافة التونسية لم تذكر أسباب منع عرض الفيلم الإيطالي و إكتفت بالإشارة و التحجج بأنه يضم مشاهد حميمية غير لائقة.رغم أن إدارة ذات القاعة السينمائية نفت جملة و تفصيلا أن يكون فيلم “call me by your name ” قد تضمن مشاهد إباحية أو حميمية.
و الخطير في موضوع الفيلم الممنوع بقوة القانون من العرض في تونس هو -بحسب مسؤولي قاعة “الكوليزي”-أن المسؤولين بالوزراة و القائمين على السينما لم يشاهدوا الفيلم حتى يقررون منعه رغم أنهم اقترحوا عليهم جلسة لعرض و مشاهدة الفيلم الإيطالي قبل عرضه على الجمهور التونسي.لكن وسائل إعلام تونسية أشارت إلى أن وزارة الثقافة التونسية لم تُصدر قرارًا بمنع عرض الفيلم الإيطالي

هذه هي قصة فيلم “call me by your name “
وتروي قصة الفيلم المرشح لأربع جوائز أوسكار من ضمنها أحسن فيلم أجنبي و الذي صوّرت مشاهده في إيطاليا قصة حب بين رجلين ،إليو، وهو مراهق إيطالي شاب يقع في حب طالب جامعي أمريكي شاب انتقل إلى إيطاليا. مقتبس من الرواية الأمريكية “اتصل بي باسمك” من قبل أندريه أسيمان نشرت في عام 2007، تم تصنيف الفيلم “أفضل فيلم لعام 2017” من قبل الغارديان.
ويحصل الفيلم على جائزة أفضل سيناريو مخصص في آخر بافتا، بالإضافة إلى 4 ترشيحات في فئة “أفضل فيلم” و “أفضل ممثل” و “أفضل مخرج” و “رؤيا العام”. كما فاز أيضا بثلاثة ترشيحات لعضوية غولدن غلوب، وحصل على جائزة “لجنة التحكيم الدولية” في مهرجان لاروش-سور-يون السينمائي الدولي.وليست هذه هي المرة الأولى التي تمنع فيها وزارة الشؤون الثقافية بث فيلم في تونس لعدم حصولها على تأشيرة تشغيل تمنح لموزع الفيلم.

لكن حتى و إن تم منع عرض فيلم إيطالي بسبب تطرقه إلى قضية شائكة و هي “الشذوذ الجنسي” المرفوض في المجتمع التونسي بالرغم من إنتشاره الواسع و تواجد عدد من المثليين التونسيين و هو الأمر الذي أكده تأسيس أول إذاعة مثلية في العالم العربي بتونس ،عندما أطلقت جمعية شمس للدفاع عن الأقليات الجنسية يوم 11 ديسمبر 2017 أول راديو واب للمثليين في تونس بدعم من السفارة الهولندية لعرض مشاكلهم و طرح القضايا التي تواجههم.

ويأتي إطلاق هذه الإذاعة بهدف الدفاع عن قضايا المثليين في تونس والعالم العربي، ضمن مشروع للدفاع عن الأقليات الجنسية المضطهدة في تونس، وحق هذه الفئة بالعيش ضمن مجتمع متسامح، بحسب ما أعلن المشرفون على الإذاعة. إلا أن رئيس الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري في تونس، أكّد أنّ الهيئة لم تسلّم أي رخصة بث لإذاعة خاصة بالمثليين الجنسيين، نظراً لأنها تبث عبر الانترنت ولا دخل لـ”الهايكا” بها.

وأثار إطلاق هذه الإذاعة جدلاً واسعاً في البلاد، حيث ضجّت مواقع التواصل بالتعليقات الغاضبة والانتقادات لهذه الخطوة التي اعتبر كثيرون أنها تشكّل “تجاوزاً خطيراً” و”إساءة كبيرة لقيم المجتمع التونسي”، متسائلين “هل هذه الحرية؟”.
وتأسست جمعية “شمس” للمثليين، التي تركز نشاطها على عدم تجريم المثلية الجنسية، في 18 أيار/مايو 2015، حيث لقيت معارضة شديدة في تونس من قبل أغلب فئات المجتمع. وتعتبر المادة 230 من قانون العقوبات التونسي، أن المثلية الجنسية جريمة يعاقب عليها القانون، بالسجن لمدة تصل إلى ثلاث سنوات.

تونس ترفض إلغاء تجريم المثلية
و في سبتمبر 2017 و في الدورة الــــ36 لمجلس حقوق الإسنان بجنيف السويسرية قبلت تونس مولاءمة تشريعاتها مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، لكنها لم تقبل توصيات إلغاء تجريم العلاقات الجنسية بين أفراد من جنس واحد (المثلية).مع العلم أن تونس أعلنت قبول 189 توصية من أصل 248 توّصلت بها.
و المثلية مجرمة في تونس حسب الفصل 230 من المجلة الجزائية ولكن يتمتع المثليون التونسيون ببعض الحرية على غرار بقية البلدان الإسلامية التي توجه عقوبة الاعدام إلى ممارسيها. اما بعد ثورة الياسمين فقد رفضت تونس توصيات مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بالغاء العقوبات التي يفرضها القانون التونسي على “جريمتي” الثلب (الشتم) والعلاقات الجنسية المثلية.

و قد أظهر إستطلاع أجراه مركز بيو للدراسات سنة 2013، أن 94 في المئة من التونسيين يعتقدون أنه “ينبغي رفض المثلية الجنسية”، على عكس 2% ممن يظنون أنه “ينبغي قبول المثليّة الجنسية”. لكن مؤخرًا هناك زيادة في تقبل المثليين بالمجتمع.
كما أظهر استطلاع للرأي قامت به ELKA للاستشارات في عام 2016 أن 64.5٪ من التونسيين يعتقدون “أنه يجب معاقبة المثليين جنسيًا”، في مقابل 10.9٪ أفادوا بأنه ” لا يجب معاقبة المثليين جنسيا”.

و يعاقب الفصل 230 من القانون الجنائي التونسي “مرتكب اللواط أو المساحقة بالسجن مدة ثلاثة اعوام”. كما ورد كالاتي:”اللواط او المساحقة اذا لم يكن داخلا في اي صورة من الصور المقررة بالفصول المتقدمة يعاقب مرتكيبه بالسجن مدة ثلاثة اعوام”.
ويستخدم الفحص الشرجي من طرف الطب في تونس للتأكد من الممارسة الجنسية المثلية للمتهم وذلك بطلب من الشرطة. وتصفه بعض الجمعيات الحقوقية بـ”فحص العار”.و قد تم عرض شاب تونسي في العام الماضي على الفحص الشرجي، وذلك بعد أن اشتبه به بعض أعوان الأمن، ودون وجود متضرر أو شاكي ضدّه ومحاكمته بالسجن سنة مع النفاذ. و قد أكدت منظمات حقوقية تونسية أن الفحص الذي تعرض له الشاب المثلي مخل بالدستور ويمس بكرامته.

وأدان الرئيس السابق محمد المنصف المرزوقي، على صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، سجن الشاب التونسي بتهمة المثلية واستعمال الفحوصات الشرجية، وذلك في ظلّ تعتيم حكومي على الموضوع. وكان الرئيس الحالي الباجي قايد السبسي قد ركز في حملته الانتخابية سنة 2014 على تطبيق منظومة حقوق الإنسان واحترام حقوق الأقليات.
ويطالب عدد من الشخصيات الوطنية والجمعيات الحقوقية في تونس بإلغاء الفصل 230 من المجلة الجزائية في تونس والذي ينص على معاقبة المثليين بالسجن من سنة إلى ثلاث سنوات، والذي يرونه متعارضًا مع الدستور التونسي الضامن لكرامة الفرد وحرمته الجسدية وحرياته.

وقدرت جمعية غير حكومية تونسية مؤخرًا عدد المثليين جنسيًا في تونس بنحو 5 الاف شخص من بين أكثر من 10 ملايين ساكن يقطنون البلاد،لكن واقع الحال غير ذلك لأن عددهم أكبر بكثير.

شارك رأيك

Your email address will not be published.