الرئيسية » فاجعة قرقنة: جريمة دولة في حق شباب تونس

فاجعة قرقنة: جريمة دولة في حق شباب تونس

 بقلم المنذر بن عزوز وحادة

 

عجز الحكومة في التعاطي مع ملف الشباب في جوانبه المتعددة والمعقدة أحيانا بالرجوع إلى الوضع الإقتصادي الصعب الذي تعيشه بلادنا لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يُعفي مسؤولية الحكومة الحالية من فشلها الكبير تجاه هذا الملف المحوري الذي من المفروض أن يُدرج ضمن أولويات العمل الحكومي ..

 

و إذا كانت سياسات الحكومات المتعاقبة ما بعد الثورة ،في علاقة بهكذا ملف حارق لازالت تُراوح مكانها إن لم نقل تراجعت إلى الخلف و لم تنجح في رسم و ضبط السياسات و البرامج الجدية لحلحلة هذا الموضوع و إيجاد الحلول و البدائل المناسبة له ، فهذا بالـتأكيد يحيلنا إلى حقيقة غير قابلة لا للتأويل و لا للدحض و لا للتلاعب، أن هذه الحكومة مثل سابقاتها من الحكومات قد فشلت في التعامل و في التعاطي مع أحد أكبر و أهم الملفات الوطنية في بلادنا.

لسائل أن يسأل: هل هناك أولوية أكبر من أولوية توفير الشغل الذي يضمن لهذا الشباب الحد الأدنى من الكرامة والحد الأدنى من العيش الكريم والحد الأدنى من الحياة المستقرة والحد الأدنى من شروط المواطنة والحد الأدنى من الشعور بالإنتماء لهذا الوطن العزبز علينا جميعا؟ كل هذه التمنيات،كل هذه الأمال وكل هذه الأحلام أُجهضت في صفوف شبابنا ، بل لنقل أكثر من ذلك قُتلت و قُبرت لدى الأغلبية الساحقة من هذه الشريحة التي تشكل النسبة الأعلى في مجتمعنا.

هذا الوضع المأساوي والمحزن حقيقة، دفع بشبابنا إمّا إلى الإرتماء في أحضان الإرهاب أوالسقوط في مستنقع الجريمة المنظمة أوالذهاب إلى قوارب الموت، الحالات الثلاث متشابهة ومتطابقة وإن إختلفت تسمياتها أو مسبّباتها، فكلها تمضي نحو الإنتحار والضياع والهلاك لتزيد البلاد نكبةعلى نكبة وعذاب على عذاب وإنهيار تلو الإنهيار، لتعري بالنهاية عورات الفشل والسقوط، فشل الحكومات وسقوط الخيارات

لعلّ فاجعة قرقنة و مأساتها وعذاباتها وعمق ما خلفته هذه الحادثة من جراح مؤلمة حين نشاهد شباب تونس يُقدمون على الموت في البحار، خوفا من الموت في بلدهم وفوق أرضهم، لأنهم يؤمنون أنّ الذلّ والفقر والإحتياج والبطالة والتهميش، كلّ هذا بالنسبة لهم أشنع وأفضع من الموت.

هل كل هذا، لا يدفع ولو للحظة واحدة بالحكومة أو برئيسها أن يخرج كما فعل في الأيّام السابقة، ليعتذر من الضحايا، يعتذر من أهاليهم ويعتذر كذلك منّا جميعا ويصارح الشعب بحقيقة الأوضاع وبالفشل في أداء المهام؟

لا أعتقد أن مثل هذا السلوك سيمُس من قيمة أومن شأن أو من شخص السيد رئيس الحكومة في شيء. بل من الأكيد سيخفف ذلك من قسوة الصدمة ومن عمق الحزن ومن شدّة اللوعة التي أصابت كل فئات الشعب التونسي في هذه الأيّام العصيبة والصعبة والعسيرة.

ألم يقل السيد الشاهد في كلمته الأخيرة التي وجهها إلى الشعب التونسي:” أنا ما نهربش من المسؤولية ”

عليه أن يُترجم ذلك فعليّا، لأن الهروب من المسؤولية في هذا الظرف تحديدا يمكن أن يدفع بالبلاد نحو الهاوية أكثر ممّا هي فيها…الهروب من المسؤولية هذه المرّة و جثث أبنائنا و بناتنا لازالت تتقاذفها الأمواج سيجعل من فاجعة قرقنة ترتقي إلى مستوى جريمة دولة في حق شباب تونس، لقد حان الوقت و جائت اللحظة لأن يكون لتونس قيادات بمستوى ما قدّم شعبها و شبابها من تضحيات، أيضا تحتاج تونس اليوم أكثرمن أي وقت مضى إلى فاعلين سياسيين يُمسكون أوّلا بمفاصل طبيعة المرحلة و أولوياتها، وثانيا يمتلكون القدرة و الكفاءة و وضوح الرؤية في طرح البدائل والحلول الوطنية لمعالجة الأوضاع الصعبة التي تمر بها البلاد بعيدا عن سياسات الإرتهان إلى صناديق النقد الدولية والرضوخ إلى إملاءاتها التي أثبتت التجربة أنّ مثل هذه السياسات والخيارات المعتمدة من قبل كل حكومات ما بعد 14 جانفي 2011 و ما قبلها ،لم تنتج سوى مزيدا من الفقر ومزيدا من إرتفاع المديونية و مزيدا من الإضطرابات الاجتماعية و مزيدا من التفريط في السيادة الوطنية.

رغم صعوبة المرحلة وإنسداد الأفق وتواصل الفشل، فلديّ قناعة تامة أنّ هذا الوضع سوف لن يطول وسوف لن يزيد أبناء هذا الشعب الصادقين إلاّ إصرارا لفتح أبواب أمل جديدة، برؤية جديدة وبفعل سياسي جديد يقطع مع السياسات والخيارات السابقة ليؤسس لبداية مشهد جديد… لتونس جديدة.

*ناشط سياسي 

شارك رأيك

Your email address will not be published.