الرئيسية » الانقلاب … حتى نفهم عن ماذا نتحدث ؟!

الانقلاب … حتى نفهم عن ماذا نتحدث ؟!

 

بقلم وليد الوقيني

الانقلاب هو إزاحة مفاجئة للسلطة الحاكمة بواسطة مجموعة تنتمي إلى الدولة غالبا ما تكون الجيش لكن ليس دائما ، و يتولى الانقلابيون فيما بعد أما تنصيب سلطة عسكرية أو سلطة مدنية لتسيير البلاد ، أما إذا نجح الانقلابيون في مسعاهم فإنه يتمكنون من السلطة لكن إذا فشلوا فضمن النتائج الممكنة الحرب الاهلية ،

في الواقع الانقلابات تشكّل خطرا حقيقيا على الديمقراطية اذ لا يمكن بأيّ حال من الاحوال توقع الوصول للسلطة بغير الصندوق داخل نظام ديمقراطي ، لكن بعضهم في الفترة الاخيرة صار يرى أنه من الممكن اعتماد الانقلاب و ذلك بغاية إزاحة نظام شمولي أو دكتاتوري من أجل إنشاء نظام ديمقراطي لكن حسب وجهة نظرنا نرى حتى هذا النوع من الانقلاب خطير على الحياة السياسية فالذي يجب ان يصير حقيقة هي ثورة شعبية حقيقية لإنهاء الحكم الشمولي فذلك دائما يظل أسلم للحفاظ على الديمقراطية ،

فالجيوش حتى و ان انجزت ثورات من أجل النوايا الحسنة فإنها سرعان ما تنحرف بها رغم المعاني الرنّانه للبيان رقم 1 ، الذي دائما يحمل في طياته اسمى الفكر و المبادئ و كلما استمعت اليه ترى البلد الذي هو فيها سيصبح جنة لكن سرعان ما يتحول إلى نكد عيش من خلال الانتصار للطبقة المنقلبة و اشباعها لرغباتها و سطوتها على مقدرات الدولة و قتل و تهجير كل نفس معارض للانقلابيين .

و قد ظهرت لفظة الانقلاب خلال القرن السابع عشر و كان حين ذلك للتعبير على الاجراءات المفاجئة و العنيفة التي يتخذها الملك للتطور بعد ذلك بالمفهوم و يصبح كما عرّفناه بداية .
في التعريف ذكرنا ان الانقلاب هو يقوم على عامل المفاجئة لكن سأل البعض هل يمكن توقع الانقلاب اي هل من الممكن الحديث عن توقعه او عدم توقعه سياسيا ؟
يرى السواد الأعظم ان السياسة و التحليل تقوم على التوقع لما سيحصل و وضع الخطط الكفيلة لتفادي نتيجة ما او تحقيق أخرى ، بالتالي رغم عنصر المفاجئة فإنه لا شيء يمنع من توقع حصول انقلاب ما فالمفاجئة انما تتعلق بتنفيذ الانقلاب ، و ما دام الانقلاب يمكن ان يكون متوقعا فإنه بالإمكان وضع خطة الانقلاب المضاد الذي يعتبر مجموعة الاجراءات الغير قانونية التي تقوم بها الجهة المستهدفة للانقلاب الاصلي لحماية موقعها و معاقبة الانقلابيين و مزيد تعميق مكانتهم في الحكم ، فكل انقلاب فاشل تنتج عنه اما الحرب الاهلية او الفوضى او دكتاتورية تصل حد الفاشية سلوكا فهي تدخل البلاد في حالة فرز و تطهير غير مسبوقين تضعه السلطة الناجية عادة لتصفية كل خصومها .

في المنطقة العربية لعبت الانقلابات خصوصا العسكرية منها دورا كبيرا في تحريك الحياة السياسية حتى كادت تكون منظومات الحكم لا تتغير لولا الانقلابات و من هذه الانقلابات نذكر انقلاب الضباط الأحرار في مصر سنة 1952 و التي تحاول بعض القوى ان تصوره على انه ثورة إلا أنه في الواقع هو انقلاب عسكري على نظام الملك فاروق حينها ، لكن الانقلاب الأول في العالم العربي هو انقلاب قائد الفرقة الثانية بالجيش العراقي سنة 1936 انقلاب بكر صدقي ،

إلى جانب ذلك انقلاب هواري بومدين على بن بلة عندما كان الرجل وزير دفاع في حكومة الاخير و وقع ذلك ثلاثة سنوات بعد استقلال الجزائر ، و انقلاب الثورة البيضاء في العراق و هو الانقلاب الذي أطاح بنظام الرئيس عارف و قام به أحمد حسن البكر و نائبه صدام حسين سنة 1968 ، و يعد ما حصل في مصر من آخر الانقلابات التي حصلت في المنطقة العربية ، باعتبار انقلاب الحوثيين في اليمن سنة 2014 ، رغم أن السياسيين يسعون إلى إطلاق تسميات أخرى له الا انه يظل انقلابا ، و قد حاولت القوى الانقلابية ان تُخرج صورة الاستجابة لثورة شعبية في مصر لتحقيق ازاحة لنظام الحكم إلا أنه و حسب نظرنا كل استعمال لإحدى أدوات السلطة لاسقاط نظام ما يظل تعريفه دائما بالانقلاب ،

و هو اسوأ الطرق المعتمدة لتزييف إرادة الشعب و تدنيسها حينما تعمد أحد مكونات السلطة للركوب على ثورة ما او انتفاضة ما و ذلك ينتج عنه نظام مختلط لا تركبه إلا القوى الانتهازية الجديدة و القوى الانتهازية القديمة و يكون عادة هذا النوع من النظم أفشل أشكال الحكم مما ينتج عنها إفلاس اقتصادي و سياسي و قد تكون نهاية تلك الحقبة مهما طالت نسبيا في الزمن – إذ لا يمكن ان تتجاوز العشرة سنوات –

فإما أن تنتصر القوى القديمة نهائيا و تعيد البلاد سيرتها الأولى او ان تنتصر القوى الثورية ، لكن غالبا ما تكون نهاية هذه الحقبات دموية للغاية لأنه عادة ما تتدخل الشعوب للتخلص من وطأة الجوع و الظلم ، و يرى البعض أن بعض الأنظمة الحاكمة قد تلجأ آلة تصوير عمل ما على انه محاولة انقلابية فاشلة و هذا كثيرا ما حدث حتى تفتح يد النظام لتصفية خصومه و تنقية الأجواء السياسية حسب مصالحه و هذا الشكل غالبا ما تعتمده الأنظمة الهشة و الضعيفة و التي يشكو جهازها
الاستعلامي من حالة رغبة في السيطرة على توجيه نظام الحكم لدولة ما ، فيتحول حينها المناخ السياسي من مناخ مفتوح و مناخ حريات إلى مناخ سياسي مغلق تصبح فيه حياة المواطنين خاضعة لنمطية يضعها الحاكم حتى ينجو المواطن من المحاكمات و المضايقات ، و غالبا ما تكون خطة التلويح بفشل الانقلاب ناتجة عن خلل ما يعانيه الجهاز الحاكم سواء في تركيبته او في مستوى العلاقة بالخارج .

حاولت من خلال هذا النص المقتضب ان أتعرض إلى الانقلاب و دوره في التاريخ السياسي العربي دونما إغفال لما يحصل في الحاضر فالقوالب السياسية كما القوالب الاقتصادية اذا وقع تبنيها دون التمحيص في واقع تلك الدولة او تلك فإن الدواء حينها يكون داء و طابخ السمّ في نهاية الأمر يتذوقه .
*محلل القانوني و السياسي

شارك رأيك

Your email address will not be published.