الرئيسية » حديث الجمعة : كاد الإسلام أن يجعل للمرأة مثل حظ الذكرين

حديث الجمعة : كاد الإسلام أن يجعل للمرأة مثل حظ الذكرين

 

 

بقلم فرحات عثمان 

 

من المتّفق عليه، حتى عند من يرفض حق المرأة في المساواة في الإرث، أن الإسلام أعلى من قيمتها أي إعلاء؛ فقد أعطاها ما لم يكن ممكنا بالمرة في مجتمع ذكوري ومحارب، فيه الذكر ينشأ للحرب. لذا، فهو القوّام لا فقط على المرأة، وهي ذلك الجنس اللطيف الضعيف أو الأضعف حسب الطبيعة البشرية، بل وأيضا على كل القبيلة التي تعتمد على رجالها للدوام.

هذا لم يمنع المرأة طبعا من التألق وحتى السيادة والرياسة، إلى حد تزعم فيالق رجالية في الحروب؛ ذلك أنه لم يكن وأد البنات شائعا في العرب، وإن كانت عادة راسخة عند البعض منهم.

قيمة المرأة في الإسلام:
عندما جعل الدين الجديد حظا للمرأة، ولو كان نصف حظ الذكر، فذلك أخذا بما كان يفرضه واقع الحال؛ وإلا لعله جعل لها ضعف حظ الذكر لعلوّ قيمتها الثابتة في هذا الدين بصفة لم تكن معهودة حتى خارج الجزيرة العربية. ونحن نعلم أيضا قيمة المرأة عند صاحب الشريعة الإسلامية الذي من شدة احترامه لزوجته الأولى وولية نعمته لم يتخذ أزواجا غيرها إلى أن وافاها الأجل. لذا، ليس من المستحيل القول أن الرسول، لو سمح له مصيره بالحياة أطول، لكان من شأنه تطوير شريعة الإسلام في خصوص الميراث وغيره من المسائل التي جاء الوحي فيها متدرّجا لفهمه في نعاليمه حسب مقاصده، وأهمها العدل لا محالة والمساواة.

هذا ليس غريبا في دين تدرّج في كل شيء للتلائم مع الوضع البشري، لأن روحه هي هذا التناغم مع حال المجموعة البشرية التي جاء لتنظيم حياتها أفضل ما يكون. وقد رأينا هذا بخصوص قاعدة هامة من قواعد الدين، ألا وهي وجهة القبلة للصلاة، فكيف لا يكون ذلك في أمر من أمور المعاملات كالميراث؟

وبعد، لقد علمنا أن الرسول الكريم، قبيل وفاه، نوى ترك وصية للمسلمين حتى لا يضيّعوا دينهم، إلا أن من كان حوله رفض ذلك، وعلى رأسهم عمر بن الخطاب؛ وكما علمنا، فالفاروق كان من أشد المناهضين لحرية المرأة ومن العالمين باليهودية، بل من المولعين بالإسرائيليات إلى حد أن أفضل رفاقه كان كعب الأحبار، أحد كبار الأحبار اليهود الذين أسلموا. فلعله رفض أن يأتي الرسول الأكرم في آخر حياته بما يأتي بحقوقٍ جديدةٍ للمسلمات في دين ليس فيه درجات بين الذكور والإناث إلا التقوى. هذا بالطبع لا شيء يؤكده، ولكن لا شئ يمنع من التساؤل فيه والحديث عنه طالما لم بناقض أخلاق الرسول وروح رسالته.

قيمة الاجتهاد في الإسلام:
لا بد لنا هنا من التذكير أن الشريعة الإسلامية لا تختزل الإسلام كله؛ بل ليست هي الإسلام بتاتا، إذ الشريعة لا تعدو أن تكون الاستنباط البشري لأحكام عُدّت من الإسلام وليست هي ضرورة منه، بما أن الحكمة اللدنية لا تتوقف عند الاجتهاد البشري الذي يبقى ناقصا ولو أصاب. هذا مع عرفناه وتأكّد منذ ظهور نظرية مقاصد الشريعة ورسوخها عند الفقهاء؛ وذاك ما يقتضيه الاجتهاد الذي لا بد له أن يبقى مستداما حتى لا تتحجّر تعاليم الإسلام، بينما الذي يتحجّر في الحقيقة هو الفهم في الذهن البشري لفساد كل شيء على الأرض إذا لم يتجدد كما يتحتّم ذلك.

مَثل نتاج العقل البشري، بما فيه الفقه أو الشريعة الإسلامية، كماء لم يسل، فإذا هو مستنقع؛ وهذه حال الفقه الإسلامي اليوم وشريعة المسلمين، ومعاذ الله أن تكون تلك حال الإسلام في تعاليمه الأزلية التي تبقى في نفس الآن علمية في روحها، عالمية في طبيعتها. فلم لا نُطوّر فهمنا لتعاليم الإسلام من منطلق العدل،

الذي هو من مقاصده الأساسية فلا يكون بعد للمرأة نصف حظ الذكر بل ضعف حظه إذ كانت أهلا لهذا؟
ولئن لا يمنع تطور حال المرأة من القول نظريا، باسم الإسلام وانطلاقا من أرضية العدل والتقوى، بإمكانية أن يكون للأنثى مثل حظ الذكرين إذا كانت هي فعلا القوّامة على شؤون ذكور العائلة، فنحن لا نذهب إلى هذا وقد عسر على من يدّعي الأخذ بتعاليم الإسلام القول بما هو أقل. إننا نكتفي بالتأكيد على أن كل من يعترض على حق المرأة في المساواة في الإرث لا يعمل بالإسلام الذي لا يمنع احترام تعاليمه وروحه ومقاصده من الذهاب إلى أبعد من المساواة إحقاقا للعدل الأقصى، أي تعويض المرأة الضرر الحاصل لها منذ قرون لاعتبارها نصفا للرجل خلافا للقيمة التي أعطاها لها دينها.

تحقيق المساواة والحريات اليوم:
لذا، نهيب اليوم برئيس الجمهورية، ونحن نستعد للاحتفال بعيد المرأة، عدم الإصغاء للدعوات الساعية لمنعه من تحقيق ما التزام به في عيد السنة الفارطة من تحقيقٍ للعدالة في الإرث من الآن، مع الدعوة للعمل على دعم هذا باستحقاقات إضافية في الحقوق والحريات الفردية عملا بالدين الصحيح لا الفهم الهجين الذي يريد الأدعياء على الإسلام من المتزمتين فرضه على أهل الإسلام.

فالإسلام الصحيح هو دين الحقوق والحريات، وهو إن اقتضي تسليم العبد لله، فلخالقه فحسب كعبد حر، تام الحقوق والحريات، ومنها الفردية. لهذا، نهيب أيضا برئيس الجمهورية أن يعرض دون تردد مشرورع مجلة لجنة الحريات الفردية والمساواة على البرلمان مع دعمه بالمشروع الذي عرضناه في تحقيق العدالة في الإرث وإبطال تجريم المثلية كأفضل فاتحة للخلاص من تابوهين رمزيين يعيقان تطوّر الذهنية الإسلامية بتونس، مع الدعوة للبت في هذا المشروع ذي الأولوية في أقرب وقت.

ندعوه أيضا أن يدعم هذا التوجه بدعوة الحكومة لأن تبطل حالا ودون تأخير كل النصوص الإدارية والمناشير التي تخالف نص الدستور وروحه ومقتضيات هذ المشروع وفصول المجلة المعروضة على التصويت،

كتلك المناشير المخزية غير القانونية المتعلّقة بالفحص الشرجي وحرية تجارة وشرب الخمرة.
وإذا لم يفعل رئيس الجمهورية ما يتوجب، فليكن ذلك ببادرة من رئيس الحكومة الذي نتوجه إليه أيضا بصفته الرأس الثاني للسلطة التنفيذية في هذا الظرف العصيب الذي يقتضي سياسة أخلاقية لا شك أن البلاد في حاجة ماسة لها؛ ولا أخلاق بلا حقوق وحريات ! فليكن الشرف للأفضل احتراما لهذا الشعب وتطلعه للكرامة، وهي في استعادته لحقوقه المسلوبة باسم الدين بينما ليس ذاك إلا أخذا بالإسرآئيليات التي شوهت الإسلام ومسخته، فلم يعد دين الحقوق والحريات الذي جاء رحمة للعالمين.

شارك رأيك

Your email address will not be published.