الرئيسية » بين الإعلام والدعاية السياسية : كيف تمول القنوات التلفزية الخاصة في تونس ؟ 

بين الإعلام والدعاية السياسية : كيف تمول القنوات التلفزية الخاصة في تونس ؟ 

القنوات التونسية الخاصة التي تناسلت بعد سقوط  نظام بن على يطرح وجودها وبروزها على الساحة أكثر من سؤال حول التمويل أو حول خطها التحريرى الموجه أو حقيقة الدور الذي تلعبه ومن يقف وراءها وما هى اهدافه الخفية ومدى قدرة “الهايكا” على مراقبتها و الحد من ضررها على المجتمع المتلقي لخطابها الموجه المشبوه.

 بقلم أحمد الحباسى 

مع سقوط نظام الرئيس السابق زين العابدين بن على سقطت وكالة الإتصال الخارجى التى كانت تمول إعلام السلطة ورغم  ما قيل و يقال عن “الكتاب الاسود” الذى افتعله الرئيس  المؤقت السابق محمد المرزوقى لغايات  شخصية ومن باب التشفى من منافسيه ومنتقديه فقد كشف هذا الكتاب عديد أسماء الصحفيين والمؤسسات الصحفية التى كانت تعيش على هبات النظام ومن بين هؤلاء طبعا رموز ومؤسسات صحفية إعلامية لا تزال  تنشط على الساحة دون ذرة خجل أو حياء.

في مقال للكاتب الصحفي المصري جمال سلطان، يقول إن 90% من المال الإعلامي في مصر إماراتي، وإن بعض المكاتب الإعلامية التي أسستها الإمارات عمل فيها كبار المسؤولين المصريين الحاليين، ولعلّ الوثائق السرية الإماراتية المسربة، التي تحصل عليها موقع عربي21 ونشرها الاربعاء 3 جانفي 2018، والتي كشفت مخطط أبو ظبي للتعامل مع الأزمة الحادة الأخيرة في تونس، التي نشبت في أعقاب قرار الإمارات منع التونسيات من السفر على متن طيران الإمارات، جاءت لتكشف ترسانة من الملفات، أبرزها تورّط عدد من المؤسسات الإعلامية في العمل لصالح أجندات إماراتية معروفة الغايات.

أدوات لتبييض الأموال و لتبييض التطبيع مع إسرائيل  

دون الدخول فى التفاصيل ودون  تصديق أو تكذيب مثل هذه التصريحات و التسريبات فمن الواضح اليوم أن هناك قنوات تونسية خاصة مثل نسمة والحوار التونسي و التاسعة وتونسنا وغيرها تحتاج ميزانيتها الى التدقيق من هيئات مستقلة شفافة.

تجمع كل القنوات الخاصة على أن وضعيتها المادية متأرجحة بين المد و الجزر حسب سوق الإعلان وحسب المادة المقدمة وحسب المناسبات ولكن من ينظر الى نفقات بعض القنوات يدرك أن هناك كثيرا من المال السياسي الفاسد التونسي والخليجى و الغربي يجرى فى عروق هذه القنوات و يجعلها لا تعيش الخصاصة.

هذه القنوات المشبوهة التي تناسلت من بعد سقوط  نظام بن على يطرح وجودها وبروزها على الساحة أكثر من سؤال حول التمويل أو حول خطها التحريرى الموجه أو حقيقة الدور الذي تلعبه ومن يقف وراءها وما هى اهدافه الخفية ومدى قدرة “الهايكا” (الهيئة المكلفة بتعديل الإعلام السمعي والبصري) على مراقبتها و الحد من ضررها على المجتمع المتلقي لمثل هذا الخطاب الموجه المشبوه.

هناك بعض التسريبات الجدية  تفيد أن بعض الدول الخليجية قد رصدت الاموال الخيالية لإنشاء أو دعم هذه القنوات خدمة لمصالحها السياسية والدينية أو خدمة لعدة مصالح صهيونية أهما “تبييض” التطبيع وفرض حالة من الأمر الواقع تقبل بالوجود الصهيونى بحيث تصبح هذه القنوات خنجرا مسلولا فى جسد الوطن العربى وأداة من أدوات التضليل الوجدانى الرافض للهيمنة والوجود الصهيونى الإمبريالى فى المنطقة العربية.

لقد تحول سوق القنوات التلفزيونية إلى ميدان خصب لغسل رؤوس الأموال الناشئة من أعمال ومضاربات ورشاوي مشبوهة واستغل البعض ما سمى بحرية التعبير لإخفاء هذه الاموال بحيث تمر عملية غسيل الأموال بعدة مراحل تتعلق باختيار  الإطار “القانوني” ثم التمويه بمحاولة طمس العلاقة بين المال الفاسد والقناة ثم السعي لخلق لوبى برلماني قادر على توفير الحماية السياسية عند الإقتضاء.

بطبيعة الحال يستغل هؤلاء المضاربون الفاسدون كل الثغرات القانونية لإنشاء هذه المحطات التي غايتها الربح والكسب المادي بغض النظر عن طبيعة المنتج المقدم للمتابعين والذى يتمثل فى برامج سطحية تافهة تعتمد الإثارة الجنسية الرخيصة تماما كما يحدث فى برنامج “L’Emission” على قناة التاسعة على سبيل المثال لا الحصر.

تصفية الحسابات السياسية وبث ثقافة “الجمهور عاوز كدة”

المؤسف أن تكشف هذه القناة وغيرها عن كونها لا تبغي إلا تهميش الهوية الثقافية التونسية ببث برامج  أخرى مثل “عبدلى شو” الذى بلغ من الرداءة و قلة الذوق حين استضاف لطفى العبدلي “فنانة” لتتحف المتابعين بسقطات و إيحاءات جنسية مبتذلة أسالت كثيرا من الحبر وتركت آثارا سلبية لدى العائلات التونسية.

بطبيعة الحال لا يمكن أن يكون هدف مثل هذه  الرداءة و التفاهة إلا جمع الأموال و الإثراء المجاني السهل.

من يمول قناة التاسعة والقنوات الخاصة الأخرى التي تعمل على فرض الإبتذال وقلة الذوق والجهل المدقع؟

يقول البعض ان هناك رجال أعمال من جهة الساحل لهم مواقف سياسية معينة هم من يمولون هذه القناة. ولعل خروج السيد معز بن غربية من القناة منذ أشهر قد طرح عديد الأسئلة حول الجهة التى ترأس القناة فعليا والجهة التى ترأس القناة من الباطن و إذا ما التفتنا بعين الاستقصاء الى كمية “الإنتدابات” من بين كبار المنشطين والفنانين والتقنيين و غيرهم الذى تمت فى “الميركاتو” الصيفي منذ أيام قليلة فالظاهر أن هناك أموالا قد تم ضخها لمواجهة كلفة حملات الإنتداب خاصة وقد استهدفت كوادر من قناة الحوار التونسي كان يعول عليها سامي الفهري لاكتساح المشهد البصرى وانتزاع أكثر ما يمكن من شيكات الإعلان.

هذه الحملات تؤكد للمتابعين أن القناة التى كانت تنتهج خطا تحريريا مرتبكا فرضته حالة التوافق المشبوهة بين حزبى النهضة والنداء قد قررت هذه المرة الخروج من اللون الرمادي وكشف وجهها واتجاهها الصحيح… فى حين يبقى السؤال من أين تعيش هذه القناة ومثيلاتها ولماذا تحولت الى أدوات للدعاية السياسية وتصفية الحسابات مثلما تقوم به قناة نسمة مع رئيس الحكومة يوسف الشاهد وبث ثقافة “الجمهور عاوز كدة”.

 

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.