تتجه الرؤية العالمية الجديدة خلال العقود القادمة للبنوك المركزية نحو إقامة شراكات مع المؤسسات المالية المتخصصة في إنتاج العملات الرقمية على المدى المتوسط والبعيد، وهذا بهدف جعل المعاملات المالية مستقبلا أكثر سرعة وسهولة وفي جانب موازي أقل كلفة مما هو عليه الوضع اليوم.
بقلم رؤوف الغشام *
ولتقديم المشهد بإيجاز في صورته العامة، إستراتيجيا سيجد الحريف نفسه مستقبلا قادرا لدى البنوك على إجراء معاملاته على مدار كامل اليوم وهذا لا يقتصر على ساعات العمل الرسمية للمؤسسات المالية، وهو ما يفترض وجود بنية تحتية خاصة ومختلف تماما على المدى البعيد على سبيل الذكر لا للحصر عما هو معمول به في مشهد المعاملات السائد حاليا بالبنوك التونسية.
الإنفتاح الكامل على الخارج والتوازنات العامة للدولة
من زاوية أخرى تتميز الرؤية المستقبلية لهذا البرنامج المالي الرقمي الجديد بالأساس أن تكون المنظومة على غاية من الدقة، لتضمن كافة عمليات التحويل النقدي بين الدول، فالشخص المستلم للتحويل النقدي الرقمي مثلا سيكون على يقين أن أي تحويل لفائدته سوف يتم على أكمل وجه وبدون إحتمال لتعرضه لموانع وصول التحويل إليه من المرسل.
تركيزا على المثال التونسي المعاصر، يعتبر غياب مؤشرات إقتصادية إيجابية جدية هو إقرار ضمني أننا لن نكون ضمن أوائل المواكبين للركب المالي الرقمي الجديد بكل مضامينه، وهذا ما يترجمه بالأساس عدم إستقرار التوازنات الإقتصادية العامة للدولة، والتراجع الحاد لقيمة العملة الدينار التونسي خلال العقد المنصرم وما رافقه من تدهور للقدرة الشرائية للطبقة الوسطى المحرك رئيسي لكل إقتصاد، والمتمثل في معانات التونسيين من تضخم الأسعار الإستهلاكية بشكل عام، إلخ.
وبناء على الأسباب الآنفة الذكر، قد لا تتشجع الحكومات المستقبلية على التشريع نحو الإنفتاح الكامل على الخارج لإنعكاس المخاطرة مباشرة على التوازنات العامة للدولة، وقد تتواصل سياسة التضييق البنكي على المواطن وغلق المنافذ أمامه لإجراء معاملاته بالعملة الصعبة مع الخارج على غرار ما هو معمول به بالدول الأروبية، لأن الموضوع مرتبط بخروجنا من عدمه من تراكمات حجم الدين الخارجي للدولة وإنتعاشة سعر الدينار، والسياسة نقدية في العقد القادم قد تكون حذرة لضرورة الإيفاء بالإلتزامات مع الخارج حفاظا على المصداقية مع الشركاء في السوق المالية العالمية.
الإنتاج في قطاعات واعدة مثل الطاقات المتجددة والتكنولوجيا الرقمية
ويجدر التنويه، رغم العوائق المتقدمة الذكر أننا أمام ضرورة الإستعداد تشريعيا لهاته المنظومة الرقمية الجديدة لأن المسألة سلاح ذو حدين، فمن جهة البنوك المركزية تكون لها إمكانية مراقبة سير عمليات التحويل النقدي بصورة فعالة وهذا سيساعدها عمليا على تقليص الممارسات المشبوهة التي تتم من عصابات غسيل الأموال تحديدا، علاوة عن أن الإنخراط بتهئية الأرضية التشريعية قد يكون عاملا مستقبليا لتحصين تونس من التصنيفات السوداء من قبل المنظمات الدولية كبلد عرضة لمخاطر غسيل الأموال وتمويل الإرهاب كما تم في 2018.
ختاما، يبدو واضحا أن المسؤولية جسيمة للمجموعة الوطنية، فنحن مجبرون على تجاوز العجز الإقتصادي الحالي خلال الخماسية القادمة لأن الركب العالمي يسير وقد لا ينتظر المتأخرين، وأولويتنا قد تظل التقليص من قيمة الدين الخارجي بالإنتاج في قطاعات واعدة مثل الطاقات المتجددة والتكنولوجيا الرقمية لتحقيق تنمية مستدامة على المدى المتوسط والبعيد، مع ضرورة الأخذ بعين الإعتبار أن البرنامج النقدي العالمي الرقمي الجديد قد يطرح على الأنظمة المحلية مبدأ تبادل العملات فيما بينهم. فما أعددنا لهذا؟ أم أننا سنكون من المتخلفين ؟
* الباحث في الإقتصاد.
شارك رأيك